بقلم الاعلامي .. بسام الياسين
{ طلاب مدرسة الملك عبد الله للتميز ـ اربدـ يحصدون اربع جوائز علمية عالمية داخل قلعة العلم الامريكية }
بعد إنتهاء الهيمنة العُثمانية ورحيل الاستعمار عن المنطقة العربية.وُلد نوعان من الانظمة:ـ ابوية رعوية وجمهوريات مُستبدة.الاولى يحكمها زعيم مدني يٌحرك شؤون بلاده بعصاه الخشبية،مثلما يحرك المايسترو فرقته الموسيقية.و اي خروج لعازف عن النوتة المدونة امامه ، يُخرجه من دائرة الرحمة،فلا يشم رائحة الجنة ، ومأواه جهنم الدنيوية،ولا خلاص له إلا بارتقاء روحه الى بارئها ـ إن ارتقت بصورة طبيعية ـ. الثاني :ـ حاكم بأمره.طاغٍ لا يسمع الا نفسه،ولا يؤمن الا بذاته.كلمته نافذة كالقضاء لا راد لها،ولو اخذت الناس للهاوية.
شعاره زنزانة ومشنقة.الاول والثاني، يلتقيان في خصلة واحدة.ان خيوط اللعبة بيديهما،وما البرلمانات الا واجهة لديكورات ديمقراطية زائفة.مناقشاتها الصاخبة تحت قبابها بلا فائدة، كخض الماء لا يعُطي سمناً ولا زبدة. وحواراتها الطرشانية لا احد يسعمها وان حدث صدفة ان سمعها لا يصدقها،اما الدساتير هلامية تتشكل حسب الحالة السائدة.تارة تتمدد واخرى تتكور على ذاتها كثعبان الكوبرا .
تخويف الشعوب ، سيد المواقف كلها،و اكثر فعالية من القوانين.المستفيد الوحيد من هذه الاوضاع كلها، هم اعضاء نادي النخبة. الاكثر استفادة "البطانة الصالحة "المستأثرة بالمال والسلطة.بهذا تحولت الدولة العربية ما بعد الاستعمار من دولة مدنية الى اقطاعية رعوية،فقتلت روح الابتكار و الابداع حتى صار مواطنها كعصفور حبيس القفص لا يقوى على اطعام ذاته ان لم تطعمه الحكومة،في وقت حطمت شعوب اوروبا الإقطاع،وقصقصت اجنحة الكنيسة التي حاربت العلم و العلماء و شنقت من قال بان الارض تدور. منطق الحقيقة فرض نفسه،وبرز مفكرو " رواد النهضة "، ونقلوا اوروبا من ظلامية القرون الوسطى الى عصر النور والتنوير.عند العربان برز جنرالات قمعيون اشتهروا اكثر من العلماء،وسجونهم صارت اكثر شهرة من الصروح العلمية،و لمع علماء السلطان بفتاوى ما انزل الله بها من سلطان،فحرّموا الحلال وحللوا الحرام بما يخدم المرحلة،وتفنن جهابذة الاعلام فصنعوا من الهزائم امجاداً،ومن الحاكم مبعوثاً إلهياً. ألعاب بهلوانية لا تمت للسياسة بنسب ولا قرابة، كانت نتائجها كارثية.
هبطت سقوف الحرية حتى التصقت بالارض ، إنكمشت مساحة الديمقراطية ،غابت العدالة الاجتماعية،تزامناً مع اطلاق عدونا التاريخي ـ الحريات الى اقصى مدى وتطبيق الديمقراطية،ونشر العدالة الاجتماعية.مرفوقة بإحترام التعددية السياسية،المواطنة الكاملة،تقديس الوحدة الوطنية ، وقانون لا احد يخرقه مهما علا شانه ، كأنهم يعيشون في صدر الاسلام،لانهم يعرفون معرفة يقينية ان المواطن بلا حرية عبدُ.ومن لا يمارس الديمقراطية الحقة، مواطنته مثلومة.
المشكلة في الاعلام الذي يصنع الرأي العام ، ويوجهه امسكت بناصيته الدولة،واسلمت امره لزبانيتها،فصار مثل سوق بالة يُسّوق البضائع الرديئة،المنتهية الصلاحية،الحاملة للفيروسات،و الناقلة للأمراض الخبيثة.دكاكين اعلامية تبيع الرداءة ،وتُدخل سلعاً مغشوشة للسوق الوطني بلا رقابة،ما افسحت لطفرة اكاذيب مفبركة.فلا مكان لعفيف اللسان،طاهر القلم.فاحتل الميدان "الالمعي " الذي يجيد التلميع،ويُبدع في شتم المعارضة و الاساءة من السُرة للركبة لمن يقول لا،لان الكل يجب ترديد آمين والبصم بالعشرة.صغار يعانون من الصّغار،فرحوا انهم زرعوا "إعلامهم و أعلامهم " على قمة جليدية،لكنهم جهلوا انها سريعة الذوبان،و الكمائن تُطوقهم من كل مكان،بينما الشعوب تنتظر فرصة الانتقام،لانهم تعاموا عن العابثين بمقدرات الامة حتى صار الفساد اصلاً والطهارة استثناء... فتميزنا عن غيرنا،هم يحتفلون كل يومٍ بمبدع اتى بمعجزة علمية ،ونحن نزف كل ليلة فاسد الى هيئة النزاهة. البروفيسور الاسطورة،استاذ الاقتصاد في جامعة بنغلادش محمد يونس،اثاره استهزاء الاثرياء وطنه به،عندما حضهم على تقديم قروض صغيرة للعائلات المستورة،لسد جوعهم وستر عريهم،بعد ان قتلت المجاعة ، ازيد من مليون ونصف منهم قائلين له بعنجهية :ـ ان الفقراء ليسوا جديرين بالقروض ولا يستحقون الحياة
.عندها خرج من النظرية التي يُدرّسها في الجامعة الى الواقع المُعاش. بدأ رحلته الواقعية بتأسيس بنك الفقراء عام 1979 ، وحصل على جائزة نوبل عام 2006 واستطاع خفض الفقر من 90 % الى 25 % في فترة وجيزة.وهو اليوم يفاخر في مجالسه :ـ الفقر في بنغلادش سينتهي بحلول عام 2030.وهو ذاته الذي وبخّ اثرياء العرب من القاهرة باعلانه ان :ـ الدول العربية تملك ثروات خيالية بينما فقراء العرب في ازدياد مستمر،وبنسب تفوق معدل زيادة الثروات،ما ينذر بانقلابات اجتماعية وثورات دامية .
