*** خذوا فكرتي الحمقاء بحكمة، لا على سبيل التفكه ولا باسلوب المسخرة بل كحقيقة ماثلة امامكم كعين شمس استوائية في عز الظهيرة.رسولنا القدوة، عليه الصلاة والسلام، حض على طلب العلم ولو في الصين،فيما الفلاسفة حثوا على التقاط الحكمة من افواه المجانين.
اصارحكم بحقيقتكم،ان بيئتنا السياسية ميتة، وقد اصبحت مستنقعاً آسناً.ليس لها من وظيفة سوى تفريخ الحشرات الضارة واطلاق روائحها النتنة. فسادها بات يستوطن المكاتب الوثيرة، ثم اخذ يتدلى من المدير متسلسلاً للأدنى حتى الأَذنة. ـ سامحونا ـ فلكل واحد مهمته و سعره ؟!.
تساؤل مشروع تطرحه العامة،بعد ان صارت على الحديدة،.كيف للفاسدبن محاربة الفساد و للمنحرفين مقاومة الرذيلة ؟!.
في بلاد الله الواسعة، يكون المسؤول بحجم الكرسي الذي يمسك دفته،اذاك، تُرفع له القبعة لتمتعه بالخبرة و الكفآءة، ووضعه مصلحة بلاده فوق مصالحه الخاصة، فاستحق الاحترام بجدارة.لم يات كما عندنا، بقرعة محاصصة او على ظهر دبابة المحسوبية،وان مسه طائف من فساد،تراه ينتحر على الطريقة اليابانية ،كـابطال الساموراي الاشداء،مسحاً لعار الاختلاس او تكفيراً عن خطيئة الرشوة،بينما فاسدونا يتفاخرون بخفة ايديهم كقرود غابة استوائية،ويتبجحون بموهبة الفهلوة،ثم لا يخجلون من الادعاء ان ” هذا من فضل ربي “،في حين استدانوا كفن الوالد لستر عورته عند موته.
المشهد البانورامي عندنا بابعاده المتعددة ، وزواياه المختلفة،يشي ان فسادنا اصبح وباءً فوق السيطرة، حتى باتت تفاصيله مكشوفة لانه يعلو يوماً بعد يومٍ علواً كبيرا حتى بلغ درجات مرعبة،تجاوزت المؤشرات الخطرة.فانعكست توابعه السلبية في انفراد النخب بمفاتيح اللعبة السياسية،تهريب الارصدة،ظهور قيم مستحدثة كالتباهي بالثراء والتملك،ما ساهم في التهام الموارد والثروة بلا رحمة،و تكديسها في جيوب النخبة ذهباً وفضة،فقصم ظهر الطبقة الوسطى،صمام الامان والعامود الفقري للدولة، وعلى المقلب الآخر، الكثرة الكاثرة من عامة الناس، تعيش على ” القِلةْ “.قصم ظهر الفساد و تجفيف مستنقعه ثم تطهيره بالمبيدات الحشرية،اولوية اولى،فلماذا التسويف و المطمطة،طالما انها امراً مقدساً.هي ليست صعبة بل اهون من هينة،لا كما يصورها الفاسدون بانها مستحيلة كاستحداث اعجوبة ثامنة.
بركة الببسي الشهيرة مثالاً،كانت دملاً متقيحاً في جسد عمان الجميلة، تعاقبت عليها عشرات الوزارات دون ان ترمي في مياهها حصوة او تسحب منها دلواً،اما وزراء القبات المنشاة،فرسان سيارات الدفع الرباعي و النفخة الكاذبة،لم يكلفوا انفسهم عناء زيارتها او النظر اليها.جاء الرزاز في بضعة ايام ،فاجهز عليها و انهى امرها.
الاستشفاف المبدئي، ان لا شيء يستعصي على المسؤول، ان كانت لديه ارادة،لكن المشكلة في الذهنية البيوقراطية التي تربط العقل كدابة بـ ” وتد “، فتصبح حركته محدودة،ويضيق هامش ابداعه الى ان ينغلق كلياً،اما ما ترى من عنطزة احياناً عند بعضهم، ليست دليل حياة بل لان الحبل اشتد على خناقه،فراح يفرفط بدمه كديك ذبيح قبل ان يُسلمَ روحه.
اسباب تلوث البيئة السياسية كثيرة، اهمها انهيار شخصية السياسي ، المتنفذ ، المسؤول الذي هبط على الوظيفة العليا هبوطاً اضطرارياً،لكن البلوى تكمن في جهازه المناعي الضعيف، فيغدو حينئذٍ كطاحونة شرايط لا يوفر شيئا،اما الجانب المعتم فيه، انه لا يقرأ ما يدور حوله ولا يفهم واقعاً مُراً يحاصره.لاثبات صحة قولنا،ما عليك الا استراق نظرة فاحصة كيف ضرب الفساد تلك الشخصية،فاحدث فيها شروخاً عميقة،فما كان منه، الا ان القى اسلحته بلا مقاومة واستسلم. الحرمنة ليست مرتبطة بفقر او عوز،لكنها مرتبطة بتغير النوعي طرأ على ثقافة النخبة،فاكتسبت جرأة على اموال الخزينة،واستغلت الحظوة التي حصلت عليها، لزيادة ثروتها دون خوف من عقاب رباني ولا حساب لرادع قانوني او وازع اخلاقي.تأسيساً على ما سلف،علينا الاعتراف،ان بيئتنا السياسية تفسخت و اكرامها دفنها.بالتوازاي مع ذلك يجب شن حرب حقيقة على الفساد و اهله مثلما فعل مهاتير محمد وكما يفعل الآن عمران خان بتشكيل فرقة عمل لاستعادة الاموال المنهوبة من شعب باكستان المعدم،التي تُقدّر مبدئياً بـ 150 مليار دولار حسب تصريح احد القضاة.