86 ورقة تضم ملف أخطر قضية لسرقة البنوك فى العالم داخل الـ FBI، بالإضافة إلى ملف سرى تتكتم عليه جهات التحقيق بين النيابة العامة ومباحث الأموال العامة وإدارة مكافحة الجريمة الإلكترونية بوزارة الداخلية وجهات سيادية أخرى. «اليوم السابع» حصلت على وثائق ومستندات خطيرة فى القضية يكشف عنها لأول مرة.
«عميلنا العزيز أرسل الرقم السرى لبطاقتك الائتمانية، واسمك كاملا لأننا بصدد تحديث بيانات عملاء البنك» رسالة عادية قد تصلك عبر بريدك الالكترونى وأعلاها شعار البنك الذى تتعامل معه، وعناوينه وصفحته الإلكترونية. كنوع من التأكيد لشخصية عميل البنك وإمكانية إجراء العمليات المصرفية بالإنترنت، التحويل والسحب والإيداع وسداد بطاقات الائتمان
والاعتمادات المستندية وخطابات الضمان، لكن العملاء لا يعرفون أنها مصيدة نصبها تنظيم القرصنة الإلكترونية.
البداية.. جروب على الفيس بوك أسسه شاب أمريكى مدمن برمجة هو كينيث جوزيف لوكاس ،عمره 25 عاما وصديقته «نيكول ميرزى» التى لا تترك اللاب توب حتى فى الحمام، كان صديقها لوكاس يشجعها على معرفة أحدث برامج أو شفرات فى عالم البرمجيات.
جروب عادى لهواة البرمجيات من أمريكا وخارجها، ومعظم المترددين عليه من مهندسى الكمبيوتر والاتصالات والهاكرز تحول إلى أكبر جروب للهاكرز الظرفاء الذين يحبون المقالب الإلكترونية، ومعهم جون كلارك صديق نيكول ومنافس لوكاس السابق على حبها، وقد جمع بينهما إدمان «الهاكنج»، يتبادلون البرامج الجديدة، بدأ لوكاس ونيكول وكلارك يضمون من يثقون فى عقليتهم المبتكرة، وجرأتهم فى الهاكنج، بأسئلة مرحة: «كيف تخترق كمبيوتر الجامعة لتعرف أسئلة الامتحان»؟، أو ما هو الطريق السحرى لتحويل موقع جماعة الحفاظ على البيئة لموقع إباحى؟.
ضم التنظيم مئات الأعضاء الذين يجيدون استخدام القرصنة الإلكترونية بمهارة، وتم اختيار بنوك معينة لسببين، إما أنها لا توجد لديها وسائل تأمين دقيق للغاية فى العمليات المصرفية أو أن هناك موظفا ساعد التنظيم وأمدهم بقاعدة بيانات عن عملاء« بنك أوف أمريكا», و«ويلز فارجو».
الخطوة التالية أن الثلاثة، صمموا مواقع ويب وهمية تماثل مواقع البنوك، وأرسلوا «إيميلات» للضحايا بدت كأنها من البنوك، تطلب منهم إدخال معلومات شخصية؛ مثل أرقام حساباتهم المصرفية, كلمات المرور الخاصة بهم, أرقام الضمان الاجتماعى, ورخص القيادة، وعن طريق تلك البيانات يعرف الهاكرز أسرار العملاء البنكية، ويجرون كل العمليات المصرفية من إيداع وسحب وتحويل أموال وحوالات عبر الإنترنت.
