بقلم الاعلامي .. بسام الياسين
(( اصرخ بملء فمي على مسامع العالم بأسره ، كمنتمٍ حتى نخاع عظمي لوطني ، الذي لا املك فيه كأغلبية المسحوقين من متاع الدنيا الا قهري و هويتي:ـ انني لن اغفر مطلقاً ، لمن كسر زجاج مدرسة او قصف جذع شجرة،و اشهد الله وجميع خلقه انني لن اسامح من سرق قطرة ماء،او ادخل حبة قمح عفنة لبلدي او نهب فلساً واحداً من خزينة الدولة.اولئك هم شر البرية الذين قال فيهم رب العزة :ـ ” واتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين ” صدق الله العظيم ))).
“سُئل رئيس وزراء اليابان عن سر تصنيف التعليم في بلده ، ضمن اعلى مستويات التعليم في العالم فقال:اعطينا المعلم راتب وزير،حصانة دبلوماسي،إجلال امبراطور . و في الحرب العالمية الثانية سأل برلمانيون تشرشل حين اشتد قصف الالمان على بريطانيا : إن بلادنا تحترق فماذا نفعل ؟.أجابهم بسؤال : كيف حال التعليم و القضاء ؟ قالوا : التعليم مستمر والقضاء عادل. فقال : لا تقلقوا إذاً فنحن بخير .وقرأت حديثاً لكاتب عربي مهاجر اثق بطهارة قلمه ونقاء ضميره ، ان قضاة المانيا طالبوا بمساواة رواتبهم برواتب المعلمين.فردت عليهم المستشارة ميركل :ـ الا تخجلون من انفسكم بان تتساووا مع معلميكم….في بلدي تُجرد هيبته،تُداس كرامته فيما نهتف له :ـ ” كاد المعلم ان يكون رسولا”…..مقدمة نستهل بها ان ” :ـ
*** ” غزوة مدرسة المرقب ” و التي سبقتها ” غزوة الجامعة الاردنية “،وما بينهما من جرائم اعتداء على الاطباء،الممرضين،رجال شرطة ، طوافين زراعة ، ثم التطاول على الممتلكات العامة تشويهاً وإتلافاً وسرقة.جرائم مخجلة ومعيبة.يرافق تلك الجرائم سلبيات ضجيج يصم الآذان،فوضى كأن ليس هناك قانون،قذارة في كل مكان،إبتداءً من الشواطيء، مروراً بالمنتزهات وليس انتهاءً باكوام الزبالة في الشوارع الرئيسة،كأن الفاعلين لم يسمعوا بان “إماطة الاذى عن الطريق صدقة”،ناهيك عن الكتابة على الجدران،طمس الاشارات المرورية،سرقة الاثار،قطف اشجار الزينة،اغلاق الطرق بالحجارة لإتفه الاسباب. ،احتلال الارصفة ضاربين عرض الحائط بالقوانين الوضعية وقول الرسول الذي لا ينطق عن الهوى :ـ ” اعطِ الطريق حقه “.
ممارسات ضد القانون،ومعادية للمجتمع لا يقترفها الا شخص فوضوي عبثي السلوك،مشوش التفكير،سيء الاخلاق،غير منتمٍ لوطنه،لديه ميول عدوانية صريحة،ومشكلات نفسية عميقة،إضافة لـ ” قلة دينه “. وضعنا ينطبق عليه تشخّيص احد الصالحين:ـ ” كان السلف يدخلون السوق بإخلاق المسجد،ثم صار الخلف يدخلون المسجد باخلاق السوق.من هنا نقول :ـ لا يمكننا ان نبرأ من عللنا المزمنة و امراضنا المستعصية الا بالعودة الى الله،وسنة رسوله،و اخلاقيات السلف الصالح،بعد هذه الخروقات للقانون وانهيار القيم الاجتماعية.
