صحيفة العرّاب

فاعلو خير يتقصون الأجر بشٌقِ تمرة وشُربة ماء

 تجدهم قبل آذان المغرب بدقائق ينتشرون على إشارات المرور وبين تقاطعات الطرق مسطرين على قارعة الطريق عناوين مختلفة لقصة واحدة تلتقي حبكتها عند التعايش والمحبة والتسامح. أبطالها فاعلو خير هدفهم الأجر في شهر الخير ولم يجدوا سبيلا للأجر أقصر من شق تمرة وشربة ماء يوزعونها على المارة الذين أدركهم وقت الإفطار وهم يسلكون طريق العودة إلى منازلهم، محققين بسلوكهم مبادئ السلام والأمن والعدل والتكافل والرحمة. وأكد ركاب باصات إربد عمان أنه طيلة أيام الشهر الفضيل لم تنقطع هذه الظاهرة الطيبة على حد وصفهم. وذكرت الأربعينية نهاد مطر موظفة في عمان تقطن في قرى غرب إربد والتي يدركها موعد الإفطار وهي في طريق العودة، بأنها تفرح بالتمر والماء الذي يوزعه فاعلو الخير وتسد رمق صيامها فيه. وعللت مطر هذه الظاهرة بأن الخير في الأردن لا ينقطع وأن شهر رمضان تتجلى فيه اجمل صور الأخوة والتسامح والألفة والرحمة وبأن شق التمرة وشربة الماء بعد ساعات طويلة من الصيام تجعلنا نحمد الله أن مَن علينا بالأمان والسكينة في بلد تحكم شعبه مبادئ وعادات سمحة. وأكدت أنه من بداية الشهر والحافلة المتجهة من عمان إلى اربد تقف على الطريق عدة وقفات بعد أن يقطع طريقها فاعلو الخير لتوزيع الماء والتمر. من جانبه، قال العشريني قتيبة محمد من سكان محافظة جرش إنه تطوع منذ بداية الشهر الفضيل بأن يقف على التقاطع بين جرش وإربد ليوزع التمر والماء في الساعة الأخيرة قبل اذان المغرب وخاصة على حافلات الركاب التي تسلك طريق عمان إربد بغية أن يحتسب الأجر عن روح والده المتوفى. وأكد أن توزيع التمر والماء على من أدركهم وقت الإفطار يجعله يشعر بسعادة غامرة تتجلى بفرحة المارة، مشيرا إلى أن الأجر والخير يكفر عن الخطايا التي قد يرتكبها الإنسان وهو في غفلة عن أمره. ويوافقه الرأي محمد مقابلة من قرية بليلا والذي أكد أن القليل من التمر وشربة ماء في هذه الأيام الفضيلة ترسم صورة من شعور الإنسان بأخيه الإنسان، مؤكدا أن الدين يتجلى بالمعاملة الطيبة وأن الصوم فرصة لأن يشعر الإنسان بالآخر ولو بشيء رمزي يعبر عن المحبة والرحمة والتكاتف تحقيقا لقول الرسول الكريم "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا". وعلى الجنوب الشرقي لمحافظة إربد مركز لواء بني عبيد، حيث تقع مدينة الحصن على امتداد طريق العاصمة عمّان، رصدت وكالة الأنباء الأردنية على اشارة المدينة العشريني المسيحي رعد حداد موظف في مختبر طبي بالعاصمة عمان حيث اعتاد منذ بداية الشهر الفضيل وهو عائد من دوامه ان يقف على اشارة الحصن بالتوافق مع صديقه هيثم عبد الإله ليوزع التمر والماء على المارة المتجهين من عمان إلى قرى إربد وإلى قصبة إربد ويقف صديقه هيثم على الجهة المقابلة ليوزع التمر والماء على المارة المتجهين من إربد إلى العاصمة. وقال حداد إن شهر رمضان المبارك قد تزامن هذا العام مع صيام المسيحيين في توليفة جميلة تبرهن على أن مبادئ السلام والأمن والعدل والتكافل والرحمة قواسم مشتركة تجتمع عليها الأديان كافة. وأضاف أنه اتخذ من اشارة الحصن موقعاً واصفه بالاستراتيجي للمارة كون المدينة تعتبر همزة وصل في الذهاب والإياب من وإلى العاصمة عمان، لافتا إلى أن الحصن المدينة التي تضم عددا كبيرا من العشائر المسيحية والمسلمة تجسد صورة مصغرة عن الأردن المتسامح الذي تتعانق فيه المساجد والكنائس تحت مظلة القيادة الهاشمية التي حملت على كاهلها مسؤولية التصدي لخطاب الكراهية والتعصب والتطرف ونبذهم. وأشار حداد إلى أنه وصديقه المسلم هيثم اتخذوا من توزيع التمر والماء سبيلا للأجر وطريقة لتطهير أنفسهم من عوالق الخطايا، مؤكدا أن الله محبة وأن الأديان بوصلة لجمع الإنسانية على المودة والرحمة والتسامح والتعايش ووسيلة للتكاتف لا للتفريق. ويوافقه صديقه هيثم عبد الإله الذي أكد أن الأردن كان ومازال مستقراً رغم أنه وسط إقليم ملتهب بالنزاعات الإقليمية والطائفية نظرا لتسامحه وتعايشه وقبوله للآخر.