بقلم الاعلامي .. بسام الياسين
{{{ ما حدث في الجامعة الاردنية امر مخزٍ لا يليق بسمعة الاردن…د. عزمي المحافظة رئيس الجامعة }}}
الجامع،الجامعة ليسا مكانين للعبادة والعلم فحسب بل شرّفهما الله مكانة،طهارة،قداسة.و حصّنهما اهل الاستنارة و العلم بالحَرَم والحُرْمَة.لهذا فان اي إختراق لحَرم الجامعة او الاساءة لحُرمة العلم والعلماء اعتداء سافر على مشاعر الناس كافة لا على الطلبة خاصة. العالم ينتفض دفاعاً عن قطعة اثار حجرية عمرها آلآف السنين…اليهود حرثوا فلسطين للبحث عن باقي فخارة مكسورة لا تساوي نكلة لإثباث وجودهم فيها… الدنيا ضجت غضباً على ” تنظيم القاعدة” عندما حطمت اصنام بوذا.الانتربول الدولي يُجنّد قواه كلها للبحث عن لوحة مسروقة…. اللوحة،الحجر،الفخارة،الصنم… تاريخ وحضارة.شيء لا يُصدق ان تكون عندنا الآية معكوسة باستباحة العلم،التاريخ،الجغرافيا وكأنها بطولة…( الجامعة ألُام ) لها ما لها من رمزية الامومة في وجدان الاردنيين.لم تُستبح من هولاكو وجنده بل من ابنائها،وهي التي رَبتهم في حضنها،ارضعتهم من علمها ثم خرّجتهم رجالاً متعلمين و ذواتاً متميزين.ما يُمزق اعصابنا رؤية عدونا المسترخي على مرمى حصاة منا،يُحوّل جامعاته الى مراكز علمية،ويرتقي بها اعلى درجات التميز و الافضلية ،بينما نحن “امة اقرأ” نُحولها الى ساحات حرب اهلية و ميادين رماية.
الم تكن كلمة ( إقرأ ) مفتتح القرآن الكريم، الاعجاز الرباني لمحمدٍ ـ صلوات الله عليه ـ.هذا الرسول العربي الموصوف من الله جل جلاله ” انك لعلى خلق عظيم”،و منارة البشرية كافة بشر طلبة العلم ان :ـ “من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً الى الجنة “.فكيف يجرؤ هؤلاء على تعطيل طريق العلم المفضي الى الجنة ؟!. وهم يعرفون يقيناً :ـ ” ان العلماء ورثة الانبياء”…يقيني انا،ان الاعتداء على معلم مدرسة جريمة منكرة،لا تُكفّر عنها اي عقوبة مهما كانت قاسية اما الاعتداء على جامعة كارثة وطنية، يجب تنكيس الشوارب لاجلها،رفع الاعلام السوداء حداداً عليها. فجامعاتنا ـ بعد الغزوة المشؤومة ـ اذا لم تُسوّر بالاخلاق،فلن يجدي الامن الجامعي ولا الامن الدركي لان من يحمل شحنة سلوكية ملتوية في داخله،وحزاماً ناسفاً غير اخلاقي على خصره،لا احد يوقفه عن عدوانه حتى لو اجتمعت الدنيا باسرها . فالمعتدي على الجامعة لا يمكن ان يكون وطنياً او منتمياً.هو واحد من اثنين :ـ محراك شر وفتنة او طالب سلطة وفتوة…كفى عبثاً بالوطن تحت ذرائع كاذبة،وكفى بلطجة .
*** البلطجي كلمة عثمانية تعني الرجل الذي يحمل ( البلطة ) ليدافع بها عن الراقصة في مواخير الليل، خشية اعتداء السكارى عليها او التسلل الى مخدعها.زين الفاسدين بن علي الهارب بجلده الى جدة. كان أول من أطلق البلطجية في شوارع تونس بصفته رجل امن محترف لإهانة المعترضين على حكمه الفاسد.مبارك السجين كان من ابرع البارعين في فن تعذيب الشرفاء و استخدام الوسائل السيكولوجية و الجسدية لتحطيم الشخصية الوطنية المعارضة، لتوريث الحكم لنجله،فيما اعطى العادلي وزير خارجيته، شارة الهجوم للبلطجية للانقضاض على شباب الثورة في ميدان التحرير، بما عرف بمعركة الجمل.علي عبد الله صالح المترنح على كرسيه حشد الكثير من اقاربه ومناصريه البلطجية لاسناد حكمه الاستبدادي المتهاوي،مما دفعه للتحالف مع اعداء الامس من بلطجية الحوثيين. معمر القذافي المهووس بالسلطة قام بتزويد البلطجية بالسلاح لضبط الشارع لكن الثورة الشعبية طحنتهم و خوزقته،اما شبيحة الاسد فبحاجة الى موسوعة لتوثيق جرائمهم . نستشف من ذلك ان البلطجة نقيض الامن و النظام و مؤشر صريح على تقويض اركان الامة .
