في حديثه المُسهب والصريح الذي جاء عبر برنامج «ستون دقيقة» على التلفزيون الاردني مساء يوم الجمعة الماضي لم يقلل رئيس الوزراء د. هاني الملقي من آثار وتداعيات الازمة التي يمر بها اقتصادنا الوطني والتي انعكست في العجز الذي تعاني منه الموازنة العامة, الا انه في الوقت نفسه دعا وعن حق الى عدم المبالغة في الحديث عن هذه الازمة وكأننا امام مرحلة خطيرة وغير مسبوقة في العقود الاخيرة.
من هنا جاءت اقوال رئيس الوزراء واجاباته واضحة وغير متملصة, بل سمّى الاشياء باسمائها سارداً في دقة مسار المرحلة التي بدأت في العام 1989 والتي هي قياساً بما نحن عليه الان تعتبر الاصعب والاكبر, ما يعني في عبارة اكثر تفاؤلاً لخصها الرئيس الملقي بالقول: لا يوجد شيء في الوضع الاقتصادي الحالي يدعو للقلق الكبير, وهذه امور تمر بها كل الدول ولا بد من اصلاحها.. أي أن رئيس الوزراء لا يتهرب من مواجهتها بل يدعو الى التأمل بالمشهد في صورة متكاملة بعيداً عن التهويل او المبالغة, وبخاصة ان السنوات الست التي مرت منذ العام 2011 وهي بداية ما سمي بالربيع العربي قد اكدت ضمن امور اخرى, ان القضايا والملفات والتحديات التي مرت على وطننا اوصلتنا ويجب وبالضرورة ان توصل الجميع الى القناعة التي باتت تعرفها اغلبية شعبنا وهي ان الاقتصاد الاردني متين وله منعة.
واذ حرص رئيس الوزراء على ابداء المزيد من الشفافية في تشخيصه لواقعنا الاقتصادي فإنه لفت الى مسألة مهمة يجب اخذها في الاعتبار وهي ان الانفتاح الاعلامي الذي يشهده الاردن ووسائل التواصل الاجتماعي, اسهمت جميعاً في تسليط الضوء على الوضع الاقتصادي وهو الامر الذي لم يكن موجوداً في العام 1989, ما يستبطن حقيقة مفادها ان هناك مبالغة وتضخيما في تصوير الازمة الراهنة وكأنها عصية على الحل والمعالجة السليمة التي اصر رئيس الوزراء على تذكير الاردنيين كافة بأن ذلك لا يعني في مطلق الاحوال ايجاد المبررات والذرائع او ابداء عدم الرغبة في زيادة معدلات النمو وزيادة الانتاجية ومحاربة التهرب الضريبي والمحسوبية والفساد ووقف المشروعات غير المدروسة التي تؤدي الى هدر كبير في الاموال.
هذه الملفات والقضايا تخضع منذ الان للمراجعة والتمحيص وتندرج في اطار عملية الاصلاح الاقتصادي التي هي ايضاً – وكما اكد الرئيس الملقي عن حق – انها لا تنطلق من العدم بل في اطار حقائق ميدانية يعكسها على سبيل المثال استقرار الدينار الاردني وهو في وضع مطمئن ولا خطر يحدق به وفي ظل احتياطات نقدية تبلغ اثني عشر مليار وثلث المليار دينار اضافة الى مليار قيمة احتياطي الذهب الموجود وتلك الارقام المرتفعة تكفي مستوردات المملكة لمدة سبعة اشهر.
لم يكن ما قاله الرئيس في هذا الخصوص مجرد «خاطرة» رقمية بل اراد رئيس الوزراء توظيفها لدحض كل الشائعات المغرضة التي يروجها اصحاب المصالح الخاصة الذين يريدون الاستفادة من هذه الشائعات غير الصحيحة والمفتعلة لزيادة ارصدتهم الخاصة والشخصية من فروقات اسعار العملة والمضاربة.. فضلاً عن حقيقة اخرى وهي أن موازنة هذا العام جاءت استجابة للتحديات كافة والعمل بدأب من اجل كبح زيادة الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي.
لا يتسع المقام لايراد المزيد من الارقام والنسب التي تحدث بها الرئيس الملقي وما تعكسه تلك النسب والارقام من معان ودلالات في شأن ضبط النفقات ووجود مبالغ لشبكة الامان الاجتماعي والزيادة في النفقات الرأسمالية ما يعني في وضوح ان البحث في هذه الموازنة هو عن تفعيل الاقتصاد وليس عن جباية أو التأثير السلبي في المستوى المعيشي للاردنيين.
في مجمل الحديث يمكن القول بقناعة بعيداً عن التملق او الترويج للخطاب الحكومي ان هناك جهوداً جدية تبذل من اجل ترجمة التوجيهات الملكية للحكومة بعدم المس بذوي الدخل المحدود والشرائح الفقيرة والطبقة الوسطى وتفعيل الشراكة مع القطاع الخاص فضلاً عن ان هناك توجهاً عملياً يتم الاستعداد له عبر وضع الخطط والبرامج من اجل ترجمة موضوع ضبط النفقات وبخاصة في القطاع العام حيث اشار رئيس الوزراء بشفافية الى ان الكادر الحكومي اصبح متضخماً بشكل كبير لدرجة انه اصبح يعيق الحركة وبالتالي ثمة هناك من تكدس واعاقة الحركة وعقبات أمام الاستثمار تجب ازالتها في الوقت الذي لفت الرئيس الملقي الى ان ذلك لا يعني الاستغناء عن اعداد من هذا الكادر بل الهدف هو ترشيقه وتفعيله وتجاوز البيروقراطية المتأتية عنه.