بقلم الاعلامي .. بسام الياسين
خطأ العربان ليس في مؤشر بوصلتهم الاعوج بل خطيئتهم انهم لا يملكون بوصلة.كنا نظن وبعض الظن عن ـ قلة وعي وفهم ـ اننا انتقلنا من القبيلة الى الدولة بما تعنيه هذه النقلة الحضارية،ويمليه القانون من تعريف بانها تلك التي تتمتع بسيادة مطلقة على اراضيها،ولا تسمح بالتدخل في شؤونها الداخلية مهما كانت صغيرة حتى لو كانت اصغر من حجم طابع بريد مساحة على الخارطة ،وتحل خلافاتها مع جيرانها و الدول الاخرى بالطرق السلمية عبر القوانين و الاعراف الدولية التي ترسخت بعد إنشاء الامم المتحدة عام 1945.لكن الواقع المعاش اثبت ان ما من دولة الا تعبث بغيرها اثبت بتوجيهاتها خارجية تحت ذرائع فاسدة،حيث درجت الموضة الحالية على إلباس الآخر زي الارهاب.عربان آخر زمان، اسلموا ازمة زمامهم لغيرهم و بلغوا من الرخاوة ان اصبحوا منقادين،تراهم لا يصنعون قراراتهم انما تأتيهم جاهزة كالأغذية المستوردة المعلبة،يزدردونها مكرهين بايدٍ مرتعشة رغم ثرثراتهم الفارغة عن السيادة...هؤلاء هم العرب النافقة.
كان الوحدويون العرب يعتقدون ان الخلايجة هم المثل الوحدوي الاعلى في التجانس العرقي،التاريخي،الجغرافي لدرجة التطابق حتى في ازياءهم و انماط حياتهم.من هذا المنظور،هم اقرب العرب للوحدة او الاتحاد.علماء الطبيعة يقولون ان النملة منفردة هي اضعف مخلوقات الغابة،ولكن جيشها يقهر اعتى حيوانات الغابة كالفهد وثعبان الكوبرا ان اجتمعت على هدف واحد.ناهيك انها الاكثر نشاطا وحيوية ونظاما. الوحدويون استبشروا خيراً عند تأسيس مجلس التعاون الخليجي عام 1981 اعقاب الثورة الايرانية ،وشعارها تصدير الثورة.لكن قادمات الايام برهنت بالملموس مادياً و رؤيوياً ان عوامل التفرقة هي الغالبة رغم الادعاء المغاير،وان دولها ما زالت قبائل متناحرة تؤمن بالغزو والحصار.،فلا مجالس نيابية فاعلة بل الامر بيد "شيخ القبيلة" او "ولي النعمة".
بدهية لا يختلف عليها عاقلان ان الشيخ تميم ليس "غيفارا " وقطر ليست "كوبا " انما هي عقلية داحس والغبراء الكامنة في اللاوعي الصحراوي المؤمن بالخديعة،الموروثة منذ الآف الاجيال الباحثة عن الماء في صحراء قاحلة.{ كسراب بقيعة يحسبه الضمآن ماءً حتى اذا جاءه لم يجده شيئاً }.فمنذ زيارة ترمب المشؤومة للمنطقة،انقلبت الآية وانكشفت العلاقات الهشة،و قلبت دول الحصار الطاولة على قطر لخنقها،لدرجة ان بلغ التعسف الى طرد القطريين من اراضيها،وسحب مواطنيها من قطر،ولم يسلم من الانقلاب رعاة الابل الذين يجوبون الصحاري منذ سيدنا آدم عليه السلام حتى يومنا هذا بلا هوية او تأشيرة { إن هذه امتكم امة واحدة و انا ربكم فاتقون }.سؤال موجع يصفع وجوهنا :ـ هل اخفقنا في بناء دولة عصرية ام ما زلنا نحمل عقلية القبيلة ؟!.