نرى بنور اليقين ان:ـ جيل الانترنيت / جيل المستقبل،عصي على البرمجة او إعادة صياغته بالنسخة الكربونية للمرحلة العرفية،فالروح الابداعية التي يتمتع بها فوق السيطرة لان يحمل روحاً وثابة،و رفضاً مطلقاً لتلك المرحلة المدمرة للابداع ،ومصادرة الكتاب وملاحقة المبدعين.فقد تحللت جثة العرفية و اصبحت ماضوية .
جيل يرفض الرعوية الكسولة،ولا يقبل " الشحدة " بالوقوف امام وزارة التنمية الاجتماعية بل حمل مبادرته الابداعية،وشق طريقه للعالمية.آمن ان الوطن لا يُبنى بالعنتريات،و لا بصخب الملاعب بل بالعلم والعمل في المختبرات العلمية.ما فعلوه الفتية الصغار،من طلبة الملك عبدالله الثاني للتميز ـ اربد ـ في ايام افضل مما فعلته مائة سفارة في مئة عام و اكثر اثراً و ثأثيراً من الف سفرة نيابية للسياحة.
*** نرفع رؤوسنا للسحاب بحصول فريق مدرسة عبد الله الثاني للتميز على اربع جوائز علمية عالمية بمسابقة ( فيرست ليفوليج ) في امريكا.هي اهم مسابقة للروبوت في العالم ،و اول فريق اردني يتوج بلقب بطل العالم.وهناك عشرات المبادرات التي ترفع الراس،مثالاً لا حصراً مبادرة " بنورة " للمحامية امل العمري لزراعة الاشجار الحرجية في المزار الشمالي،ومبادرة المعلمة الكفيفة هبة ابو دياب التي اخذت على عاتقها تعليم الطلبة المكفوفين وحولت قتامة العتمة الى شعلة معرفة.يقابلها نماذج معطوبة " توطي الرأس وتُنّكس الشارب "،كالمشتبه الذي احدى كاميرات مراقبة السرعة بمطرقة وتم ضبطه من مجموعة الامن الوقائي .
واجزم ان هذا المؤذي لا يملك سيارة،انما يحمل ثقافة الاذى للأذى. طلابنا المبدعون فتية آمنوا بربهم و احبوا وطنهم،فقد فرضوا حضورهم المتميز بابتكاراتهم العلمية.لم ينخرطوا في احزاب لم تتجاوز نظرياتها عتبات مكاتبها،ولا يخجل أمناؤها العامون من الوقوف على عتبة وزارة الداخلية لاستلام مخصصاتهم الحزبية.الفتية المبدعون، لم ينظموا لتيارات المناكفة بل غطسوا في الابداع العلمي لتجسيد رُؤاهم الابتكارية لما ينفع الناس.فأستحقوا ارفع الاوسمة لإنخراطهم في العمل الابداعي، دون الالتفات للواجهات الاعلامية لاستعراض نرجسي، من اجل إشباع غرور "اناواتهم" المريضة بل آثروا الخدمة العامة الصامتة على الضجيج لانهم مفطورون على فطرة الخير. هؤلاء رواد اقتصاد المعرفة القائم على التكنولوجيا الذي اصبح اليوم ، الصانع الاول للثروة،إنتاجاً،تسويقاً،و رفعاً لنسبة التنمية. اقتصاد لا يتحقق الا بالإبداع .
املنا الكبير معقود على اطفال الكمبيوتر،مفاتيح ولوجنا للمستقبل وتحريرنا من الحرس القديم الذين لا يزالون يعدون على اصابعهم،فانكشف عجزهم وفقرهم وظهر عطبهم و عطالتهم امام طلبة صغار من جيل احفادهم .خصوصاً ان الاردن شحيح الموارد ، ولا ديمومة للمساعدات الامريكية والخليجية.والحل في ثورة ثورية تعليمية،ونقلة نوعية علمية من عصر اللوح الاسود و الطبشورة الى ثقافة المعلومة الرقمية.البركة في اطفالنا الذين لا يقلون ذكاءً وعبقرية عن اطفال تايوان،وماليزيا،وكوريا الجنوبية الدول الشحيحة مثلنا بالموارد والتي اصبحت من القوى الاقتصادية الجبارة بفضل الثورة العلمية التي حققت اقتصاد المعرفة.