بقلم الاعلامي.. بسام الياسين
( حكمة قديمة :ـ لا تفتخر ان لديك اصدقاء بعدد شعر راسك ستكتشف عندما تحتاجهم انك اصلع )
{{{ كاتب بلغ سن ما بعد سن اليأس بكآبة ويأس.انقطعت ” دورته الفكرية “، فهبط الى ارذل دَرَكات عمره…هو من حرس قديم في اصابعه هشاشة،لهذا تلمس اعوجاج مقالاته. شاخ على تنفيذ الاملاءآت و جاهد لعصرنة “امرك سيدي” التي لم تعد مقبولة في عصر التكنولوجيا،فقام بهز الثوابت الوطنية وتحطيم المقدس القومي بالتهليل لاستيراد ” غاز ” من لدنَّ عدو منفوخ بغروره وجبروت عنجهيته .كاتبنا لم يبق منه سوى اطلال متهالكة….خف عقله وتراجع إنتاجه بعد ان دخل شيخوخة غير صالحة حين مسخ الله هيبته وحط من قدره لكثرة اوزاره…غريب امره و ـ ما غريب الا الشيطان ـ في امر غريب الاطوار هذا، انه لم يزل يجلس على ـ عموده اليومي ـ خازوقه كتمثال هرم مُتآكل،يجتر افكاره المحبوسة في ذاكرته الاحتياطية كبعير حاقد يُخزّن احقاده،ليبصقها على قُرآءه كل صباح بطريقة مُقززة.ما يثير الريبة ان لا احد يستطيع الاقتراب منه كالبقرة المقدسة…
لتدني هرموناته الوطنية الى المنسوب الصفري،اصاب قلمه رخاوة مخجلة ولم يعد في دواته الا حبر النفاق حتى اصبح يُلّقب بلقب ” حامل المبخرة” عن جدارة… بلغ ذروة نفاقه حين اطلق العابه النارية،فرحاً باتفاقية اطلاق العدو غازاته صوبنا لتعبئة جرارنا.متناسياً اننا جميعاً، نقترف جريمة بحق انفسنا بالسكوت على عدو يسرق مياهنا الجوفية من تحت اقدامنا ويبيعنا ثرواتنا الكامنة في ارضنا….نقول لـ ” حامل المنشفة ” انتهى زمن غسيل الادمغة،فأدمغتنا ولله الحمد،مغسولة،نقية،وطاهرة لا تقبل القذارة…فتُباً للتطبيع و اهله }}} .
((( الاصلع ))) !!
*** وقف الكاتب الاصلع بين المحررين الشباب وقال بلغة فوقية غلب عليها التكلف كانه كاهن البلاغة و استاذ المعرفة :ـ عالمنا العربي من اليابسة لليابسة بحاجة لمن يعلمه ” فن الكتابة “…هي علم متقدم و حرفة بالغة التعقيد لا تختلف عن صناعة الاسلحة… تحتاج على الدوام الى التطوير الذاتي .من هنا فان الكُتّاب الطارئين على الصحافة تنقصهم الدورات التدريبية والحرفية،لتزريق افكارهم للقراء لتصديق ما نكتب كمسلمات من دون محاكمة عقلية…كيف لا وبوصلة طريقنا تعاليم قدوتنا مسيلمة. نجحت في تضليل الناس عدة عقود.جائزتي كانت ثروة كبيرة وحظوة عند اهل السطوة.فلا احد يجرؤ على الاقتراب مني…رغم انني ” انتيكة قديمة” غير متداولة في السوق المحلي،ومرفوضة من اي متحف اثري لانها ليست ذات قيمة.
انا ـ والعياذ بالله من كلمة انا ـ،احس بانكماش في معدتي،وضيق في صدري حين اقرأ مقالة لغيري…خطتي لكي تكون بضاعتك رائجة عليك ان تكون كاللون الرمادي الانتهازي الذي يتماشى مع كل الالوان، وكالثعبان الذي يغير جلده كل سنه…وبما انني “انا الكتابة والكتابة انا” على طريقة ” انا الدولة والدولة انا “…اقول بملءِ فمي يجب فتح مقبرة للكتابة لدفن الادعياء من الكتبة والمستكتبين الذين انتشروا كالجراد في المواقع الالكترونية حتى اصبحت الكتابة مهنة للتسلية و الاعلان عن الذات بنشر الاسم والصورة مجاناً.
واصل الاصلع هلوساته قائلاً بنرجسية اعمته “اناه” المتورمة :ـ انني صنعت الصحافة المهاجرة،و اسست العديد من المجلات المتميزة السياسية منها والنسائية التي زادت ارقام مبيعاتها على الست خانات…خانة تنطح خانة حتى اصبحت الصحافة في بلد النفط والرمل زوادة المسافر،و انيس المقيم،وسمير المهاجر…من فعل مثلي في هذا الميدان، فليتبعني الى بطن الوادي لأفقأ عينيه بقلمي،وأُكَفِنَه بورقي…انا لمن يجهلني من الاباء المؤسسين للصحافة … و انا في الكتابة ابلغ من ” سحبان ” سيد البلاغة،اما في الهجاء احط من ” الحُطيئة “…فمن اعلى كعباً مني ومن له في النسب قامة مثلي…!!!.
