ساهمت التصريحات الحكومية الأخيرة حول وضع الاقتصاد الأردني وعجز الموازنة والمديونية والمساعدات الخارجية بخلق حالة من التخوف والتشاؤم لدى عدد من المواطنين الذين باتوا لا يعرفون وجهتهم الاقتصادية، كما قال خبراء ومراقبون.
ورغم ذلك فإن هؤلاء الخبراء أنفسهم يؤكدون على ضرورة أن تعزز الحكومة مواقفها بمزيد من الشفافية والافصاح والاجراءات الكفيلة بتجاوز العقبات والصعاب.
وما بين التصريحات الحكومية والمطالبة بالافصاح والشفافية يبقى المواطن مراوحا في دائرة اللايقين، وعدم الثقة بالاقتصاد الوطني، ومتخوفا على مستقبل الاقتصاد ومدى قدرته على الخروج معافى من عنق الأزمات المتتالية.
يتجلى هذا بشكل واضح مع ما توارد أخيرا عن أهل قرية الصريح المحاذية لمدينة اربد الذين حصل معظمهم على تعويضات مالية بالآلاف وذلك بدل استملاك اراضيهم، حيث كانت وزارة المالية اخيرا قد صرفت، لقاء استملاكها اراض زراعية في المنطقة لشق طريق الحزام الدائري لمحافظة اربد، نحو 59 مليون دينار مقابل استملاك للاراضي وصل حجمها بين 1600-1700 دونم.
نسبة كبيرة من عائلات الصريح أودعت نقودها في البنوك أو بدأت بصرفها في مجالات استهلاكية بحسب ما يشير الخبير الاقتصادي الدكتور مازن مرجي والذي يؤكد بأنه "لا يوجد هناك مؤشرات على أنّ هؤلاء سيقومون باستثمار أموالهم بمشاريع انتاجية أو عمرانية أو الدخول في استثمارات في السوق المالي".
ويبن مرجي، الذي جلس مع عدد من هذه العائلات، "بأنّ عدم ثقتهم بالوضع الاقتصادي وعدم وجود فرص حقيقية للاستثمار جعلت هذه العائلات تفضل تجميد أموالها في البنوك".
ويتفق الأكاديمي في جامعة اليرموك، الدكتور قاسم الحموري، مع ما سبق حيث يشير "أنّ هناك كثيرا من المواطنين من يسأله في الجلسات العامة ممن لديه أموال مدخرة ماذا يفعل بنقوده وأين يستثمر وما هو وضع الاقتصاد الاردني حاليا".
ويشير الى أنّ "عددا كبيرا من المواطنين متخوف حاليا من الاقدام على أي خطوة".
ويربط خبراء عدم إقدام المواطنين حاليا وتخوفهم من أي خطوة استثمارية بالوضع الاقتصادي الذي أكدت الحكومة على أنه "صعب" ويواجه مشاكل عديدة.
ويؤكد الخبراء على أهمية أن تكون الحكومة شفافة وصريحة وواضحة حول الوضع الاقتصادي على أنها لا بدّ أن يكون لديها أيضا من الحلول والسياسات ما يزيد ثقة المواطن باقتصاده وبالحكومة نفسها التي باتت "تحمل جزء كبير من المشاكل الاقتصادية على الحكومة السابقة".
ويرى الحموري أنّ مشكلة المواطن الأساسية حاليا هو الثقة حيث بات المواطن يعتقد بأنّ معظم قرارات الحكومة الحالية شخصية وتخدم مصالح معينة كما أنّ جزءا منها تصفية حسابات".
وكان وزير المالية، الدكتور محمد أبوحمور، قد أكد بأنّ عجز الموازنة الحالي كان نتيجة لسياسات سابقة وأنّ "الاجراءات التي تتبعها الحكومة أو تنوي اتباعها مبنية على فرضيات موازنة 2010 التي وضعتها الحكومة السابقة".
ويؤكد الحموري على "أنّ المواطن بحاجة الى أن يشعر بسياسات فعلية واقعية ومباشرة لزيادة ثقته بالحكومة والشعور بالأمان والاطمئنان للدخول في أي استثمار حتى لو كان بسيطا".
ويرى مرجي أنّ "سياسات الحكومة الأخيرة ضعضعت الثقة بالاقتصاد وذلك لانّ الحكومة تتخبط ولا تقوم بأي خطوة حقيقية لتصحيح الوضع الاقتصادي"، مشيرا الى أنّ "الحكومة ليس لديها أي اجندة أو برنامج واضح كي تخرج من المأزق الاقتصادي".
ويذكر مرجي أنّ "الحكومة تدعي حاليا بأنها لا تريد الشعبية وأنها شفافة إلا أنّ هذه الشفافية جاءت في اطار تبرير فرض الضرائب ورفع الدعم عن سلع وخدمات" فيما تقوم أيضا بإلقاء اللوم على الحكومة السابقة "وتتهرب من مسؤولياتها".
ويقول مرجي "يضاف الى ذلك عدم معرفة الحكومة لما تفعله ولما يجب أن تفعله، فهي تتخبط في قراراتها وتصريحاتها"، ويضاف الى هذا خروج الحكومة بخطط وبرامج موجودة أصلا ملمحا الى "الخطة التنفيذية لبرامج عمل الحكومة لعام 2010 " التي لم تحتو حتى على مؤشرات لقياس الأداء وتقييم الوضع الاقتصادي.
وكان نائب رئيس الوزراء وزير الدولة الدكتور رجائي المعشر قد أكد في تصريح له على إنه "يجب الاعتراف أولا بالحقائق على الأرض وعلى الجميع أن يعرفها كما هي اليوم بدقتها وتفاصيلها"، مشيرا الى أن "هذا ليس رأيا وانما حقائق رقمية مبنية على دراسات من مراكز معتمدة من قبل الحكومة".
وأضاف "لذلك اقترحت الخطة برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي، واذا استمر العجز بالموازنة بألف مليون دينار وألف ومائة مليون دينار خلال خمس سنوات فيصبح العجز مساويا للدخل القومي الأردني ما يعني أن المديونية سوف تصبح 15 أو 16 بليون دينار".
وحذر من أنه "إذا وصلنا الى هذه الأرقام فسوف نرجع الى أيام صندوق النقد الدولي ونطلب مساعدته لترتيب شؤوننا المالية ومساعدتنا على إعادة جدولة المديونية"، مذكرا بأن "الجميع دفع الثمن غاليا حتى وصلنا الى ما وصلنا اليه".