بقلم الاعلامي .. بسام الياسين
{ ان امة تنفق المليارات على حروبها الأهلية لذبح ابنائها ثم تدفع الترليونات لإستئجار الجيوش الاجنبية للدفاع عنها... بينما شعوبها تعاني من فاقة مزمنة/ امراض مستوطنة،ردة للجاهلية الاولى،جهلاً وتخلفاً وعصبيات نتنة.امة لا تخجل من نفسها ولا تستحي من غيرها }
باديء ذي بدء سعد الحريري كشخص، لا يستحق كل هذه الزوبعة الأعلامية ولا الجولات الدولية المكوكية."المقابلة التاريخية" فضحت هشاشته،ورفعت الغطاء عن ورطة سجَّانه الذي علق بأعلى الشجرة ولولا السلم الفرنسي لظل عالقاً عليها الى ما شاء الله.
مأساة الحريري وعائلته، كشفت عيوب النظام القبلي / الفردي المخبوء وراء قشة،وكيف ان هواة السياسة من النخب العربية تتسيد المرحلة وتقود الدفة،وتدير شؤون الامة على طريقة الفزعة و احيانا عن طريق القُرعة، وعند الخسارة تدفن راسها كالنعامة التي لا حول لها ولا قوة،سوى اشهار دبرها للعامة.
التوريث السياسي اول عيوب الامة و اشدها فتكاً.هو ظاهرة قبلية متخلفة في عصر الريبوتات التي تقوم بمهام معقدة في الحرب والطب والهندسة يعجز عنها الانسان .الأعاريب ما زالت مُصرةّ على ان الوطن عقار يُورّث في " الطابو"،من الآباء للأبناء، والشعوب بنظرها قطعان تنقاد بالعصى.
جاهلة هذه الزعامات المتآكلة او متجاهلة، ان القيادة والسياسة لا تنتقلان كالأنفلونزا بالعدوى بل هما علم وخبرة وكفاءة ومؤهلات شخصية وموهبة ربانية.من حق الوارث شرعاً امتلاك ثروة ابيه لكنه لا يحق له ان يسوس الناس بارثه وتاريخه،وهو لم يدخل بعد "الحضانة السياسية"، ولنا امثلة مخجلة امثال جمال مبارك،سيف القذافي، احمد على عبد الله صالح.
الحريري حُكماً ليس قائداً فذاً،ولا زعيماً ملهما. تَشّيخ حديثاً بعد الطفرة النفطية و بركات " سعودي اوجيه " وحمل المشيخة عن المرحوم والده.السياسي المحنك المحترف لا يقول من محبسه لدولة اقليمية قوية عجزت اسرائيل الاقوى شرق اوسطياً عن ضربها، "ساقطع يدك"، وهو ذاته جرى تشليحه ساعة يده قبل ان يهبط من طائرته،ولا يطالب حزباً عقائدياً ـ كحزب الله ـ اصبح له وزنه الوازن ان يحل نفسه، بخطبة سياسية رديئة الصياغة و القرآءة،ولولا نخوة " ماكرون " لما استطاع ان يغادر معتقله...اية مسخرة هذه بل اي سذاجة ؟!.
مواجهة ايران وحزب الله تحتاج الى قوى عظمى لا الى عنتريات بلاغية طغى عليها التلعثم،و التأتأة و الخنخنة كأعجمي يتدرب على مخارج الحروف لإول مرة. هذا يقودنا الى قناعة لا يرقى لها الشك، ان المحروس سعد لم يقرأ جريدة في حياته، ككل ابناء الاثرياء،اذ ان اهتماماتهم بثرواتهم يفوق هموم اوطانهم و شقاء ناسهم.
الحريري كان في غنى عن الظهور العلني....لغة طفولية ، ضعف الكفاءة في المواجهة، ركاكة الحجج،تبريرات واهية لا تصمد امام الحقائق الصلبة.بمعنى ان ظاهرة الحريري المتمثلة بالتوريث السياسي تعلن بصراحة :ـ انها تحمل فشلها في تكوينها نطفة وتكويرها جنيناً وقابليتها للسقوط لإقل هزة.الحريري ارتفع رصيده العاطفي شعبياً، لِما آلت اليه احواله البائسة، لكنه فقد رصيده السياسي بعد ان تبين ان السياسة فوق طاقته واكبر من مقاسه.على المقلب الآخر،ان رفع اليافطات المعلبة وصرف الشعارات المثلجة،وتسطيح السياسة،ثم تضخيم " البطل" وطنياً والمبالغة بانه القدوة رجولة والمثل الأعلى شجاعة، نكات سياسية و قفشات مضحكة غير متداولة الا عند الأعاريب الساقطة في جهل المعرفة،بعد ان تم برمجة الإعرابي رغم ربطة عنقه وقبته المنشاة على ذهنية الاذعان والخوف والتسليم بما يفرض عليه من دون محاكمة عقلية كأنه إمعة.