فمن هو البلطجي ؟. جاء في التعريف العلمي السيكولوجي،انه شخص شاذ شذوذا علنياً ،ويسلك سلوكا معاديا لمجتمعه،بعد ان فقد القدرة على التكيف مع القواعد الاخلاقية والقيم المجتمعية،وبالتالي فهو يحمل بين جنباته شخصية بالغة التفاهة و الفهاهة ،وبسبب الاحساس بالوضاعة يحاول ان ينفخ شخصيته المريضة باللجوء للزعرنة لاثبات حضوره و خلق توازن نفسي لشخصيته المهزوزة.فاحاسيسه المتلبدة تدفعه للتفاخر باختراق المحرمات و المعايير الاجتماعية،و الدوس على القيم لإشباع شخصيته الصبيانية. لإشباع
العالم فرويد رائد علم النفس الحديث، اسهب في تحليل هذه الشخصية السيكوباتية، وعزا اسبابها الى انها تعود في جذورها الى اهتزازت عنيفة ضربت شخصية البلطجي في طفولته المبكرة،ورغم كبر سنه بقيت اثار الهزات كامنة في تلافيف ذاكرته،تهز سلوكياته،وتضغط على اعصابه .لذلك تراه يتقمص شخصية ” القبصاي “،ويسرف في الحديث عن البطولة والرجولة.و لا يتورع هذا الشخص المنزوع الرجولة من الاعتداء على المدارس، الملاعب،المظاهرات،دور العبادة الجامعات،بذات بالقدر الذي يهاجم فيه الكباريهات الليلة.اذ انه لا يميز بين المقدس والمدنس. اخطر اختراقاته صروح العلم .جرائم من هذا القبيل لا تحدث الا في المجتمعات البدائية المتخلفة…انها لعبة الروليت الروسية القاتلة ـ مسدس الموت ـ المصوب الى الراس لا مسدس التخويف المصوب الى القدمين.
البلطجية اذن، مجموعة من البشر يجرجرون خيباتهم وراءهم،فيما تاريخهم الاسود خلفهم يطاردهم كظلهم..امنيتهم الذهبية أن تتحول ساحات الوطن الى حلبات مصارعة، لتوكيد وجودهم، واستعراض عضلاتهم، و تنفيس احقادهم.دوافع جنوحهم للعنف كثيرة اهمها :ـ الشعور بالاحباط النفسي ،النبذ الاجتماعي،العجز عن اقامة علاقات سليمة مع الاخرين، التفكك الاسري،التنشئة السيئة. فرب الاسرة ان كان منحرفاً،لا تنتظر من ابنه ان يكون قديساً.يضاف الى ما سلف غياب القدوات الطيبة، ضعف الوازع الديني،التهاون في تطبيق القانون..يروي الدكتور العلامة مصطفي السباعي،استاذ الشريعة في الجامعة السورية ـ رحمه الله ـ في كتابه ” اخلاقنا الاجتماعية” قصة لص بالقول :ـ حكمت احدى المحاكم على سارق بقطع يده،ولما جاء وقت التنفيذ قال للقاضي :ـ قبل ان تقطعوا يدي، اقطعوا لسان امي. استغرب القاضي وسأله عن السبب ؟!.فاجاب :ـ عندما سرقت اول مرة فرحت امي كثيراً وقالت :ـ الآن اصبح ابني رجلاً.لقد شجعتني ولو ضربتني لما اصبحت سارقاً محترفاً.
في السياق ذاته نتذكر أصحاب الذهنيات العرفية المغرورين بسادية عرفيتهم حيث يتباهون بايذاء الاخرين،منع الطلبة المسيسين من السفر لمواصلة الدراسة،الحرمان من العمل أي ـ زج الناس في قفص ومعاملتهم كدجاج النتافات ـ… روحية الزهو المريضة،اقصاء الاخر،احادية الراي،هؤلاء قدوات مشوهة وشخصيات مريضة لم تتطهر البلد من اثار سلبياتهم المدمرة، كما ان عقيدة تفوق الهوية الفرعية على هوية الدولة ،والحماية التي تقدمها لهم الواسطات باخراجهم من اي ورطة كانهم ابطال وطنيون انتصروا في معركة اليرموك او القادسية ساهمت في تخريب مفهوم الوطنية. يضاف الى ما سلف محسوبية تعيينات الهيئات التدريسية في الجامعات،التدخلات الرسمية في شؤون الجامعات،و اثقالها بالحمولة الزائدة من الموظفين وطلبة المكرمات التي بثت فيهم روح التواكل و الاتكالية و اعتقد بعضهم انه فوق الانظمة واللوائح الجامعية لانه حملة البطاقة الذهبية. عوامل مجتمعة ساهمت في تمييع التعليم الجامعي حتى اصبح كالشوربة المقززة . لهذا لا بد من الهيكلة لكي يعود البناء متماسكاً
ما حدث في الجامعة الاردنية تَصّدر الفضائيات المحلية و الاقليمية بطريقة عرض وتحليل مخزية وجارحة،و غطى على ثرثرة النواب،وبيان الثقة،بينما الخوف لدى الكافة، ان يبقى هذا الفعل اللا حضاري مبنياً للمجهول.اذ ان السكوت على هذه الجريمة الوطنية ،جريمة اكبر بحق العلم وكبيرة من الكبائر،و الطبطبة عليها يعني الخوف من المواجهة،التهاون في فرض القانون ، تشجيع الزعران على تكرار اقتحام الجامعة بمستوى اشد خطورة.
