بقلم الاعلامي . بسام الياسين
” العلةُ في النخبة…فلا تبحثوا عن علل اخرى او شماعات لا إختصاراً للوقت وعدم الضياع في منعرجات الطريق للبحث عن الحقيقة…فالنخبة برأي الكافة كـ “البرد سبب كل علة “. فلكل واحد منهم قصة مليئة بعلامات الاستفهام التي يجب تفكيكها للوصول الى حقيقته،لمعرفة ما يكمن خلف الاكمة.الحكاية لا تبدأ من اين لك هذا على اهميتها وخطورتها ؟!. ولا تنتهي بماذا فعلت يا هذا حتى حصلت على كل هذا.الحكاية اكبر من هذه و هذا.الشيطان ـ الذي زين الطريق الى جهنم ـ يكمن في التفاصيل التي لا تُرى بالعين المجردة .فلا يغرنَّكم العناوين البراقة،وربطات العنق الجميلة .الاولى مُضللة والثانية خادعة…فالشعب على حق ان سكت او نطق “.
لا مناص من إعلاء كلمة الحق،والنطق بمنطق المنطق والعقل الراجح ،بعيداً عن التسطيح و موارة الزبالة تحت السجادة.اوضاعنا ليست سيئة بل بالغة السوء،والشارع في حالة حنق ، مشحونة بالتوتر والقلق.لذا لا بد من الاعتراف ان الاعتراف بالمشكلة ليس فضيلة بل نصف الطريق الى حلها.الشعب يتضور جوعاً،ويتقافز في طنجرة الضغط كحبة البوشار مما يتناهى لإسماعه من فساد الفاسدين من الذين كان يظنهم محصنيين،فيما النخبة المؤتمنة على خلق الله مشغولة في تصفية الحسابات فيما بينها،وتسجيل نقاط إنتصار على بعضها لاجل تلميع صورتها،و كأن الوطن على لا يعنيها وغير مدرج على جدول اعمالها،رغم انه في هذه الظروف العصيبة، احوج ما يكون لرص الصفوف لاسباب عديدة اهمها :ـ الشروخ الاجتماعية العميقة،والتحولات الاقليمية القائمة والمتوقعة من انفجارات مستقبلية.فطاحونة الموت لم تتوقف منذ سنوات في سوريا،العراق،اليمن،و تسونامي الفوضى يجتاح العالم العربي،بالتوازي مع توالد و استيلاد عشرات التنظيمات المتطرفة بمتواليات هندسية،ناهيك عن الضائقة الاقتصادية التي تعصف بالدول النفطية و العظمى على السواء،فما بالك بالدول الرضيعة التي تعيش على المساعدات والقروض كحالنا .فالفقر والبطالة وانسداد الطريق الى مستقبل آمن،حواضن مثالية للكفر ، الجريمة ، التطرف،الدعارة،المخدرات والجرأة على خدش هيبة الدولة…..!.
الحق ان الله لم يكتب علينا الشقاء انما كتبته علينا النخبة المدللة بسبب سياساتها الخرقاء ، التي تنقلنا من ازمة لإخرى ،ومن ضائقة خانقة الى “زنقة” اشد منها حتى تحولت الكثرة الكاثرة الى هياكل متحركة لا ينقصها الا توابيت لدفنها.وضع عسير يتطلب اجراء عملية جراحية فورية،و مبادرة اصلاحية عاجلة تجرف الرموز القديمة،وتكنس نخب التأزيم والشخصيات المحنطة التي لم تزل تعيش بالذهنية العرفية و اوهام شخصية الفارس الذي لا يُهزم حتى لو احترقت روما وخربت مالطا. ان لم تجدِ تلك المبادرة استجابة، فمن باب اولى اعلان ثورة بيضاء يقودها الملك شخصياً تضم القوى الوطنية بلا استثناء لمحو قبح واقعنا،وابتكار طرق جديدة و افكار خلاقة لسد عجز ميزانيتا المرعب بدل اللجوء الى جيب المواطن المثقوبة،و لإجل الوقوف في مواجهة العنف الي يضرب مجتمعنا.
لا شك ان هناك نخبويين ـ قلة ـ ننحني لهم ، شقوا طريقهم بعصامية فذة،وفرضوا انفسهم بجدارة.دخلوا القلعة محاولين التغيير من داخلها لكنهم لم يفلحوا. بعضهم انكفأ على نفسه وبعضهم جرفه تيار الاكثرية حتى اصبحوا كمن سبقهم بل اشد سوءاً،وتفوقوا على اساتذتهم الذين اشرفوا على تصنيعهم وتخليقهم كاطفال الانابيب في مختبرات سرية تفتقر الى ادنى شروط الصحة الوطنية،ففعلوا افاعليهم التي ادهشت ابليس ذاته. ركلوا القيم و المباديء والنزاهة،وقاموا بمأسسة الفساد على اسس قانونية،وابتدعوا فنوناً مخزية في ظل غياب الشفافية والمُساءلة حتى اصبح فسادنا ظاهرة مستقرة ، مما زاد في اتساع دائرة الاختلالات،السرقات،الترهل،وذيولها من بطالة وتذمر وشكوى ليرتقي الى مستوى الجريمة التي غدت متدوالة وسهلة مثل ” ولعة سيجارة “.