فيا عربان الجامعة العربية،آن لكم اكتشاف القاعدة الاولية في السياسة :ـ ان للسياسة اهلها كما للبحر ملاحيه،وان الشعوب الحية هي التي تصنع عظمائها وقادتها. الحريري وان كان يحمل الجنسية السعودية، الا ان والده جاء الى السعودية بتأشيرة على نظام الكفالة ككل الباحثين عن رزقهم...الكفيل في ذلك النظام اللا انساني، هو السيد و اول ما يقوم به سحب جواز سفر المكفول لتقييد حريته،وتحديد حركته وتسفيره خارج البلاد بلا عودة ان لعب بذيله...الضعيف / المحتاج يقبل شرط الاسد بكل مساوئه الاذعانية.ا
نها العبودية المُقنّعة بصورة حضارية و مكيجة عصرية لتكون مقبولة دولياً.نظام يستعمل العسل المُر لاصطياد ما يرغب،فاذا لم تختنق الضحية بالحلاوة فانها تفقد القدرة على الطيران مما علق بارجلها من دبق . الحريري لم يستدعَ للرياض بل جُلب جلباً على عجل وجرى له ما جرى. وقد عرف الطارئون على علم السياسة انها ليست " تسلية على الاتاري" بل بحر عميق اغرق سباحين مهرة،فكيف لمبتديء، ان يخوض في مياهه المالحة المتلاطمة،وهي التي قتلت اباه بطلقة من زاوية حرجة لم تستطع الدوائر الامنية تحديد مطلقها حتى يومنا هذا...
ما حدث مع الحريري يذكرني بالمثل الشامي " يا ويله وسواد ليله إلي بشتغل بغير كاره ".ما ينطبق على الحريري ينطبق على كثير من الورثة الذين ورثوا القيادة السياسة، بلا ادنى مقومات. اذاً، فالثوريث السياسي ظاهرة عربية ، لا ينازعهم عليها سوى الدول الافريقية المتخلفة. الديكتاتور العجوز موغابي الذي بلغ من العمر ارذله،حكم بلاده بالقمع كالقذافي لمدة اربعة عقود،وكان ينام على كرسية امام الجماهير في المناسبات الوطنية تماما مثل بورقيبة الذي كان يبول على ذاته في الاجتماعات الرسمية،لكن وجه الاختلاف بينه وبين حكام العالم الثالث،ان موغابي كان يعتزم قبل الاطاحة به الى تسليم ادارة حكم بلاده المنهكة الى زوجته غريس لا الى احد من انجاله التي كانت تطلب منه الرئاسة امام الناس من دون حرج كأن مؤسسات الدولة والرعية لا رأي لها .