تفسير نوبات الانفعال الاندفاعية في الهجوم على مستشفى جراء موت مريض،او فزعة لقريب في جامعة،او مداهمة مدرسة بالعصي والحجارة لنصرة طالب منحرف،تحكمها استجابة مزاجية عاطفية يلتقطها الشخص الساذج من دون إعمال عقله.حالات تعرف في علم النفس بـ”هستريا الجماعات”،تنشأ عادة بفعل الايحاء و التعبئة ، ثم ما تلبث ان تخرج عن الإرادة والسيطرة.نوبات غضب ساخطة ، ترتفع كموجة مجنونة عاتية حتى تبلغ ذروتها في التحطيم،الضرب،الحرق،التكسير،ترويع الآخرين بالتنّمر عليهم،ادخال الخوف في قلوبهم،بعدها تبدأ بالهمود حتى تنطفيء اوارها.لذلك لا بد من الاشارة الى ان الفرد المنخرط في الهياج الجمعي،يخرج عن فرديته المعتادة حتى يصبح كالدابة،يتصرف غرائزياً بسلوك القطيع، كأنه منوم تنويماً مغناطيسياً.
اذا كان المنطق فن التفكير السليم،فإن نقيضها الثقافة الغوغائية التي ينساق وراءها الكثيرون،ويرخون آذانهم لما ينقله الاخرون من شائعات كاذبة او معلومات مضللة دون تفكير ولا غربلة. فيُسلم الشخص زمام اموره لغيره،و ينقاد مشلول الارداة الى حيث يريدون.غالباً ما يكون هذا الشخص ضعيف الشخصية،متدني الذكاء،مطيعاً كالإمعة ،عنده قابلية الانجرار .تجده احيانا يتورط في قضايا خطيرة بسبب غبائه لا بسبب ايمانه بها،وقد يدفع حياته ومستقبله ثمناً لها.لهذا يستغل الاعلام،السياسيون الاذكياء،الخطباء المفوهون سذاجة هذه الشريحة بسبب سهولة توجيهها وعشقها لتنفيذ الاوامر بلا تمحيص.
الخوف ان تصبح هذه الاعتداءات الرعناء ، تقليداً دورياً وظاهرة متجذرة ،تتنامى في خط متصاعد ، لتأخذ منحنيات خطيرة في الاعتداءات على الممتلكات العامة والموظفين العامين، لما تعنيه من دلالات كارثية و مراميز خطيرة قد لا يدركها كثير من الناس،بما فيهم المتعلمون و اهل السلطة.ما نقرأه من مقالات ساذجة وتحليلات سطحية،مجرد لغة انشائية، لا تتجاوز قشرة الموضوع الخارجية ، ولا تسبر اغواره لتستجلي كنهه من اجل معرفة دوافعه.بامانة وموضوعية نقول :ـ ان هذه الاشكال من العدوان،ما هي الا محاولة للنيل من هيبة الدولة،و تدمير مؤسساتها،والحفر في اساسها لتقويضها.سواء كان الفاعل يدرك ابعاد فعلته هذه ام لا،مع استبعادنا نهائياً الاجندات الخاصة او المؤامرات الخارجية.هذا النوع من الاعتداء يعتبر خطوة أُولى لتفكيك بنية المجتمع،والسعي لخلخلته.وبالتالي الغاء مفهومي الولاء والانتماء للوطن و الدولة من القاموس الوطني.
