بقلم الاعلامي .. بسام الياسين
زوبعة تسونامية ضربت الصحافة المحلية،حاملة على اجنحتها المزوبعة " قصة المعلم الاعمى " الذي ضبطته مكافحة التسول بـ " الجرم المشهود " وهو يبيع مادة مُحرمة " علكة الشعراوي " على اشارة ضوئية في منطقة الصويفية الراقية. العيون المُغمضة تفتحت حتى لم يبق احدُ لم يدلِ بدلوه في هذه " الجريمة المنكرة ".
كٌلٌ اخذ يصيح على شاكلة العالم الاسطورة ارخميدس :ـ " وجدتها وجدتها "،عندما اكتشف قانون الطفو اثناء استحمامه،فاعطى للانسانية اختراعات لم تكن تحلم بها.
حكايتنا حكاية مع كل حكاية حيث نوحي لانفسنا ادعاءً فارغاً ونوهم الآخرين اننا نحل مشكلات الدنيا،لكننا للاسف لا نحل مشكلاتنا الصغيرة،ونعجز عن تركيب جلدة حنفية.
منذ اللحظة الاولى،انبرى المغردون كأنهم سيخترعون بارجة عملاقة او غواصة تقلب موازيين القوى العسكرية.خاضوا بالموضوع من دون روية ولاغربلة.ابتدأ ـ اولاد الجلال ـ بقصف تمهيدي على منطقة تمركز " المعلم الاعمى "،تبعه قصف مدفعي ثقيل .ـ حمد لله ـ اننا لا نملك سلاحاً نووياً والا كانت المنطقة قاعاُ صفصفا.
مشكلتنا الكبرى تكبير القضايا الصغيرة وتصغير الكبيرة.لا مبالغة اننا نرى سواد النملة في الليلة المظلمة، ولا نرى اعوجاج رقبة الناقة في رابعة النهار.
تراهم يقترفون مذبحة في مباراة بسبب خطأ في التحكيم،ويسكتون عن متنفذ سرق مال الدولة ووضع يده على اراضي الخزينة. اصل الحكاية،معلم بائس مدين تمترس في زاوية حي راقٍ، واخذ يعرض بضاعته ـ علكة المُخدرة ـ كي تتسلى بنات الصويفية او العابرات من هناك.
بالعلك، يُضيعّن الوقت ويحوّلن اللبان المعلوك الى فقاقيع صغيرة يتلذذن بتفجريها تحت اسنانهن....لست مُفتيا لكنني ارى ان علك العلكة خير من الغيبة والنق على الناس،لكن بطانة المُتشددين خرجت من الزوايا المعتمة، لتعزف كالعادة الحانها النشاز،وتغني بلغة مخصية ان المعلم داس المعاني الرفيعة للعلم والتعليم وقام بتشييع القيم النبيلة الى مثواها الاخيرة،فامسكوا بالقضية من ذيلها،وفصلوا الواقعة عن سياقها. التفكير العقلاني المحايد يُحتم علينا، فتح ملف التعليم باكمله ونبش المسيرة التعليمية من الفها الى يائها .ابجديات العلم تقول ان لا علم ولا تعليم بلا معلم ،ومعلمنا على وجه العموم مظلوم و مكسور الاجنحة.
ومن حقه علينا اعطاءه حقه وهيبته وراتبه لحفظ كرامته وماء وجهه،وتطوير خبراته بما يتلاءم مع عصره.التعليم لم يعد تلقيناً شفهياً وإزالة الامية بالقرآءة والكتابة باللوح و الطبشورة.نحن في عالم الكمبيوتر هذا من الناحية التعليمة ولم نزل في القرون الوسطى،اما من الناحية التربوية فلا يقتصر دور المعلم على التلقين الببغاوي بل يجب قوياً متماسكاً ليكون القدوة لجيل العولمة لا مهزوزاً ضعيفاً ليصبح اضحوكة لجيل الطعن بالسكين والضرب بالقنوة.وكي يكون رسولا للمعرفة ونوفه التبجيلا يجب تهيئة الظروف له، ليستطيع نشر قواعد التربية الجديثة، وتهذيب النفوس،وزرع القيم الاجتماعية والاخلاقية في ضمائر الطلبة،وتوجيه سلوكهم لخدمة مجتمعهم،وتحصينهم ضد الانقياد لمسالك الشيطان الانحرافية او مزالق ابليس الارهابية..
من الانصاف الاخلاقي ان ننصف المعلم ثم نحاسبه بعدها.إبتداءً علينا ان نحترمه كمثال وقدوة، لا ان نستهدفه في مجالسنا بالسخرية والنكتة،وحقه على الدولة ان لا تهضم حقه بدفعه لإستدانة خبز عياله.لا نطالب الدولة ان تعادل راتبه بما يماثل رواتب ابناء الذوات من النخبة،ولا نصف رواتب " ابناء الداية" في الهيئات المستقلة،ولا اولئك المسترخين في المكاتب المكندشة،ممن يمضون دوامهم في الثرثرة و شرب القهوة،ولا ربع راتب سكرتيرة محظوظة تأتي للمؤسسة كأنها صالة عرض ازياء.فالانسان مهما بلغ من العبقرية، لا يمكن ان يفكر تفكيراً سليماً او يقوى على هش ذبابة بمعدة خاوية. نتكلم عن المعلم بعامة ، ولا نبحث عن تبرير للمعلم الاعمى لعله يتزكى.هذا ما تقرره المحكمة،لكن السؤال الكبير لماذا لا تضبط اجهزة المكافحة،اولئك الذين نهبوا المال العام،ووضعوا ايديهم على اراضي الخزينة،وسرقوا الماء من باطن الارض لري حدائقهم وحقن برك السباحة في قصورهم بماء الشفة ؟!.