. في رواية أولاد حارتنا يصف الروائي الكبير نجيب محفوظ عنف البلطجية،وقدرتهم على السيطرة على الشارع ، تقاسم المناطق،فرض الأتاوات، استغلال ذوي النفوذ لهم من خلال بناء علاقة نفعية تبادلية بين المسؤول والبلطجي مصالح لا تُصدق.. قرأت الرواية قبل عقدين عندما كانت ممنوعة. حسبت بادىء ذي بدء ان الأمر لا يعدو خيال روائي محلق.وبعد ما جرى من فظائع على أيدي البلطجية في تونس واليمن والقاهرة و بنغازي،وشاهدت بام عيني ما يدور في بعض الشوارع الخلفية. أدركت أن خيال نجيب محفوظ كان قاصرا رغم أنه حاصل على جائزة نوبل،فما يحدث على ارض الواقع ابشع من الخيال.
قصة البلطجي المصري الشهير صبري النخنوخ ،المليونير وصاحب القصور في القاهرة وشرم الشيخ،استغله حبيب العدلي وزير الداخلية المصرية المعروف بعنفه وسلاطة لسانه وانتهاك حقوق الانسان ايام حسني مبارك، باطلاق يده للقيام بمهمات لا تجرؤ الداخلية على فعلها ولا تتحمل مسؤوليتها امام الراي العام ومنظمات حقوق الانسان موثقة بالصحف وعلى الشبكة العنكبوتية…انها ـ والله ـ فضائح يندى لها جبين الانسانية.
في هذا الجو التشاؤمي الكئيب خليق بالنخب المثقفة المستنيرة، التصدي لمثل هذه الظواهر المدمرة للوطن و مستقبله.فماذا يبقى لنا ان سقط العلم والتربية وليس لنا استثمار في هذا الوطن الا الانسان…اليس هو اغلى ما نملك وهو راس مالنا ؟!. الحقيقة ان لا سبيل للتخلص من الاختلالات السلبية الداخلية التي تعوق مسيرتنا وتشدنا الى قرار الهاوية الا بالحزم.وامتلاك شجاعة الاعتذار للوطن،والاعتراف ان اول خطوات الاصلاح الاعتراف بعيوبنا للتحرر منها.
لا تحرر بلا حضارة،ولا حضارة من دون علم وتربية. بالعقل نتصدي للتخلف،بالمعرفة نهزم الجهل،بالخير نطرد الشر…الحل لتجاوز البدائية السلوكية لا يكون الا بالوعي والانتماء الحقيقي .لا عيب في جيناتنا،العيب كله في التربية،التنشئة،في السلوكيات من الحضانة الى الجامعة..الغرب ساد بالعقلانية واحترام القانون.الاخلاق العظيمة تقود صاحبها الى سلوك الطريق المستقيم الذي يتجلى باحترام الاخر،الخوف على الوطن،الارتقاء بالذات لاقصى درجات الكمال.الامبراطورية الرومانية كانت قوية لكنها سقطت لانها قليلة الاخلاق.
لم تعد المدرسة والجامعة وحدهما وسائل التربية والتعليم.هناك عشرات القنوات التي تصب في ذهنية الطالب:ـ ادوات التواصل الاجتماعي،التلفزيون،الاذاعة،المواقع الالكترونية،الاصدقاء،المقهى،المسجد،القدوات ،لاعبو الرياضة،ممثلو السينما،المعلمون،دكاترة الجامعة.اي ان العملية التربوية التعليمية تبدأ بالاسرة الضيقة ولا تنتهي الا بالموت في غرفة العناية الحثيثة.مجمل القول ان الاصلاح لا يكون ولن يكون الا بالتنمية البشرية،توعوياً،تربوياُ،،تعليمياً. المواطن المسلح بالعلم والوعي والمحصن بالاخلاق هو الذي يصنع معجزة التغيير.وقد راينا راي العين ما فعله بنا الجهلة والمنحرفون من خراب في كل الميادين.