مسلسل متراكم من النفايات التي تحتضنها مدينة الزرقاء, تلك المدينة التي لا تزال تصرخ جراء ما حل بها من معاناة, وغياب الدور الرقابي او تغييبه سيزيد المعاناة عما قريب, لكنها في هذه المرة لم تصرخ من واقعها الاعتيادي الذي اصبح معروفا للجميع او من نفاياتها الصلبة المتناثرة في جميع ارجائها بل من نفاياتها الطبية الخطرة, التي تؤدي الى إصابة الإنسان بأضرار خطيرة وربما مميتة, وتحتوي هذه النفايات على المخلفات الطبية كالإبر والحقن والقطن والشاش وبقايا العينات الملوثة بسوائل أو دماء المرضى ومخلفات صيدلانية وكيماوية وأحيانا مخلفات مشعة بالاضافة الى بعض المخلفات الناجمة عن العمليات من أعضاء بشرية وغيرها, والكارثة تكمن في احتواء هذه النفايات على بقايا وحدات الدم والتي تحمل الضرر الاكبر على الناس خاصة المتواجدين تحديدا في الاماكن السكنية القربية من المشفى ومجمع الباصات الجديد في مدينة الزرقاء لان تلك النفايات المنتشرة تخرج من احد المستشفيات الخاصة الكبرى بجانب مجمع الباصات الجديد في الزرقاء.
صدمة
وفي جولة قامت بها (العرب اليوم) للمنطقة صُدمت عين الكاميرا مما رأت من مصدر خطير للتلوث, وبتجاهل اصحاب ذاك المشفى جميع التعليمات والقوانين الصادرة بخصوص جمع النفايات الطبية والطرق السليمة للتخلص منها, والتي لم تعد تخفى على احد خصوصا اصحاب العلاقة ابتداء بوزارتي الصحة والبيئة وحتى اصغر المؤسسات المسؤولة عن سلامة التخلص من هذه النفايات, فمن منا يجهل أن هذه النفايات مصدرها شخص مريض ومن الممكن ان يكون مصابا بفيروس او بكتيريا او فطريات وربما تنقل العدوى لشخص سليم عبر الهواء مثلا او الى عامل نظافة ان وجد لازالتها- عن طريق الملامسة, اين هي رقابة الجهات ذات العلاقة?
توسل
تلك الكارثة البيئية حدثت في الزرقاء منذ فترة زمنية ليست قريبة, وعند قدوم عدسة (العرب اليوم) الى المكان قال احد المتواجدين " من زمان يجي حد ويصور" وآخر "انشروا لعل وعسى صار شي وحلوا المشاكل " وأقاويل كثيرة كأنها تتوسل لعين الكاميرا بالتصوير بوضوح لتصل المعاناة كما هي, حالمين بايجاد حل في ظل غياب دور البلدية والجهات المعنية, وتغييب التطبيق لروح القانون المتعلقة بهذا الخصوص, فالقانون موجود والتعليمات البيئية للنفايات الطبية والتخلص منها موجودة, ولكن ما زالت النفايات الاكثر خطورة بعيدة عن سلامة التخلص منها وحتى سلامة التعامل معها.
من المتعارف عليه ان النفايات الطبية خاضعة للتصنيف بحسب خطورتها الى نفايات عادية وهي نوع من النفايات لا يشكل خطورة على صحة الإنسان الا نادرا, فهي عبارة عن النفايات المستهلكة في المستشفيات مثل الأوراق والزجاجات الفارغة المحتوية على مواد غير خطرة, وبعض المواد البلاستيكية والعلب الفارغة وبعض بقايا الأدوية العادية غير الخطرة وبقايا المطهرات مثلا, وكلها نفايات عادية وغير سامة أو ضارة وهذه لا خوف منها على البيئة.
مخلفّات
ونفايات خطرة وسامة وهي تنقسم إلى نفايات باثولوجية: وهي غاية في الخطورة حيث تتضمن بقايا غرف العمليات الجراحية وتشمل أعضاء بشرية مستأصلة تحوي من المؤكد على الامراض وسوائل الجسم الناتجة من أثر العمليات والدم الناتج عن العمليات أيضا الذي قد يحتوي على الكثير من الأمراض, بالاضافة الى شموله على بقايا المختبرات من سوائل التحليلات وبقايا العينات التي تستخدم في التحاليل بالإضافة إلى نواتج التفاعلات الكيميائية التي تلقى بعد معرفة نتائج التحاليل وكلها مخلفات ونفايات غاية في الخطورة, ولا يجب أن تعامل مثل هذه النفايات بالطريقة ذاتها التي نتعامل بها مع النفايات العادية بل يجب أن توضع في علب خاصة محكمة الغلق وتعامل معاملة خاصة للتخلص منها ولا يكون ذلك بإلقائها مع النفايات العادية حيث يكون ذلك بمقام مزرعة خاصة لتكاثر العديد من الفيروسات والامراض ومن ثم تنشر إلى العالم الخارجي من مكان وظيفته الاولى القضاء على هذه الأمراض بالذات, ومن مخاطر المواد المعملية والدوائية أيضا إذا ألقيت مع المخلفات العادية هي تغيير تركيبها بتغير الوسط الذي كانت فيه ما يؤدي إلى تغيير تركيبها وتحولها من مواد عادية إلى مواد سامة وخطرة جدا على صحة الإنسان والبيئة.
