{{{إستهلال :ـ ازفت الآزفة لوقف استنساخ شخصيات ضعيفة / هشة،وحانت ساعة الرحيل،لرحيل نخب سياسية شاخت وذوت كثمرة متآكلة.كفى تدويراً لبضائع مستهلكة، فقد آن آوان بناء دولة مدنية. هذا لن يكون الا بالتحلل من وزر وزراء لا همَّ لهم الا الركوب على اكتافنا المنهكة،ولن يكون الا بتحرير “القبة البرلمانية” من نواب نوائب عدتهم ميكرفونات صدئة وعتادهم جعجعة و سيوفهم خشبية..هبة رمضان المجيدة في ادنى توصيفاتها، فعل تغيير شامل وكنس نخب اعتلت المسرح صدفة ومثلت علينا ادواراً ممجوجة على خشبة مسرح مسوسة و مكشوف بلا ستارة يعتمد التلقين.بشائر الهبة، بعث الحياة في قانون من اين لك هذا ؟!.تفعيل قانون التهرب الضريبي،تعديل مفهوم المواطنة المغلوطة،بتحقيق العدالة الاجتماعية المفقودة حتى يقف المواطن على قدميه ورأسه مرفوعة كما خلقه الله في احسن صوره لا بصورته الحالية المقلوبة }}}.
*** احمد الزعبي نسر الكتابة التي تخترق الحجب العالية، من الاستحالة قصقصة جناحيه ومنعه من التحليق عالياً عاليا.هو صاحب اللغة اللاذعة كالتوابل الهندية الحارقة ،و الايحاءات الواخزة كوخز الشوك للاقدام الحافية.” سواليف ” ماركة مسجلة، تشي بحنكة خبير محترف وحكمة طاعن في التجربة والمعرفة،تشرح الصدر،تفتح شرايين القلب،تبعث الامل بان هنالك املاُ يستحق الحياة .تقرأ بين سطوره، حكايا موجعة تنبش الآلآم المطمورة في الحنايا،تّفجر الضحكات العصية،رغم عبوس صاحبها وسوداوية واقعه…بريشة حبره السحرية وتركيبته اللغوية الجذابة، اصبح ملك المقالة الساخرة بلا منازع.تفرد بالجلوس على ذروة القمة حتى بات يشكو الوحدة من بقائه وحده دون منافسة.لما سلف توهجت صورته حتى غدا الاكثر شعبية. صَكّ تعبيرات فريدة متفردة،لدرجة انك تحبس انفاسك من روعتها.فهي لفرادتها تخلب الالباب، تجمع الاضداد، تُوآءم بين المتناقضات في معادلة مدهشة انشتاينية بصياغة زعبية.اللافت فيه،قدرته على خطفك من ذاتك حتى تنعدم قدرتك على الافلات منه حتى آخر نقطة، ثم طرحك اعجاباً به بالضربة القاضية .
بحق هو كاتب الوجع الوطني المشبع بالانسانية، الامهر غوصاً في الواقعية بادوات غاية في الجمال الفني والبلاغة الادبية دون تفريط بالمعنى او المساس بالمبنى.جانب الدهشة فيه، تصويره المشهد الواحد من زوايا متعددة في ذات اللحظة،وكأن كل اللقطات لقطة واحدة… يتجلى تميزه في بناء مقالة، بمعمار هندسي فريد في فن الكتابة اللا مألوفة،ورفع مداميك لغوية منحوتة بطريقة مبهرة حتى صارت ” سواليفه ” في المملكة برجاً اعلى من ” برج خليفة ” في دبي.مع فارق،ان ذاك من حديد وحجارة،اما برج احمد مداميكه من ثقافة،سياسة وقضايا اجتماعية ناطقة باللغات الحية،استطاعت النفاذ من ثقب سقف الممنوعات وعبور خرم ابرة الرقابة . هذا ما ازعج السلطة، وجعلها تمتليء غيظاً، لما تحمله من قوة تأثيرية ذات طاقة عالية اكثر من مفاعل خالد طوقان الذي تقزم حتى مُسخ بحجم ” كبريته “.
