الرياضة فرع من شجرة الثقافة الباسقة.شأنها شأن الموسيقى،الرسم النحت وباقي ضروب الفن.فيها من المتعة النفسية،الإثارة،الفروسية،تحفيز الهمم،إلهاب المشاعر الجماهيرية،ما جعلها ذات شعبية عارمة تفوق الفنون كلها.لذلك اهتمت الدول بها.فرصدت لها المبالغ الضخمة،وبلغت ميزانية بعض النوادي ارقاماً فلكية،وعقد لاعب يعادل ثمن طائرة نفاثة.نظراً لآثارها وتأثيرها اصبحت همزة وصل وتواصل وتفاعل بين الشعوب،لكنها تختلف عن غيرها من الفنون،انك تذهب اليها ان كنت من عُشاقها الى الصين، بينما الموسيقى تأتي الى مخدع نومك واللوحة تعلقها على جدار بيتك.لهذا تتنافس الدول لاقامة المونديال على اراضيها،لتسويق نفسها سياحياً،اجتماعياً وحضارياً و احياناً سياسياً او جسراً تطبيعياً كما فعلت دولة خليجية مع الكيان السرطاني بسباق الدراجات في القدس المحتلة.
الأمة بعامة لا المنتخبات بخاصة،هُزمت في مونديال روسيا لانها من ذات العلبة المتخلفة ونفس الطينة الرخوة.كذلك الشارع العربي من محيطه لخليجه مهزوم ومأزوم ومحبط.طغت عليه قضايا خطيرة خلخلت كيانه وقذفته في دوامة حتى بات لا يدري شماله من يمنه:ـ اقتتال بين مكوناته الاهلية استنزفت طاقاته،حروب بينية احرقت امواله، نزوح داخلي قلب معادلاته الديمغرافية،هجرات خارجية عرت جغرافيته الطبيعية،قتلى بالملايين اعطبت اعصابه،خراب عمراني شوه خياله و اطاح باحلامه.ما ادى الى انهيار الدولة الوطنية وان بقيت شكلاً.كانت المحصلة تنامي الهويات الفرعية، تراجع الديمقراطية،انعدام الحريات،شلل البرلمانات،غياب المعارضة،تدني مستوى المعيشة.مصائب تكالبت على المواطن،فتدهورت حالته النفسية حتى صار فوزه رياضياً مستحيلاً،كاستحالة ان الطلب من مغنٍ ان يُغني في جنازة امه ؟!.
امة فقدت وزنها.احياؤها بلا بيوت،امواتها دون توابيت،امطارها حمضية مسمومة،هواءُها مسرطن بالاشعاعات الصهيو/ امريكية والسموم الكيماوية.امة ما زالت تستورد بصلها من تركيا وثومها من الصين ومدنها صارت مقبرة للسيارت الكورية المشطوبة.هي اضعف من امتلاك قرار تصريف شؤونها الداخلية،اما الخارجية فتطبخ في “بلاد بره” رغم النطنطة هنا وهناك.الاخطر ان “كراسي اهل القمة ” تُدار على انغام مزامير داود العبرية.فاصبحت فلسطين قضية انسانية، صفقة تصفيتها باتت قاب قوسين او ادنى،فكيف ننتصر على ملاعب غيرنا بينما ملاعبنا ساحات مشاجرات وقاعات جامعاتنا حلبات مصارعة ؟!.
ما يجري قمة المسخرة.عندما خرجنا من الاندلس، لبسنا العقال الاسود حداداً،و علينا اليوم تنكيس شواربنا خجلاً ولبس البرقع حياءً من افعالنا.فنحن مهددون في كينونتنا،مستهدفون في وجودنا.هُزمنا في الحرب والسلم،لم نفلح في الاقتصاد والتنمية، فشلنا في التربية والتعليم، اما في الصناعة ـ يفتح الله ـ وفي الزراعة لم نزل نحبو على اربعة.سقوطنا رياضياً، يعني اقامة دائمة في القتامة،.يعني اننا مخلوقات تائهة و كائنات عدمية.فاوضاعنا تستدعي المراجعة من الفها الى يائها،الانفتاح على المستقبل،فضح هشاشتنا. وللخلاص لا بد من اعلان ثورة تعليمية تبدأ من الحضانة، اجراء انتخابات لرؤساء الوزراء لا تعيينهم كموظفين ،واختيار مجالس نيابية تمثل الناخبين بارادة حرة، لا بانتخابات مزورة حسب مقاس الانظمة.
نتائجنا الرياضية مذلة لان الانسان ليس حراً والعبد لن يكون مبدعاً، لان هناك شراكة بين عصا الاجهزة الامنية وتعاليم السلطان الفردية.شراكة اخضعت الرقاب،ارجفت القلوب، افلست الجيوب.هي في ابسط تجلياتها معاكسة لسنن الحياة ونواميس الكون الطبيعة. الصحيح، ان يكون الوطن في حدقات ابنائه،وقلوب قادته.اذاك نفوز في المباريات وننتصر في المعارك. “خضة المونديال” الاخيرة،خضت الشارع العربي خضاً شديداً.هي كزلزال له توابعه المستقبلية.فلا يُعقل ان تكون مبدعاً في مسلخٍ بشري،وعبقرياً في زنزانة،ومن رابع المستحيلات ان تحمل روحاً وثابة في الملاعب وقد اورثتك الانظمة شخصية انهزامية وروحاً منكسرة.
أُوقعَّ مقالتي بدمعة مالحة على ما آلت اليه احوالنا،فالاقامة داخل اسوار الوطن العربي اصبح كالاقامة في جهنم مستعرة.في السياق،اتذكر قول لاجيء عربي هرب على ظهر قارب موت مطاطي الى اوروبا للنجاة برأسة رغم مخاطر الرحلة :ـ ( ـ الحمد لله ـ ان اجدادنا لم يفتحوا بلا الكفار ،و الا لم اجد دولة الجأ اليها هرباً من قمع بلادي ).واقعنا اذاً، تهريجي والشعور بالفشل يلازمنا.فبدل ان تعطينا الرياضة إحساساً بالبهجة اعطتنا شعوراً بالخيبة،و اشعلت حرباً في دواخلنا على انفسنا،لنسأل سؤال الصدمة الى متى تبقى حالتنا على هذه الحالة ؟!.
عزاؤنا،ان ذبالة الامل باقية فينا،و الايمان المطلق باننا امة ولادّة تجدد نفسها كغابة مطيرة،فالعلة ليست فيها بل بالممسكين بدفة السفينة.ما يزيد يقيننا يقنناً اننا امة عظيمة،ما جاء في الحديث الشريف ان النبي صلوات الله عليه قال:ـ {{{ يبعث الله على رأس كل مائة عام من يُجدد لهذه الامة امر دينها }}}.هذا وعد رباني قاطع،فالتغيير قادم لا محالة،داعين الله ان يقرع ابوابنا قريبا .