بعيداً عن فصاحة التعبير وبلاغة التبعير،تُرى ما هي الاسباب وراء الانقلاب على قطر ؟.لن نخوض فيها لانها مبثوثة في وسائل الاعلام. منها ما يدعو للبكاء وبعضها يدعو للرثاء اما مجملها يدعو للاستحياء .على ذمة كبار المحللين الاوروبيين:ـ الاسباب ليست الارهاب بل في :ـ تقاسم جزية الـ (450) ملياراً التي نشلها ترمب خاوة.شق طريق سريع للتطبيع بين الخليج وتل ابيب. تصفية القضية الفلسطينة على حساب الاردن بالتوطين والتجنيس.خنق اصوات المقاومة الضعيفة اصلاً ؟. شيفرة الحصار " إسكات صوت الجزيرة " حتى انتهاء مراسم نكاح التطبيع بمباركة الشيخ الجنرال انور عشقي بين العربان و اسرائيل.اليهود يعرفون ان ـ امة إقرأ ـ لا تقرأ،و اذا قرأت لا تفهم كما قال موشى ديان،لكنهم يريدونها طرشاء ايضاً.
لهذا يجب تعتيم الجزيرة.نسأل الم يكن الاولى اغلاق الـ M.b.c التي واجهت هجوماً ضارياً من الكافة، على راسهم الامير عبد العزيز بن فهد الذي قال :ـ اني ابرأ الى الله من إم.بي.سي. لدعوتها للمرأة " كوني حرة " ثم هددها بالتدمير ان لم تهتدِ وترتدع عن تقديم البرامج المنحلة.اذاً، من باب أَولى اغلاق الفضائية المرفوضة جماهرياُ لدعوتها الى الفجور،لا اغلاق الفضائية الرزينة التي تشد اعجاب الجمهور وتكشف المستور.مثالاً لا حصراً ملاحقة اموال القذافي وحاشيته في بنوك اوروبا،اذ ان فوائدها تنقل بعض الدول العربية الفقيرة من المديونية الى اقتصاد الرفاه.
الدعوة الى اغلاق الجزيرة،دعوة مخجلة،واستدارة الى الوارء لإحياء دور شاعر القبيلة للتغنى بولي الامر، و ابراز فحولته الاستثنائية. اعلام حدوده القصوى تضخيم الانا ،تغييب العقل،تضليل الوعي،تجهيل الناس.التفاتة الى شهر رمضان الكريم / شهر العبادات والفتوحات.شهر التسامح والعفو وصلة الرحم كانت معركة التنافس المبتذل على اشدها بين الفضائيات،وما اعتور برامجها من عورات يؤكد مدى الانحطاط ، فبدل تصفيد الشياطين قامت باطلاق سراحها.الغريب اننا لم نسمع من شيخ جليل،او رجل دين مرموق،او صاحب فتوى، فتوى واحدة تدعو الى اللحمة العربية، تحرير الاقصى او،اعلان الحرب على الجوع الذي ينهش جسد الامة او تفعيل مقاطعة اسرائيل.
كلمة حق ان غالبية الفضائيات تعرض على شاشاتها اقبح ما في القبح من قباحات. مسلسلات سطحية يغلب عليها التفاهات و اسفاف ممل، تكلفتها بمئات الملايين. فضائيات افسدت فضاء الوطن العربي،ولوثت كل نظيف فيه،لو صرفت ميزانياتها الضخمة في قنواتها الصحيحة،لكانت كفيلة بسد جوع جياع العرب ومكافحة وباء الكوليرا.اما ما تعرضه جريمة قتل مبرمجة لقتل المعرفة ورغبة ملحة في وأد الثقافة هدفها تخريب العقل العربي،استلاب الشخصية لتنمو على الميوعة والابتعاد عن مجرد التفكير في القضايا المصيرية. غاندي العظيم بمفرده، حرر شبه القارة الهندية بالكلمة الطيبة...بالمحبة...بالنظرة الانسانية المتسامحة. سلاحه نول يغزل به ثوبه،وعنزة يشرب حليبها،فيما عالمنا العربي تفوح منه رائحة الموت.تمتد فيه الكراهية على مساحة المدى حتى الاطفال لا ينفكون عن التغني بالعنصرية،الجهوية،القبلية.