بحث لوكاس ونيكول وجون كلارك عن شركاء , هربا من متابعة السلطات الأمريكية. وقادتهم الصدفة عام 2004 للتعرف على الهاكرز المصريين.. أو مؤسسى تنظيم الهاكرز المصريين، وهم ثلاثة أيضا «محمود على»و «إبراهيم حداد» و«أحمد عبدالعظيم»،: ثم بدأوا يجندون آخرين للتنظيم الدولى للهاكرز ليصبح عددهم أكثر من 100 مصرى، عندما بدأ شاب من دكرنس بالدقهلية فى الدخول إلى موقع «points» لشحن كروت الهواتف المحمولة، ونجح فى القرصنة على الموقع والهاكرز عليه عن طريق السطو على اسم مستخدم وكلمة مروره، وحول مبالغ مالية لرقم هاتفه مجانا، وفى عام 2005، استطاع هذا الشاب بـمساعدة 3 آخرين، الأول يدعى «م. ع» وحاليا مهاجر لكندا، والثانى «إ. ح»، والثالث «أ. ع»، فى تحويل قيمة كروت الشحن هذه إلى مبالغ مالية عبر كروت الائتمان. ولم يكونوا يتخيلون هذا النجاح لدرجة أن أحد هؤلاء الشباب عندما حصل على 200 دولار كأول مبلغ «نقدى» من عمليات القرصنة اشترى «كوتشى ماركة PUMA» كان مثار حديث شباب البلدة، وبعد ذلك بدأ الـ3 شباب فى إقناع مجموعة كبيرة من شباب البلدة فى الاشتراك فى عمليات تحويل واستلام الأموال مقابل 200 جنيه فى العملية الواحدة، حتى انتشر الأمر ووصل عدد الشباب المتورطين فى القضية إلى أكثر من 80، واعترف المتهمون على 45 شخصا آخرين بينهم 4 فتيات.
توسع الشباب فى العمليات، خاصة مع انتشار عمليات الهاكرز والقرصنة الإلكترونية فى بعض الولايات الأمريكية وعلى رأسها ولاية كاليفورنيا، حيث عقد التنظيم الدولى «لوكاس ونيكول وكلارك» صفقة مع قادة التنظيم فى مصر «محمود على» و«إبراهيم حداد» و«أحمد عبدالعظيم»، لإرسال إيميلات لعملاء فى الولايات المتحدة من القاهرة يطلبون منهم بياناتهم الشخصية، لتسهيل عملية التداول، بعد إتمام العملية، وكان لوكاس ورفاقه حريصين على أن يكون هؤلاء الأشخاص بعيدين عن التتبع الأمنى فاختاروا شبابا فى مصر وليبيا وزائير ونيجيريا، يسمون «Dropper» يعنى القاطرة، ويتم تزويدهم بجميع المعلومات حول الرصيد الذى ستتم سرقته، وتتم العملية من إحدى الولايات الأمريكية، ثم تحول لإحدى الحسابات المجهزة لذلك فى المكان المحدد من الدول المذكورة، ثم يحول إلى حساب آخر بأمريكا، وبالتالى يصعب تتبع العملية لأنها تمت من أمريكا وأرسلت على حساب خارج القارة، ساهم فى سهولة العملية أن معظم بنوك أمريكا «خاصة وليست ملكا للدولة»، بل ومع تزايد انتشار مثل هذه الجرائم تم إنشاء قسم شرطة خاصا لمكافحة القراصنة والهاكنج فى كاليفورنيا، ولجأت «إف. بى. آى» لبعضهم للإيقاع بعناصر وعصابات أخرى.
أحمد يونس محامى المتهمين أوضح أن المتهمين المصريين حولوا الحد الأدنى من حسابات مجموعة من العملاء فى كاليفورنيا ونيفادا ونورث كارولينا، للعقل المدبر لتلك العملية ويدعى «كينيث جوزيف لوكاس»، الذى تولى بعد ذلك إرسالها للقاهرة عن طريق شركة «Western Union» مقابل 60 %، وهناك يتسلمها أشخاص آخرون، لإيصالها للمصريين. وأضاف يونس، أنه بعد سنة ونصف من تلك العمليات بدأت البنوك الأمريكية تشك فى كثرة هذه التحويلات وتكرارها، وقصر الأمر فقط على الشراء عبر الإنترنت، فلجأ المصريون لعمليات شراء بالوكالة وصفقات لحساب الغير.