اذاً، العلة في النخبة وعلة النخبة في المعايير البالية التي تحملهم على اجنحتها لتحط بهم على المقاعد الاولى و الاسس المهترئة التي يجري اختيارهم على مقاييسها.في كتاب ” كيف تكون وزيراً اردنياً ؟!” لسائدة الكيلاني كشفت ان 19 % فقط جاؤوا للوزارة بالكفاءة خلال الفترة الواقعة بين عامي 2006 الى 2016، والثلث بالولادة،اما البقية الباقية جاءت بالواسطة،المحسوبية،الجغرافيا،الصدفة،او جائزة ترضية…هكذا ياتي الوزراء. هذا شان الوزراء فكيف حال من يأتون الى الصف الثاني والثالث.لغز لا يعرفه الا الله و العالمون بلعبة ” اللعبة القبيحة “، اما النخبة الصفوة ذات التاريخ المشرف والطهارة الوظيفية و اصحاب الثقة والتضحية و اهل الخبرة الذين حملوا على عواتقهم سجلات حافلة بالانجازات وبصمات لا تُنسى فلا مكان لهم.الادهى انهم يعانون من تهميش و تطفيش كأنهم ” دواعشة ” لا قدّر الله مع انهم خيرة الخيرة.
فشلت النخبة الحالية في رفع نسبة النمو،بعث روح التنمية البشرية،الحد من الفقر، البطالة ، الا انها نجحت اقتصادياً في تطبيق القانون الشهير ” العملة الرديئة تطرد الجيدة وتحل مكانها” . فقتلت روح الابداع والتفوق والتجديد عند المبدعين والمجددين حتى دفعتهم الى مغادرة البلاد وحشرت الباقي في زاوية حرجة و ادخلت بعضهم في حالة كآبة مزمنة.هذا الحال يقوض حالنا.دليلنا ان عوامل التعرية الداخلية المستجدة،كشفت هشاشة عظام النخبة وضعف جهازها المناعي في مواجهة ابسط الازمات.فكيف يكون حالها امام تقلبات الطقس السياسي الاقليمي،والتغييرات المناخية الدولية الحافلة بانقلابات حادة وانقلابات على التحالفات السابقة.
شاهد الشعب بالصوت والصورة لعبة التطاحن والصراع والتشاحن بين ربان سفينة الملقي،وكيف تغرق ” تايتنك الوزارة الورقية ” في شبر ماء،وكيف تنشطر من موجة حجب ثقة ضعيفة !.ان مشهد التطبيل الاعتراضي على الطاولة لتفريع الطاقة الانفعالية،و الحرد المقرون بالتكشيرة الشهيرة امام العامة،اطاحت بهيبة الحكومة…فيما تساءل الساخرون :ـ ان كان هذا يحدث امامنا فماذا يحدث خلف الكواليس وفي الجلسات المغلقة ؟!.فـ ( إتقوا الله في عباده وبلاده فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم ) نضيف و الاوادم .
الملقي ليس شخصية خارقة جاء لانقاذ البلاد من ازماتها الطاحنة، حاملاً في جرابه افكاراً خلاقة اين منها عبقرية مهاتير محمد،ولا بتاريخ سياسي نضالي مثل هوشي منه،ولا مجد عسكري كالجنرال جياب بطل تحرير فيتنام.جاء الى الرئاسة مثل ربعه :ـ عبد السلام المجالي، فايز الطراونة ،معروف البخيت ، عون الخصاونة ” فريق هندسة معاهدة وادي عربة المشؤومة .فكانت الرئاسة مكافأة على الخدمات الجليلة لهم.المشكلة الثانية ان عتبة الملقي لم تكن موفقة منذ بداياته،وفأله كان سيئاً للغاية بوقوع عدة كوارث دامية :ـ مذبحة مكتب مخابرات عين الباشا،انفجار سيارة مفخخة في منطقة الركبان ،مصرع ناهض حتر امام قصر العدل ،غزوة الجامعة الاردنية ـ ام الجامعات ـ ،جريمة قلعة الكرك النكراء. فوق هذه البشاعات كانت معايدته لعام 2017 رفع اسعار المحروقات،اجور النقل،الكهرباء في عز الاربعينية بدل بطاقات المحبة وهدايا الطمأنينية بعام جديد اكثر امناً وسلاما.