بالعودة الى جذور المشكلة،فان تعرض الغاضب للظلم،لا يبرر له تكسير الممتلكات العامة،ولا التطاول على موظفي الدولة بالايذاء الجسدي او اللفظي،كالمراجع الذي دخل على مكتب موظف يجلس بامان في وزارة الصحة ،و ” شطب ” وجهه بكأس مكسورة او كالشقيقين اللذين القيا جرة غاز مشتعلة على صالون حلاقة في وسط اربد لخلاف شخصي، كما لا يحق لاحد ترويع الطلبة والمعلمين و الاطباء والممرضين.إن الشخص المعتدي هو بالتحليل النفسي، يحمل في جنباته شخصية سيكوباتية معادية للمجتمع.وعلى من يريد ان ينتفض على الظلم والفساد والرشوة والمحسوبية،ان كان سوياً متزناً،اللجوء للقانون و ممارسة وسائل الاحتجاج السلمية الحضارية ، مع المحافظة عن الممتلكات العامة كدليل على وطنيته.وقد شاهدنا في مصر اثناء الثورة على الرئيس الفاسد مبارك،ان تناوب الشباب على حماية المتاحف الوطنية خوفاً عليها من النهب.فتخريب أي مرفق من المرافق العامة،وسرقة التحف الاثرية،واستبدال القطع الثمينة بقطع مزيفة هو هزيمة للوطن والمواطن معاً. إننا نؤمن ان الدفاع عن حرمة المدرسة والجامعة لا يقل اهمية عن حرمة الدفاع عن البيت و المسجد لانها منظومة واحدة تندرج تحت مسمى ” الاماكن المقدسة “.
للأمانة العلمية ـ حسب رأينا ـ ان بعض ما يحدث،ما هو الا من آثار المرحلة العرفية البغضية التي امتدت لعقود طويلة،وما مارسه العرفيون النافذون من ظلم واستعباد للناس،وخرق للقانون وتطاول على البشر،وحرمان من العمل والسفر،وتعذيب وقمع غير مبررين،وتغييب مطلق للعدالة الاجتماعية و إعدام لمبدأ تكافؤ الفرص تحت ذريعة حماية الوطن،والتضييق على الصحافيين المستقلين الذين رفضوا رهن اقلامهم.النكتة المهزلة اكتشاف الناس كافة. ان العرفيين كذبة، لم يحموا الوطن بل نهبوه،وهذه قصورهم شاهدة عليهم.هؤلاء شر ما ابتليت بهم الدولة. اللافت فيهم تمركزهم حول الانا المتورمة،ساهم في قتل الامة،لانهم حاربوا حرية الرأي والديمقراطية وعطلوا الحياة البرلمانية.تلك افعالهم المشينة ، شوهت صورة الدولة،و جرائمهم لم تزل كامنة في اللاوعي الجمعي للمواطنيين لن تُمحى بسهولة.ولنعترف ان بعض النوبات الانفعالية تُعرف في علم النفس بـ “العنف الرمزي ” جراء الاحباط والرغبة في الانتقام من تلك الفترة ، و الانعتاق منها .فتفلت المشاعر في عدوانية مدمرة تتناول الممتلكات العامة التي ترمز الى سلطة القهر العرفية..نقول لمن يدافع عن تلك الفترة تحت حجج واهية او يطالب بعودتها :ـ ان لم تكن المرحلة العرفية ديكتاتورية بحتة فهل هي ديمقراطية،وحرية،وحياة مُثلى؟!.ونتساءل ان لم نخرج من قمقم التوافه،وكهوف الخرافات السوداء،و نُعزز قيم الحوار واحترام الراي الاخر بعد ان قبرنا ” العرفية” فمتى نتطلع الى مستقبلنا ؟ّ.
المواطن “جمل المحامل ” ، المثقل بالفواتير وغلاء الاسعار،والضرائب التصاعدية المتصاعدة الذي من المفترض ان يعود عليه ما يدفعه على شكل خدمات صحية،تعليمية،طرقات،مواصلات سهلة و رخيصة ، يُصاب بالخيبة لما يسمع كل يوم ـ حقيقة ام شائعة ـ عن قضية فساد او تلوث شخصية عامة، ذات وزن رفيع وموقع متقدم…ويرى بام عينه اعتداء المتنفذين على الاراضي،و اولاد الذوات يستأثرون بالوظائف الدسمة،و يقرأ في تقرير ديوان المحاسبة الذي لم يُحاسب احداً، ان قرطاسية وزارة العمل بمليوني دينار، وهو بالكاد يؤّمن قرطاسية اولاده على حساب نوعية طعامه.الاهم لا محاسبة ولا محاكمة. هنا تبدأ النقمة بعد ان تلاشت سلطة المجتمع الاخلاقية،وتراجعت هيبة الدولة .