ومع تطور الأمور أجرى مكتب التحقيقات الفيدرالية الـ«FBI» تحريات كاملة عن الأشخاص الذين تتم نقل الأموال لهم فى
أمريكا، واكتشفت أنهم ضمن مافيا قرصنة إلكترونية عالمية جمعت، 8 ملايين دولار فى 16 شهرا، بدأت فى مراقبتهم وتسجيل مكالماتهم مع المتهمين المصريين، وراقبت إيميلاتهم ومحادثات «الشات» بين المصريين والـ«Droppers» والأمريكيين.
بعدها أرسل مكتب «إف. بى. آى» لإدارة البحث الجنائى بمصر، مذكرة بالتحريات الكاملة ومجموعة أسطوانات، تحمل بيانات الأشخاص الذين حول لهم الأمريكان الأموال عبر شركة «Western Union»، تضمنت أسماءهم بالكامل وأرقام هواتفهم المحمولة وعناوينهم الشخصية والأماكن التى يدخلون من خلالها على الإنترنت، وبدأت أجهزة الأمن المصرية تحرياتها ومراقبة أماكن إقامة ودخول هؤلاء الشباب، بعد أن كانت أجهزة الأمن بـ«دكرنس» فى محافظة الدقهلية تلقى القبض عليهم عدة مرات لكثرة الشكوك وعلامات الاستفهام حولهم، وكان يخلى سبيلهم لعدم كفاية الأدلة، لكن الأدلة الأمريكية صنعت جزءا من الصورة وبعد مراقبة ألقت أجهزة الأمن بمصر القبض على 31 متهما، 28 منهم من مركز «دكرنس» دقهلية و3 آخرون من «أبوكبير» بمحافظة الشرقية.ونجحت أجهزة الأمن المصرية فى الإيقاع بهم.
وقالت لورا إيميللير المتحدثة باسم مكتب التحقيقات الفيدرالى فى لوس أنجلوس إن السلطات الأمريكية قبضت على أفراد العصابة من جنوب كاليفورنيا ونيفادا وكارولينا الشمالية، وتوقعت اعتقال نحو 100 فى مصر والولايات المتحدة.
وطبقا لمذكرة الاتهام فقد كانت عملية تحويل الأموال بين أمريكا ومصر، منظمة جدا وخالية من الأخطاء، وأن التنظيم سرق أكثر من 20.000 من العناوين وكلمات المرور الخاصة بالحسابات لدى كل من؛ «هوتميل», و«جوجل», و«ياهو», و«أمريكا أون لاين»، أعلنت الشركات المشرفة أنها ستعمل مع الأجهزة المصرية لمساعدة أصحابها فى استرداد حساباتهم، وقدرت مصادر قريبة الصلة من القضية المبالغ التى تم الاستيلاء عليها، بأكثر من 10 مليارات جنيه، الأمر الذى دفع مكتب التحقيقات الفيدرالية لوصفها بـأكبر شبكة قرصنة فى التاريخ، لقضية قد تبدو جنائية، لكنها تمثل خطورة على الأمن القومى الأمريكى، لورا إيميللير المتحدثة الرسمية باسم مكتب الـ إف بى آى بلوس أنجلوس نفت فى تصريحات لـ(اليوم السابع)، وجود الصلة وقالت: إنه لم يتم توجيه أى اتهامات لشبكة القرصنة الإلكترونية التى تم القبض عليها مؤخرا بين الولايات المتحدة ومصر، تتعلق بجمع تمويلات لجماعات إرهابية».
من جهة أخرى ذكرت مصادرقضائية لـ «اليوم السابع» أن «التكييف القانونى» لتلك القضية، سيمثل مشكلة أخرى، فى ظل غياب نصوص تجرم السرقة عبر الإنترنت فى قانون العقوبات المصرى، إلا أن «الإسناد الجنائى» سيكون هو المخرج من تلك الأزمة، وهو ما أشار إليه بيان مكتب التحقيقات الفيدرالية عند الإعلان عن ضبط التنظيم.