اما اولاده فأستبداد والدهم، اعمى بصرهم و طمس بصائرهم،حيث استولدوا شعاراً :ـ " افعل ما شاء لك دون ان تخشى عواقب فعلتك...فلا شيء يهمك طالما يدير ابوك البلد كيفما يريد من دون مشورة احد ".فالحاكم بامره كالقدر المحتوم. هو يوزع المناصب والمغانم.يستأثر بالموارد ويحدد النفقات.احزابه صورية ومعارضته مُخًلقةُ في رحم المعامل الاستخبارية كنطفة هجينة حتى تكون اشد ولاءً من جُنده،بينما برلمان الشعب يأتي بانتخابات مزورة.فأجهزته تُقصي من تشاء وتُدني من تشاء. سعد الحريري نجح شيخاً. فالمشيخة في بلادنا عملة دارجة ،لا تحتاج سوى مضبطة موقعة من عدد من الغلمان و فرمان من حضرة السلطان.هذه لعبة المشيخة لكن السياسة ليست لعبة سهلة...الحريري كان سيبدع لو كان لاعب جولف،عازف بيانو،مدير شركة، اما السياسة " يفتح الله ".السياسية قذرة، بحاجة الى مكر وذكاء ودهاء.قلة دين وقلة حياء.للأنصاف سعد الحريري خامة لم تعركها الايام،وجيناته الموروثة لا تحمل هذه السلبيات. لقد فتح عينيه على حياة انعم من الحرير،وبيت يفيض بالقيم الانسانية...وشهادة سمعتها باذني من اشخاص متعددي الجنسيات لا يعرفون بعضهم عندما كنت اعمل في السعودية وتحديدا في الطائف،وكان وقتها المرحوم الشهيد رفيق الحريري يقود " سعودي اوجيه"، قصصاً انسانية عزَّ نظيرها حتى في كتب التراث وخاصة مع تلك السيدة الاردنية التي اصيب زوجها الذي يعمل في شركته بالسرطان. فامر بصرف راتب للعائلة مدى الحياة و ارسال الزوج لدولة اوروبية للعلاج على نفقته الشخصية.نستنتج ان السياسة ليست لعبة " الشيخ سعد " و النطنطة بين المحاور ليست ميدانه والذي زيّن له حمل ورثة ابيه السياسة ظلمه وظلم وطنه. الحريري تلقى درساً لن ينساه ابداً في معركته الاخيرة ، ولن يكون " سعد " اليوم مثل " سعد " الامس...
الحقيقة ان الفقر مع الكرامة افضل من الغنى مع الذل.صدمة الاحتجاز والاستقالة القصرية هزت كيانه،قلبت تفكيره،افقدته توازنه.عرته،انسانياً،وسياسياً وليس امامه خيار سوى ان يعتزل السياسة و اهلها ويعود ليمارس هوايته بالتزلج على جبال سويسرا او ينتفض على تاريخه ويعود صادقاً مع ذاته،قوي الشكيمة لا يضحك على نفسه ولا يسمح لمخلوق ان يستغله.باختصار عليه ان يلقب الصفحة القديمة ويبدأ حياة جديدة ...!
الحريري يحمل ثلاث هويات.
اللبنانية،السعودية،الفرنسية،مع معرفتنا ان الهويات والكيانات. العربية تمت صناعتها على يدي سايكس الانجليزي و بيكو الفرنسي، دون مراعاة لوحدة التاريخ ،الجغرافيا، الانسان العربي.تعدد الهويات وتقسيم الامة بالقلم والمسطرة،هدفه اضعافها تمهيداً للسيطرة الصهيونية عليها والانحناء امام مخططاتها. مثلث برمودا "الهوياتي" مزق شخصية الحريري، ساهم في تشظي صورته،شتت انتماءاته،شوش تفكيره بينما الهوية الواحدة تحدد معالم الطريق اما بقية الهويات تضع صاحبها في متاهة. لبنان اليوم يقف حافياً على جمر الانتظار،يترنح على طرف الهاوية. فهل ( ينأى ) الحريري اولاً بنفسه عن التجاذبات الداخلية والدولية للخروج بوطنه لبنان من مأزقه كي يعود به كما كان " سويسرا العرب " وليس كـ يمن العربان والطاعون ولا اعاريب ليبيا المتحاربة ولكل حارة مليشيا تحمها وقائد يفرض الاتاوة على سكانها.
ان اي مغامرة غير محسوبة من لدنَّ سعد، ستكون مقامرة مدمرة ستعود بلبنان الى حرب اهلية مدمرة،المستفيد منها اسرائيل. ما يطلبه الشرفاء ان يكون سعد ذاته لا غيره، عروبياً كأبيه. بهذا ثبت ان الوطن ليس لعبة بيد الغرباء ورئيس الوزراء ليس دميه يلهو بها الافرقاء.كنا البارحة بين روم وفرس و اصبحنا اليوم بين روم وفرس وصهاينة و علاقمة " جمع ابن العلقمي" ،يحيكون المؤامرات،و يوقدون نيران فتن بينية، بمتواليات هندسية وقودها اموالنا وشعوبنا.فمنذ بدايات التاريخ المعاصر، ونحن نقف مع غيرنا ضد انفسنا.آن الآوان ان نقف مرة واحدة مع انفسنا فقد شبعنا تمزيقاً لبعضنا ، وحروباً بالوكالة لمصلحة اعدائنا.