هنا يتبدى للاعمى مدى اللغوصة في سوء اختيار الوزراء ، وتعدد الايادي في الطبخة الوزارية،وما ينتج عنها من تنافر بسبب التجاذبات السلبية بين الوزراء،و قرارات قراقوشية في وزاراتهم.لنضرب مثلين لا اكثر. وزيرة السياحة و الاثار طالبت انشاء هيئات مستقلة لإدارة مواقع سياحية،وقد ظهرت كمن يطلب صحن بوظة في القطب المتجمد الشمالي،وعلى ما يبدو ان معالي الوزيرة ( لا تقرأ جرايد ولا تسمع اخبار ) ولا تعرف ان الهيئات والمؤسسات المستقلة تلتهم ثلث ميزانية الدولة و انشاءها جر على البلد ويلات كارثية و احدث فتقاً في خاصرة الموازنة يعجز عن رتقه افضل جراحي مستشفى ” مايو كلينيك الامريكي” وان تصميم هذه الهيئات جاء لتنفيع الذوات و اولاد الذوات برواتب خيالية من دون انتاج انما لتقطيع الوقت بحل الكلمات المتقاطعة.
المثل الثاني البدعة الجديدة اللا مسبوقة في الاولين والآخرين التي ابتدعها وزير الاوقاف ” خطبة الجمعة الموحدة “،اي ان تتولى ” الاوقاف كتابة الخطبة وتوزيعها على المساجد”.ولم تفصح الوزارة، هل ترسلها على اسطوانة مسجلة ام مطبوعة بالفاكس ؟!. ولا كيف يردد المصلون ـ آمين ـ ، وهم يعرفون انه جرى صياغة الخطبة مثل مقالة كانت تصوغها الاجهزة المختصة لاحد اذرعها الاعلامية لنشرها عبر الصحف شبه الرسمية، مع ان الدعاء يجب ان يُصور واقع الحال و يخرج من القلب لضمان الاستجابة…يضاف الى ذلك الشائعة / الصدمة المتداولة بين الناس سواء كانوا مصلين ام غير مصلين عن الائمة اصحاب الفتوحات الربانيو والكرامات الخارقة للعادة الذين يتقاضون رواتب شهرية بالالوف و كأنهم يصرفون صكوك الغفران ومفاتيح الجنة في جيوبهم.ـ هزلت ورب الكعبة.
من خطب الاوقاف الوعظية المفزعة الى الفضيحة المدوية التي شهدتها الجامعة الهاشمية من تحرشات الاساتذة بالطالبات،ونحر مروج مخدرات ضابط جمارك بالقرب من منزله عدة طعنات ثم تفتيت عظام ساقه في احد احياء عمان،وقتل مواطن في معان امام عائلته بدم بارد…هذه الجرائم هدفها نشر ثقافة الخوف فلا بد من التصدي لها بحزم…وعلى الذين يعزفون على اوتار الامن و الامان،نذكرهم بالموال التركي : { امان ربي امان } اصبح في خبر كان،وغير صالح في موطنه الاصلي . في ظل هذا النعيم الذي نحن فيه نعود و نسأل وزير الاوقاف ،بصفته المرجعية العليا للافتاء عن سجود الشكر المستحب عند جمهور العلماء :ـ هل نسجد شكراً لله على نعمة معرفتنا خبايا الوزراء ام نسأله ان يصرف عنا نقمة قراراتهم.
آخر تقليعات الملقي الاطاحة بصبر المواطن اختراع اصطلاح جديد في التشليح القانوني تحت مسمى بند ” ضرائب اخرى ” على غرار “الدفع قبل الرفع”.اللافت ان رؤساء الوزراء يتحولون الى لغويين افذاذ يبّزون سيبويه في نحت التعابير،لكنهم يرسبون في ابداع طرق اقتصادية للتخفيف عن عباد الله …المُلقي يريد ان يجني من كلمتين ” ضرائب اخرى ” حوالي نصف مليار دينار حيث سيتفوق على سلفه “الصالح” من رؤساء سابقين بزيادة ايرادات الضرائب 20% .هنا نحق لنا ان نسأل دولة الرئيس العبقري اسئلة بريئة :ـ لماذا لا يقف سيل الفساد العرم الذي يجرف ميزانية الدولة ؟!. لماذا لا تقوم الحكومة الرشيدة بتحصل الضرائب المتراكمة بذمم الاغنياء المقدرة بملياري دينار كما اعترف سلفه النسور ؟!. ولماذا لا تقف نزف نفقات وسفريات كبار المسؤولين التي لا تخفى على احد ؟!.
ان اخطر ما يهددنا الجوع فهو توأم الكفر ، ويثير حنق الجائع على الخلق،ويولدّ افكار العنف والجريمة،ويزرع الحقد،ويؤدي بالتالي الى مزالق لا اخلاقية في متواليات لا تنتهي.فالجوع اخرج سيد الخلق محمد صلوات الله عليه ذات يوم من بيته.فقال فيه :ـ ” اللهم اني اعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع و اعوذ بك من الخيانة فانها بئس البطانة “.هنا يبرز السؤال المركزي:ـ كيف تحارب الارهاب و الناس جياع ؟!.