خلع نظارته السميكة…نفخ عليها عن قرب…ثم اخذ يمسح البخار المتصاعد من فمه بمنديل ورقي…اعادها الى عينية الغائرتين مثل كهوف الاربعين حرامي…اشعل سيجارة امريكية من النوع الفاخر… راح ينفث دخانها في وجه الحضور غير مكترث باللوحة المعلقة امامه ( ممنوع التدخين…اذا اردت ان تتسرطن فافعلها لوحدك…الرجاء لا توذي بسمومك غيرك )…تابع حديثه باسلوب تنظيري وكأنه يملك ناصية البيان وعلم الاولين والآخرين :ـ الصحافة ليست سخافة والكتابة ليست طبخة مقلوبة… اللغة مقدسة،و ليست محطة تنقية …ولم تكن يوماً لتلميع “الشخصيات الواطية ” .
صفق المحرر الملاصق له،وتحسس صلعة ” فهلوي الصحافة “.وجدها لزجة مليئة بالحفر و النفايات مثل شوارعنا المخزية ثم قال بعد ان مسح يديه مما علق بهما من الرأس النتنة :ـ ان المدارس الصحفية وحتى الفكرية جميعها خرجت من تحت هذه الصلعة العبقرية…هذا العبقري الفذ اعطى عمره للكلمة …مدافعاً عن الحق والحقيقة بشفرة قلمه…اخترق قلاع الفساد على حصانه الورقي،وظل يقارع الفاسدين حتى تساقط شعره…ضعف بصره…و ” هرت اسنانه” في المعركة. .
اردف :ـ لن ننسى فضله انه حرر اخطر الاخبار او نتناسى افضاله في وضع ابلغ العناوين،او ننكر فضيلته انه الافضل بتدبيج المقالات الملتهبة التي احرقت معوقات قيم العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص،في حين ان من يقودون صحافة اليوم كانوا نطف انابيب،وفي احسن الاحوال اطفالاً لم يخلعوا حفاظاتهم…صفق الحضور لهذه الكلمات المؤثرة بحرارة ولم يقطع التصفيق الا صوت احدهم من الصفوف الخلفية وهو يصيح :ـ اضيف على ما قاله زميلي ان ابا الصحافة هو اول من ادخل الورق الصحي و الشطافة للمؤسسات الصحفية…آنذاك التهبت الاكف ثانية بالتصفيق و اهتز زجاج النوافد من انفجار القهقهات العالية وكأن سرب طائرات كسرت حاجز الصوت فوق رؤوسهم .
رفع من الجانب الآخر للقاعة محرر جديد،تم تعيينه قبل فترة و جيزة، يده بحياء طالباً الاذن بالحديث….و بعد البسملة والحوقلة قال بصوت خجول ” ان استاذنا ـ ابو صلعة جنان ـ المليانة معرفة و حنان ” هو الركين الركين للكتابة،عنوان العناوين للصحافة المقيمة والمهاجرة ،عمود الخيمة للمؤسسة،حبر الكلمات المتقنة….انكم تجهلون باعه الطويل كيف يسحب المعلومات من خزائنها المقفلة،رغم حظرها والتستر عليها ليرى الناس الحقيقة واضحة جلية مثلما يسحب طبيب العيون الماء الزرقاء من عيون المرضى ذوي الابصار الضعيفة ليعود لها الابصار ثانية… استاذنا الكبير، يكشف لنا المعلومة بيده المباركة من دون سوء، عكس طبيب العيون الجراح الذي يستعمل المشرط احياناً والليزر احياناً اخرى.
لذلك فالاجهزة الاستخبارية المحلية ترصد مقالاته بينما الاستخبارات الاجنبية تترجمها فورياً، وتدفع بها الى مراكز القرار في بلادها لخطورتها.بعد كلمة المحرر الجديد،اصاب الجميع شيء من الذهول لتضخم صاحب الصلعة الذهبية حتى انك تسمع انفاس الموجودين مثل صرير اطارات السيارات على الطرق السريعة، لدرجة ان همس احدهم في اذن جاره ” معقول يا ناس” !…هل ما يجري في القاعة تهليس ام تدليس ؟!…
في نهاية الحفل تقدم رئيس مجلس الادارة صوب المنصة .امسك بالميكرفون وعلامات الحزن ترتسم على ملامح وجهه وبعد التعوذ من الشيطان قال :ـ تعجز الكلمات عن وصف زميلنا الاصلع،وتعداد مناقبه الكثيرة و خصالة الحميدة : وتطبيقاً للقاعدة المعمول” بها في كل الدنيا البقاء للاصلح “وليس كما هو المتبع عندنا البقاء للاصلع، قررنا خلع صاحب الصلعة المفروض علينا بالقوة الجبرية ـ من فوق ـ ليمضي في احلامه ويعيش اوهامه بعيداً عنا.
لهذا اطلب من المحرر الجديد، ـ اصغرنا سناً ـ تحريرنا من ” الاستاذ العبقري ” والجلوس مكانه ثم اخلاء ادراجه فوراً من كل متعلقاته لان عمره الافتراضي وتاريخ صلاحيته انتهىت منذ زمن بعيد….مرحلة التجديد تقتضي دماء جديدة،وعقليات تواكب مستجدات العصر،فيما صاحبنا شخصية محنطة فرغت بطاريتها….!.