وشكل الاتفاق، رغم حالة الإنكار التي تحصن بها نتنياهو، عندما حاول التخفيف من مدلولات الأمر قائلا "إنه لا يلتفت إلى الضجيج الصادر من الصفوف الخلفية"، نقطة تحول جوهرية في سياق التعامل مع الملفات والشبهات التي رافقت مسيرة نتنياهو السياسية، منذ عاد إلى إسرائيل عشية مؤتمر مدريد، وتزعمه المعارضة على رأس "الليكود" بعد هزيمة إسحاق شامير مقابل إسحاق رابين في الانتخابات العامة سنة 1992.
فعلى مدار مسيرة نتنياهو السياسية على رأس "الليكود"، رافقته أزمات وفضائح وشبهات لم ترق يوماً، لعدم توفر الأدلة الدامغة، إلى مستوى شبهات جادة يمكن التعامل معها في مسار جنائي يمكن له أن يفضي إلى نتائج. وكانت أولى الفضائح التي رافقت مسيرة نتنياهو مثلاً ما عرف باسم الشريط الحامي، الذي حاول فيه، في سعيه لتزعم "الليكود"، وصم دافيد ليفي، الذي كان أكبر منافس له بعد اعتزال شامير الحياة الحزبية. ورغم العاصفة التي أثارتها الفضيحة إلا أن نتنياهو "تملص" من تبعاتها، عبر خطاب اعتذار عام لم يعترف فيه بدوره، لكنه ترك أثراً إيجابياً في نفوس نشطاء وأعضاء "الليكود"، الذين كانوا ملوا لازمة البكاء وصورة الضحية التي اتبعها دافيد ليفي، المغربي الأصل، لتفسير عدم فوزه برئاسة الحزب.
وتكررت فضائح نتنياهو، التي لم تثبت يوماً لانعدام الأدلة وليس بالضرورة بفعل البراءة منها، في المعارك الانتخابية المختلفة، كانت أولها تتصل أيضاً بتمويل أجنبي، وتبرعات حصل عليها من أثرياء من الولايات المتحدة في الانتخابات التمهيدية لـ"الليكود"، انتهت بملاحظات وانتقادات ظهرت في تقرير مراقب الدولة، وتم تصنيف كل ذلك في باب سوء الإدارة وعدم التنظيم، وتحميل المسؤولية في النهاية إلى مسؤولين أو موظفين وناشطين ليكوديين. وتكررت هذه الحالات في كل معركة انتخابية، وفي كل مرة كان بند التمويل والتبرعات من الأثرياء اليهود في الولايات المتحدة، يظل موقع انتقاد شديد من مراقب الدولة، من دون أن تكون هناك أدلة دامغة يمكن أن تؤسس عليها لائحة اتهام جنائية.
وعلى مدار مسيرته السياسية والحزبية، برع نتنياهو (الذي عرف ببلاغة خطابه السياسي وإتقانه لتوظيف ذلك في خط دعاية ديماغوجي شعبوي) في دغدغة مشاعر اليمين الإسرائيلي وتأليبه ضد وسائل الإعلام واليسار، متهماً الإعلام بأنه يعمل بشكل منهجي لإسقاط حكم اليمين، عبر وسائل إعلامية وليس عبر صناديق الاقتراع. ومع تفجر أولى قضايا الفساد الحالية، العام الماضي، سواء ملف الشبهات بشأن تلقيه رشاوى و"هدايا" خلافاً للقانون والمعروف باسم ملف 1000، أم ملف الصفقة التي لم تنفذ بينه وبين ناشر "يديعوت أحرونوت"، نوني موزيس، لتغيير خط تحرير الصحيفة لصالح نتنياهو مقابل إحباط إصدار ملحق أسبوعي لصحيفة "يسرائيل هيوم"، التي يصدرها صديق نتنياهو وحليفه الأميركي، شلدون إدلسون، واظب نتنياهو على خطه الدعائي في نفي التهم مستخدماً تعبير "لن يكون شيء لأنه لا يوجد شيء"، مع تصعيد في اللهجة، ليس فقط ضد اليسار والإعلام وإنما أيضاً ضد الشرطة، ليخطو نحو تعبير ومقولة محاولة إسقاط حكم اليمين، من خلال تحقيقات الشرطة، وهي حجة ضعيفة بالنظر إلى أن نتنياهو نفسه كان من اختار المفتش العام للشرطة، روني الشيخ، لمنصبه، وهو من عين أيضاً المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت. لكن كل هذا لم يعد بمقدوره اليوم أن يفيد نتنياهو، بعد أن تبين أن من صادق على صفقة الشاهد الملك وأقرها هو مندلبليت والنائب العام، شاي نيتسان، ليحدثا واقعاً جديداً أعطى أولى نتائجه في تصريحات نسبتها وسائل الإعلام الإسرائيلية لوزراء ومسؤولين كبار في "الليكود"، أقروا أن نتنياهو لن يفلت هذه المرة، وأن الوضع اختلف كلياً مع وجود شاهد ملك، من الدائرة الأولى لنتنياهو، شخص، يعرف كل صغيرة وكبيرة عن رئيس الحكومة ,وفقا للعربي الجديد.
ويحاول نتنياهو، لغاية الآن، تجاهل أو إنكار دلالات وجود شاهد ملك أقل ما يقال فيه إنه "من أهله" وليس من اليسار الإسرائيلي أو من الإعلام المجند ضد الدولة. وسيواصل نتنياهو خطه الحالي في رهان لكسب المزيد من الوقت، أو استنفاد كل الوقت المتاح أمامه، للبقاء في منصبه، ولا سيما أن الإجراءات الجنائية والتحقيق معه كمشتبه به ستأخذ وقتاً طويلاً، يستغرق عدة أشهر على أقل تقدير، قبل الإعلان عن بلورة لائحة اتهام رسمية وتقديمها ضده. وقد يسعى إلى البقاء في منصبه حتى بعد تقديم لائحة الاتهام بالاعتماد على أن القانون الجنائي، رغم إجراء تعديلات عليه، إلا أنه لا يلزم رئيس الحكومة (خلافاً لحالة الوزراء) بالاستقالة من منصبه، مع مجرد تقديم لائحة اتهام رسمية ضده. لكن ما قد يمنحه له القانون قد لا يحصل عليه من الرأي العام، في حال تبلور رأي عام مناهض لبقائه في منصبه، أو لم تقدم المعارضة طلباً رسمياً بالإعلان أنه لن يكون قادراً على مواصلة القيام بمهامه الرسمية لاضطراره للتفرغ أيضاً، أو تخصيص وقت كبير نسبياً للمحاكمة والدفاع عن نفسه، وهو ما قد يضطره في نهاية المطاف إلى الاستقالة والإعلان عن انتخابات جديدة، لكسب مزيد من الوقت.
وفي هذا السياق، قد يتمكن نتنياهو من إتمام الدورة الكاملة للحكومة الحالية حتى أواسط العام 2019، أو يغامر بالذهاب إلى انتخابات جديدة. لكن وفقاً لما رشح، لغاية الآن، من معلومات عن شهادة الشاهد الملك، يبدو أن الإدانة بالشبهات المنسوبة له ستكون خاتمة مسيرة نتنياهو السياسية، وأن نهايتها قد بدأت، وإن طالت هذه النهاية واستغرقت عاماً أو عامين إضافيين.