لماذا لم تجلب الاجهزة سراق الوطن مخفورين اولئك الذين هربوا وهرّبوا الاموال الوطنية في حقائب سفرهم ام انهم فوق القانون وفوق الدولة ؟!.
لماذا لا يجرؤ موظف من الاقتراب من سياج مزارعهم،ولا ان يلمس حجراً من قصورهم ؟!.
لماذا لا تحاكم الاجهزة العتيدة من استولوا على وظائف الدولة الدسمة من ابناء النخبة بالعنترة والمحسوبية والواسطة بينما ابناء العامة يعانون من بطالة في صفوفهم بلغت مستويات خطيرة ؟!.
لماذا لا يُسالُ اهل الثراء اللامشروع والمفاجيء، الذين كانوا اكثر سوءاً من حالة المعلم الاعمى وعندما امتطوا المناصب صاروا اصحاب ارصدة ضخمة يخاطبون الناس من رؤوس خشومهم ؟!.
ان كنتم لا تبصرون هذه الجرائم المرئية . اطلعوا منها واعطونا صحافة حرة، بلا رقابة ولا جرجرة للمحاكم ،ونحن ندلكم على السفلة. يُروى في بطون التاريخ،ان قياصرة روسيا حولوا الروس الى عبيد سخرة .إمتلكوا كل شيء، فيما عامة الناس كانت تبحث عن قوت يومها ولا تجده.السعيد منهم من عثر على حبة بطاطا يقيت جوع بطنه.تضخمت المشكلةعندما جاء الثوار البلاشفة بـ " ثورتهم المظفرة "...اولئك الفجرة، حولوا الناس الى معتقلين ومرعوبين.وباسم الاشتراكية وملكية الدولة وضعوا اليد على " الدولة / البقرة" ثم راحوا يعطون شعبهم من حليبها ما يسد أودهم بالقطارة.
اما في زمن عباقرة نخبة النخبة،وعهد الخصخصة والمصمصة واللحوسة،إعتلوا على اكتافنا وصرنا في الدرك الاسفل من الجحيم. رب ضارة نافعة. المعلم الاعمى قدح لنا شرارة البدء،وبيدنا مفتاح الاصلاح.اما ان نعتمد خطة صاحبنا ارخميدس من مواليد القرن الثالث قبل الميلاد . في ذلك الزمان، تحدى العالم قائلا :ـ لو وجدت نقطة ارتكاز خارج الارض لرفعتها بواسطة " عتلة ".ارخميدس العالم المتمكن ، عرف انه بالامكان رفع اي ثقل كان بقوة ضعيفة،اذا استخدمنا العتلة.وهو القانون الذي يرفع به السائق شاحنته المحملة بعدة اطنان بواسطة رافعة صغيرة لاصلاحها او تغيير عجلاتها. شروط التغيير بسيطة جداً :ـ نقطة ارتكاز / " ارادة سياسية " وعتلة صغيرة / " قوة تنفيذية ". اذاً، مسألة الاصلاح سهلة مهما بلغت من التعقيد والتحديات،شرط استئصال شأفة الفساد و اهله اولاً، فلا تطور و تنمية مع وجود فاسدين يسبغون على عملية الاصلاح صفة الاستحالة،ويضعون العصي في دواليبها لانهم مستفيدون من خراب البلاد وشقاء العباد. هناك طريقة اصلاحية اخرى سهلة للغاية،تعتمد التقليد الياباني المعروف بـ " الكايزن " :ـ اي التحسين المستمر،وتحقيق تغيير دائم من خلال خطوات صغيرة وثابتة باللجوء الى القدرات الابداعية لوضع الحلول للمشكلات المزمنة.
جذور هذه الفلسفة / الحكمة تعود للحكيم " تاوتي تشينج " الذي اطلق مقولته العلمية العملية :ـ رحلة الالف ميل تبدأ بخطوة. انتهاج اليابان اسلوب "الكايزن " رفعها لمصاف الدول العظمى في سنوات قليلة،بعد ان تكالبت عليها القنابل الهيدروجنية الامريكية من السماء،والزلازل المدمرة من باطن الارض .خلاصة الكايزن هو :ـ فن التفكير خارج الحدود المألوفة والمتوقعة ،واتخاذ خطوات ايجابية تكفل التقدم بخطوات حثيثة.
اهم مباديء هذه الفلسفة / الحكمة التخلص من هدر الوقت والطاقة من دون اضافة نوعية و الاستماته في حب الوطن.اذا اتبعنا هذه الخطوات الصغيرة بصورة ثابتة بلا حيل سياسية او تلاعب بالمغردات اللغوية، سنصل لا محالة الى نتائج مذهلة في فترة وجيزة، بعدها سنجد ان عملية الاصلاح التي كنا نظنها مستحيلة،و اذا بها ابسط من بسيطة. بعد طول صبر وتصبر واصطبار،ان لم نخطو خطوة الالف ميل سنتحول لا محالة الى شحادين فوق ارصفة دير غبار و على بوايات عابدون وبالقرب من اشارات الصويفية.
فيا وطني هنيئاً لمن لا يخونك ولم يخذلك.