الشخصية الانسانية نتاج اجتماعي حضاري ثقافي،محكومة ضمن سياق زماني ومكاني.فمن السهولة ان تبني ناطحة سحاب،لكن الاصعب بناء الانسان.عملية البناء هذه معقدة وصعبة تبدأ بالاسرة مروراً بالمدرسة وليس انتهاءً بالجامعة،لتبلغ مداها في الدولة بمؤسساتها كافة.واجب الوجوب ، رعاية المواطن مثل نبتة لا إهماله، و العناية به لا الاستقواء عليه. لإجل بناء الفرد الامثل،لا بد من مشروع تنويري توعوي،والتأكيد على دوره التشاركي،بمنحه الاحساس الشعوري والعملي،انه جزء من الوطن له دور فاعل في صناعة القرار و حقوقه مصانة.عندها يشعر ان الوطن كله بيته فيخاف عليه،عكس شعوره الحالي المستحوذ على تفكيره انه مجرد حصالة حكومية،يذهب تعبه و عرق جبينه لرفاهية الكبار وتسلب حقوقه،فيتولد لديه احساس بالغربة في وطنه،وهذا ما يدفع بعض المواكنيين للانتقام بوسائل متعددة دون ان يعرف هو دلالاتها العميقة. الم يسأل احدكم نفسه ما التفسير النفسي للبصق و القاء الزبالة في الشوارع من دون اكثراث للمارة. ان لكل سلوك مهما بلغ من الدقة معناه الرمزي ؟!.ولتبسيط الحالة، نضرب مثلاً حالة الزوجة الوفية المثالية ، التي اصيب فجأة بحالة تجشأ طول يومها بعد ان تزوج زوجها بزوجة ثانية.فالمعنى الرمزي للتجشؤ في مثل هذه الحالة نفور وسخط واحتجاج على تصرف الزوج.
ان للجسد لغة و رسالة سلوكية واضحة، لا تحتاج الى عبقرية،لان من السهل قرآئتها.لغة تعكس افكار صاحبها ورغباته المخبوءة،واحتجاجاته المكبوتة لحظة الانفجار او ساعة الفزعة.وهي استجابة مزاجية ينجرف معها الشخص بصورة آلية. يقول العالمون في علم النفس والفراسة والكياسة انها اكثر صدقية من اللغة المُنتقاة على “الفرازة”،او المختارة عن ” الصينية ” بسبب عفويتها،حيث يقوم صاحبها بارسال رسالة،واضحة للطرف الآخر، رغم انفه،وتخرج منه تصرفات قهرية،مهما حاول التكتم عليها،وغالباً ما تفضح حقيقة امره.نظرة عابرة على سلوكياتنا اللا مسؤولة في الشوارع،المدارس،الجامعات،الاماكن العامة،بالتزامن مع والانقلاب في اخلاقنا الاجتماعية ، يدفعنا للايمان المطلق ان الاصلاح الاجتماعي يقع كمن اول اولوياتنا،ولا اغامر بالقول او اجازف بالرأي ان قلت :ـ لن يكون هناك اصلاح سياسي، ان لم يسبقه اصلاح اجتماعي…فالاصلاح تحت أي مسمى لن يثمر الا خرابا ما لم يقم عليه اصلاحيون نزيهون يتميزون بالطهارة الوظيفية،اما السياسيون بلا اخلاق تكبح غرائزهم سيتصدّرون المشهد ويصبحون كبار الحرامية .