تنمية اموال الضمان الاجتماعي لا تكون بالتدخل في قراره الاستثماري من قبل الحكومة, بل من خلال تعزيز استقلاليته, فأموال الضمان هي اموال الشعب وليست اموال الحكومة كما يعتقد بعض المسؤولين الذين يحاولون التغول على تلك المؤسسة الوطنية الكبرى.
الكل يعلم ان معظم مشاكل الضمان السابقة في ما يتعلق باستثماراتها الخاسرة في السنوات السابقة كانت نتيجة هيمنة القرار الحكومي على المؤسسة دون الاخذ بعين الاعتبار الجدوى الاقتصادية للمشاريع, وقد تراكمت تلك الخسائر وباتت محفظة الضمان الوسيلة التي تمكن اصحاب النفوذ من تمرير صفقات بعضها اثار جدلا واسعا في الشارع العام.
اليوم بات للضمان صندوق استثماري بادارة مستقلة وفق القانون الجديد وهو استكمال للوحدة الاستثمارية التي تعزز استقلالها كثيرا في السنوات القليلة الماضية, ونتيجة لذلك حققت الوحدة سابقا او الصندوق حاليا نموا ملحوظا في موجوداته بعد ان سيطرت الكفاءة والمصلحة العامة على اي قرار استثماري.
قرار مجلس ادارة صندوق الضمان الاخير برفض عرض من احدى الشركات الخليجية لشراء كامل حصته في بنك الاسكان البالغة 38.8 مليون سهم او ما نسبته 15.4 بالمئة من رأسمال البنك بسعر 8.4 دولار للسهم دليل واضح على ايمان الصندوق بتعزيز استثماراته في الشركات الاستراتيجية وبنك الاسكان على رأس تلك الاستثمارات بالنسبة للضمان, خاصة انه الجهة الاردنية الوحيدة التي تمتلك حصة كبيرة في البنك حيث ان اكثر من 75 بالمئة من اسهم البنك تعود ملكيتها لغير الاردنيين, ناهيك عن ان البنك يحقق عائدا للضمان بحدود الـ 25-30 بالمئة ومن المتوقع ان ترتفع هذه النسبة الى اكثر من 35 بالمئة هذا العام.
قصة بنك الاسكان ورفض عرض الشركة الخليجية يجب ان يُدعم من قبل الحكومة لا ان تتدخل وتلقي باللوم على الضمان بأنه اضاع فرصة بيع اسهم بقيمة 500 مليون دولار, وتبدأ بعض الاتصالات والضغوطات على الضمان بضرورة تغيير موقفه والقبول بالصفقة الكبيرة حسب رأيهم, والحقيقة ان الصفقة لم ولن تكون مغرية لا من حيث قيمتها المادية ولا من حيث اضافتها الاستثمارية, فسعر السهم في البورصة يكاد يكون اعلى من قيمة العرض, وكما هو معلوم لدى الجميع فان الشركة التي تقدمت بالعرض ويقيم وكلاؤها صلات قوية مع جهات متنفذة في الاردن تريد شراء اسهم الضمان في البنك لبيعها من جديد لاحد الصناديق الخليجية التي تمتلك حصة كبيرة في البنك, بمعنى اننا امام سماسرة لا مستثمرين.
لا يحق الضغط على الضمان من اجل "تشليحه" اسهمه في الشركات الاستراتيجية المدرة للدخل والضغط عليه لابرام صفقات مع جهات رسمية واستنزاف امواله في مشاريع غير مجدية وليست من اختصاص الضمان نفسه كما هو الحال في صفقة تملك اراضي دابوق.
ورغم ان الضمان ابرم اتفاقية التملك لاراضي دابوق ومبانيها قبل ثلاثة اشهر تقريبا الا انه ولغاية الآن لم يتم تسجيل الارض باسمه والمعلومات تشير ان هذه العملية قد تتأخر بسبب مفاوضات بالكواليس تجري بين جهات حكومية والضمان بهدف تنازل الضمان عن جزء كبير من اراضي دابوق لصالح الحكومة التي ترغب بمنحها لاحد الصناديق الخليجية التي تقول الحكومة عنه انه يقوم بتطوير المدينة الطبية مجانا, فإذا كان هناك من يطور ويؤهل المدينة بالمجان فلماذا اساسا تم بيع اراضي دابوق?
لا شك ان الضمان يتعرض اليوم لضغوطات خفية من جهات رسمية على قراره الاستثماري, وعلى ما يبدو ان هناك عقليات تنظر لاموال الضمان على أنها تحت تصرفها بحكم الولاية الرسمية للحكومة, والواقع ان حماية الضمان هي اولى اولويات الحكومة اذا ارادت الحفاظ على مكتسبات ومدخرات الاردنيين.
وعلى الضمان في نهاية الامر ان يوضح للرأي العام بكل شفافية اية عمليات بيع او شراء يقوم بها, فهناك مئات الآلاف من الاردنيين وضعوا مدخراتهم في تلك المؤسسة, ولا تحقق استقلالية الضمان اليوم سوى الشفافية وتعزيز المساءلة عن اي قرار استثماري للضمان, ويكفينا في الاردن اشاعات هنا وهناك حول "الكواليس" التي تقف خلف القرارات الاستثمارية التي اتخذت في الآونة الاخيرة?. سلامه الدرعاوي