سواليف الزعبي، يزدحم عليه القراء كما يزدحم فقراؤنا على طرود رمضان او لحمة الاضاحى القادمة من مكة،لانها تغنيهم عن ترهات غيره،وما تحمله في احشائها من مصارحة،مكاشفة،اضاءة،و صافرة انذار لما يجري خلف الستارة لانها كتبت بقلم محب لوطنه لا يُبارى ولا يُدانى،رسم فيها افضل السبل لمواجهة المشكلات الخارجية وعمل على تصليب الجبهة الداخلية لمقاومة التحديات.رافضاً كذبة التضييق على الناس بحجة ـ لا شيء يعلو صوت المعركة ـ وحشرهم في زاوية او داخل قنينة محكمة الاغلاق بفلينة امنية،بعد ان ظهر فشل الاساليب العُرفية التي اخرت مسيرتنا لعقود طويلة،كانت النتيجة خسارة المعركة مع عدونا اسرائيل وتعطيل الديمقراطية ولجم الحرية .
احمد الزعبي ايقونة كريستالية بالغة الشفافية، انى نظرت اليه ظاهره كباطنه.شخصية تقطر طهارة،مرغما تولي وجهك شطره، في وقت نالت شبهات بعض الكتبة،لكنها لم تصل نعليه،فيه تتطابق الكلمة والموقف،والكتابة عنده ليست تجارة او طريقاً لمنفعة كما هي عند الكسبة الباحثين عن العطايا او الحالمين بالمناصب. معروف لمن يشتغلون بالثقافة ان للكتابة بابين احدهما يفضي للتنعم بافياء الحكومة،وآخر للتنوير من يلجه يعاني المنع والتضييق.انتهى زمان ديكتاتورية الصحيفة الواحدة،القناة التلفزيونية الواحدة، الايدي الخفية.حرمان الكاتب من الكتابة كان يقتله… اليوم تغيرت اللعبة،و اصبح المنع نكتة مضحكة…الفضاء مفتوح ومباح للصوت والصورة ، غير قابل للسيطرة.كذلك انتهى زمن اعطاء الاذن او طلب الاستئذان.فالنسور التي استوطنت القمم لا تخضع لرقابة موظف من الدرجة العاشرة او تنتظر الاشارة من سكرتير الباشا.
في التاريخ قضايا مأساوية عصفت باهل الرأي المخالف والمتقدمين على عصرهم.مأساة ابن المقفع لم تزل وصمة عار في تاريخنا. ذلك الطود قدم لنا ثراثاً ادبياً عز نظيره.ترجم للعربية كليلة ودمنة،و اعمال ارسطو الفلسفية اصبحت في متناول العامة،لكن المرضى المشتعلة نفوسهم حقداً عليه وغيرة منه، اتهموه بالزندقة. فرية كاذبة افتروها للتخلص منه.القصة غضب الخليفة عليه،فاوحى لوالي البصرة ان يقتله،فبادر الصعلوك الذي باع آخرته لاجل دنيا غيره بتنفيذ المهمة فوراً. لم يكتف بقتله بل حرقه ارضاءً لسيده.خيوط جريمة اخرى نسجت على ذات النول في ايطاليا.قطعوا لسان المفكر ” جوردانو برونو ” ثم عذبوه امام الملأ الى ان فارق الحياة، لانه قال :ـ ان الارض تدور ايمانا بنظرية كوبرنيكس.بعد قرون عندما كنس العلم الخرافة بالبراهين القاطعة، واخذ العقلاء مكان الجهلة ودوران الارض اصبحت بديهية عند الاطفال،اعتذرت الكنيسة لـ ” جوردانوا ” وهو في قبره.اقامت له تمثالاً في المكان الذي شنق فيه لرد اعتباره.لا نطالب بتمثال لاحمد بل عودته كديك يطل علينا كل فجر،يشق العتمة،يجرف الظلام ،داعياً للنهوض من فراش اليأس الى حلبة