قبل ايام سمعت تراشقاً وتفاخراً، من هذا القبيل على هامش الانتخابات البلدية و اللا مركزية. لم اقرأ مثله في معلقة عمرو بن كلثوم الحماسية.المعلقة رغم تهافتها،كانت اكثر حكمة واتزاناً من الخطاب التمزيقي الفتنوي الداعي لشق الصف الوطني،وتكريس القبيلة وتمجيد النزعة الفئوية..." نحن الدولة والدولة نحن" رغم ان الاولوية يجب ان تكون لطرح قضايا البطالة، التعليم ،الطبابة ؟!. حصار العراق تبرأ منه جورج بوش قائلاً ان امريكا بعيدة الآف الاميال والحصار عربي، ثم جاءت فتوى استدعاء القوات الامريكية لتدميره،و جعله دولة فاشلة فكان لهم ما اردوا.لا مياه صالحة للشرب رغم النهرين،ولا كهرباء مع انه يعوم على بحر من نفط.تقرير شيلكوت البريطاني المحايد فضح بوش و بلير بصريح العبارة معلناً :ـ ان الحرب لم تكن ضرورية وغير مبررة ؟!.
كذلك حصار غزة الجائعة كان ارضاءً لاسرائيل. ثم ياتي حصار قطر بشروطه المجحفة على راسها اغلاق الجزيرة ؟! ذنب الجزيرة انها توعوية،وثائقية،مهنية،ذات مصداقية عالية وجماهيرية واسعة. كسرت القواعد الذميمة في الاعلام، وخرقت العادة المتبعة في التستر على مخازي العربان،وقامت باستيلاد سلالة عربية جديدة مسلحة بالرؤية المغايرة.وحقها بالوعي،والحصول على المعلومة الصحيحة.
مشكلة الجزيرة الاخرى انها افسدت اللعبة القائمة على التلميع والانجازات الزائفة،رفضت شيطنة المعارضة،عمّقت الرأي الآخر،شجعت النقد العلمي البناء. لهذا ناصبتها الانظمة العداء لانها تصدح باناشيد الحرية و اغاني المقاومة،و سؤالها الدائم اين ذهبت اموال العربان ؟! ليس لغزاً طلب دول الحصار رأس الجزيرة لان المطلوب راس فلسطين اولاً،لهذا يجب طمس الحقائق،قتل روح المقاومة،الاجهاز على ثقافة المعارضة،تخصيب الخواء،إخصاء فحول الرجال ذوي الاصوات العالية،القبول بالواقع المهين بحجة ميل ميزان القوى لصالح إسرائيل رغم مليارات صفقات الاسلحة التي تشتريها دول الخليج سنوياً.ما يجري برنامج مدروس لتفريغ الامة من هويتها وزعزعتها على كافة المستويات الثقافية،السياسية،العسكرية كي يرفع الجميع الرايات البيضاء وبالتالي يرفعوا ايديهم عن ما بقي من فلسطين المحاصرة بالخذلان العربي و اخراجها نهائياً من الذاكرة .
المفارقة المخزية اننا نناصب بعضنا العداء ونتقرب من الدولة العدوة.لاجل عيون إيفانكا ترامب التي غيرت ديانتها من المسيحية الى اليهودية لارضاء زوجها اليهودي المتعصب جاريد كوشنر. بعد صفقة ترمب الاسطورية و الاكبر في التاريخ ،جاءت الخطوة المستحيلة " صفقة القرن " احياء مبادرة شارون القديمة،بتحميل العربان مسؤولية التسوية مع " الشقيقة المدللة اسرائيل التي لم يرمها احد بوردة " بعناوينها المفزعة :ـ شطب حقي العودة،و تطبيع كامل الدسم مع دول الخليج ذوات الملآءة المالية لتكون سوقاً تجارياً للعدو الاسرائيلي.
كي تكتمل المسرحية الهزلية لابد من كيان فلسطيني هزيل يديره عملاء متمرسون من فصيلة سعد حداد و انطوان لحد.امثال هذه العينة اللعينة كُثرُ ينتظرون الاشارة.بعد الخراب الذي ضرب العرب نضجت التفاحة الفلسطينية و اكتملت استدارتها بعد تدوير زواياها خلال هذه الحقبة السوداء.ولضمان اطباق السواد على الامة لابد من اطفاء انوار الجزيرة. فالزنا السياسي يكون امتع في الظلام ،رغم دعوة ليبرمان الزناة للخروج من الخزانة للعلن حتى يراهم الناس فقد نفذ صبر اسرائيل من اللعب في العتمة كما يقول حارس الملهى الليلي ذاته..