مواد مشعة
بالاضافة الى النفايات الملوثة وهي تلك النفايات الناتجة عن مستلزمات الجراحة مثل الضمادات الملوثة التي استهلكت ويجب التخلص منها, والملابس التابعة للمرضى والتي يتم ارتداؤها في غرف العمليات مثلا وقفازات الأطباء التي يستخدمونها في الجراحة ثم تلقى بعد ذلك والقطن الملوث والإبر البلاستيكية والحقن الشرجية وغيرها من النفايات الملوثة في حد ذاتها والتي قد تشكل مصدراً للعدوى في حالة تعرض الإنسان العادي السليم إليها بشكل أو بآخر, وبهذا فهي مصدر خطورة شديدة إذا لم يتم التعامل معها بحرص شديد, ايضا نجد هناك النفايات المشعة وهي تشمل بقايا غرف الأشعة والمختبرات المتخصصة, والمحاليل المشعة المستخدمة في التحاليل الطبية في الأشعة السينية خاصة اليود المشع وخلافه, وهذه البقايا قد تكون مواد مشعة ذات خطورة بالغة على صحة الإنسان والبيئة المحيطة.
وكل هذه النفايات بحاجة الى أسلوب آمن للتخلص منها, وقد سبق وأنذرت وزارتا البيئة والصحة عددا من المستشفيات التي لم تراع الاسلوب الصحيح في جمع نفاياتها والتخلص منها,و الان من الذي سيحاسب هذه المستشفيات بأكثر من الانذار خاصة ان بعض النفايات التي وجدت تحمل تاريخا يعود لثلاثة ايام مضت وهي عرضة للهواء والاتربة واشعة الشمس, وهذه العوامل توفر البيئة الخصبة لتولد الامراض والتي ستنتشر بشكل اكبر واخطر مما كانت عليه بالسابق, والغريب ان حاويات النفايات بجانب مبنى الوزارة والاغرب ان النفايات بجانب الحاويات....
فمن المسؤول??... وهل سيحاسب? ومتى??.. من الذي سيحاسبه??...
الاطفال هم السبب!
»العرب اليوم« قامت بالاتصال بمدير المستشفى المذكور للاطلاع على تفاصيل هذه الكارثة البيئية فقال "تقع حاويات النفايات الطبية للمشفى بقرب منطقة سكنية شعبية وهي مخيم الزرقاء فيأتي الاطفال ويعبثون بها بحثا عن علب معدنية (علب المشروبات الغازية وما شابه) مغافلين بذلك الحارس المتواجد بالقرب من الحاويات وبالتالي نثر ما تحويه الحاويات على الارض, والمستشفى الان بصدد بناء غرفة لوضع الحاويات حتى تُبعد عن متناول العابثين, ونقوم بجمع النفايات الطبية الناجمة عن المستشفى ونقوم بنقلها الى المكب المخصص بجامعة العلوم والتكنولوجيا وذلك ضمن الاتفاقية الموقعة بيننا للتخلص من النفايات".
من يتجاوز التعليمات?
أما مدير مديرية بيئة الزرقاء المهندس عبد المجيد خابور فقال "تعتبر النفايات الطبية من أخطر النفايات التي نتعامل معها خاصة في مدينة تحتوي على تلوث بيئي كبير كالزرقاء التي تضم صناعات كثيرة, ونحن نقوم وبشكل مستمر بدور الرقابة والتفتيش ونتخذ الاجراءات اللازمة بحق كل من يخالف او يتجاوز التعليمات المقرة من وزارة البيئة بهذا الخصوص, بالاضافة الى الدور الذي تقوم به مديرية الصحة بالمحافظة, وهناك آلية للتخلص من هذه النفايات تعلمها المستشفيات كافة الخاصة منها والحكومية, وسنقوم باجراء اللازم بحق جميع المخالفين لانه من المعروف للجميع وجوب ابعاد هذه الحاويات واي نفايات خطرة عن ايدي الاطفال وحتى البالغين الذين من الممكن ان يعبثوا بها, للحفاظ على حياة المواطن الاردني من الأثار المترتبة عن هذه النفايات ".
مخالفات
كما قامت »العرب اليوم« بالاتصال بمدير مديرية صحة الزرقاء الدكتور ضيف الله الدغمي الذي قال " قمنا بارسال عدة لجان لنفس المستشفى ضمن حملات التفتيش الدوري التي نطلقها على كافة المستشفيات لضمان أمن طريقة التخلص من هذه النفايات حيث كانت هناك مشكلة خلط النفايات الطبية بالنفايات العادية وحررنا المخالفة يوم 7 / 3 /2010 ورُفع كتاب الى محكمة بلدية الزرقاء بهذه المخالفة, وبتاريخ 9 / 3 /2010 قمنا بتوجيه كتاب آخر لادارة المستشفى لاعلامها بالمشاكل التي قمنا بمخالفته بسببها, وهي عدم وجود غرفة للنفايات الطبية لسهولة ضمان السلامة في التخلص منها بالاضافة الى وجود نفايات طبية داخل حاويات النفايات العادية (المنزلية), كما يجب على جميع المستشفيات وضع خطة كاملة للتخلص من نفاياتها الطبية بصورة صحيحة وتقدم هذه الخطة الينا وتجدد بشكل دوري في كل مرة يتخلص بها اي مشفى من نفاياته".