كلما أعادوا بناء البيوت، قامت قوات الاحتلال الإسرائيلية بهدمها، لتسجل عمليات الهدم رقما قياسيا، وصل إلى 137 مرة.
كان يوم 27 يوليو عام 2010 يوما مفصليا لفلسطينيي "قرية العراقيب" الواقعة في النقب جنوب الأراضي المحتلة، عندما هدمتها الجرافات الإسرائيلية عن بكرة أبيها ومحتها من الوجود بذريعة البناء غير المرخص، وأخلت سكانها.
ولم يكن أمام السكان، الذين لملموا ما استطاعوا من أغراضهم، خياران إما الرضوخ لسياسة الهدم الإسرائيلية وقبول البدائل المطروحة أمامهم لأراضيهم وأملاكهم وإما النهوض من جديد والتشبث بالأرض ومنع حدوث "نكبة ثانية" لهم.
وأعلن فلسطينيو الـ 48 في ذلك اليوم عن انتفاضتهم من كل المناطق المنتشرة داخل الأراضي المحتلة للوقوف إلى جانب هذه الشريحة من أبناء شعبهم وشحنهم بمزيد من القوة والصمود فعادوا إلى أراضيهم فور مغادرة الجرافات وباشروا ببناء بيوتهم الجديدة، التي باتت خيما، معلنين تمسكهم بالأرض والمسكن.
ولم تلق صرخاتهم ومطالبتهم بحقهم في الأرض آذانا صاغية ولا تجاوبا حتى في المحاكم الإسرائيلية، إلى أن نظرت محكمة الأسبوع الماضي، في إحدى الدعاوى لأول مرة، وأتاحت فرصة أمامهم لإظهار ما يملكون من أدلة وإثبات ملكيتهم للأرض.
كما استمعت المحكمة لشهادة البروفسور غادي الغازي أحد أبرز الباحثين في تاريخ فلسطينيي النقب، والمعروف بمواقفه المناهضة للصهيونية، الذي عرض خلال أربع ساعات متواصلة في المحكمة عشرات الأدلة التي تدحض الادعاءات الإسرائيلية، التي تلغي وجود سكان العراقيب وبقية البلدات العربية في النقب ولا تعترف بها.
ويعيش في صحراء النقب، جنوب الأراضي المحتلة، حوالي 240 ألف فلسطيني، يقيم نصفهم في قرى وتجمعات سكنية بعضها مقام منذ مئات السنين.
وتحظى هذه المنطقة باهتمام كبير لدى الحكومة الإسرائيلية، التي وضعت مخططات لإنعاش الجنوب عبر إنشاء مشاريع سكنية واقتصادية وتجارية، وفي كل فرصة أو مخطط يخص الجنوب، تكون القرى غير المعترف بها لقمة سائغة أمام الاحتلال.
ويعيش سكان هذه القرى حياة فقر قاسية، إذ ترفض إسرائيل الاعتراف بقراهم، بذريعة أن الأرض التي يسكنها البدو، ملك للدولة وبالتالي ترفض تزويد السكان بالخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء، وتحاول بكل الطرق والأساليب دفعهم إلى اليأس والإحباط من أجل الاقتلاع والتهجير.
وأصبح سكان العراقيب جزءا قويا في المعركة لمواجهة، ما يعتبره الفلسطينيون "نكبة ثانية"، إذ إن المساعي الإسرائيلية ستخلص إلى حصر بدو النقب ضمن ثلاثة تجمعات رئيسة هي ديمونة وعراد وبئر السبع، وفي سبع قرى بدلاً من 70، من بينها 45 قرية وتجمعا تعتبر إسرائيل أنها قرى غير معترف بها.