صحيفة العرّاب

هل يجب أن نقلق من جدري القردة؟

 يعتبر جدري القردة الذي بدأ يظهر في أوروبا وأمريكا الشمالية، نادرا وهو متوطّن في أفريقيا وعادة ما يشفى المصاب به تلقائيا، والمرض مشابه للجدري لكنه يعتبر أقل خطورة وأقل عدوى.

 
وجدري القردة معروف لدى البشر منذ العام 1970 وقد اكتشف في جمهورية الكونغو الديمقراطية- زائير سابقا، وبلّغ عن إصابات بشرية به في عشرات الدول الأفريقية. وفي ربيع 2003 اكتشفت إصابات بشرية بهذا المرض أيضا في الولايات المتحدة، في أول ظهور لهذا الوباء خارج القارة الأفريقية. وهو يعد مرضا معديا يسببه فيروس ينتقل إلى الإنسان من حيوانات مصابة، خصوصا القوارض. والفيروس اكتشف للمرة الأولى عام 1958 بين مجموعة من قردة المكاك التي كانت تجرى عليها بحوث، ومن هنا سمّي المرض جدري القردة. وتتراوح فترة حضانة الفيروس من 5 إلى 21 يوما وتظهر أعراض المرض على هيئة حمى وتضخم الغدد الليمفاوية وآلام في العضلات، إضافة إلى الإرهاق والقشعريرة وطفح جلدي يشبه جدري الماء على اليدين والوجه وأخمص القدمين، وبثور ومن ثم قشور.
 
كيف ينتقل؟
 
تنتج العدوى في الحالات الأولية عن الاتصال المباشر بالدم أو سوائل الجسم أو الجروح الجلدية أو الأغشية المخاطية للحيوانات المصابة. أما في الحالات الراهنة، فيتطلب الانتقال الثانوي – أي من إنسان إلى آخر – اتصالا وثيقا وطويلا بين شخصين، ويحدث بشكل رئيسي عن طريق اللعاب أو القيح من الإصابات الجلدية التي تشكل أثناء العدوى. وأشار العديد من الخبراء إلى أنه في حين يمكن هذا الفيروس الانتقال أثناء النشاط الجنسي، فهو ليس مرضا جنسيا، وقد يكون هذا الانتقال بسبب الاتصال الحميم والوثيق أثناء ممارسة الجنس وليس الاتصال الجنسي نفسه.
 
ما مدى خطورته؟
 
عادة ما يشفى المصابون من جدري القردة تلقائيا، كما هو معروف حتى الآن، وتستمر الأعراض لمدة تتراوح بين أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع. وتحدث الحالات الشديدة بشكل أكبر لدى الأطفال وترتبط بمدى التعرض للفيروس والحالة الطبية للمريض وشدة المضاعفات. وتختلف نسبة الوفيات جراء المرض من 1 إلى 10 في المئة اعتمادا على المتحورة وهناك الآن متحورتان، وهي نسب لوحظت في المناطق التي يتوطّن فيها المرض، في البلدان ذات النظام الصحي الضعيف. لكن رعاية طبية مناسبة تقلل من الخطر بشكل كبير، ويتعافى معظم المصابين تلقائيا. وفي البلدان التي اكتشف فيها المرض أخيرا، كانت الحالات بمعظمها خفيفة ولم تسجل أي وفيات.
 
هل يوجد علاج؟
 
لا توجد علاجات أو لقاحات خاصة بجدري القردة، لكن يمكن وقف تكاثر الإصابات، كما أوضحت منظمة الصحة العالمية. وثبت في الماضي أن التلقيح ضد الجدري كان فعالا بنسبة 85 في المئة للوقاية من جدري القردة. ولم تعد لقاحات الجيل الأول والثاني مستخدمة للعامة منذ العام 1984 إذ تم القضاء على الجدري. ورُخّص لقاح من الجيل الثالث وهو لقاح حي موهَّن أي لا يستنسخ الفيروس نفسه في جسم الإنسان، في أوروبا منذ تموز/يوليو 2013 وهو مخصص لمكافحة الجدري لدى البالغين. كما يملك هذا اللقاح ترخيص تسويق في الولايات المتحدة للوقاية من الجدري وجدري القردة. وكشفت شركة «موديرنا» الأمريكية للصناعات الدوائية، أنها تعمل على اختبار لقاح محتمل ضد عدوى فيروس جدري القردة وقالت الشركة، في بيان على تويتر، إنها «في مرحلة الاختبارات قبل السريرية» دون الإفصاح عن مزيد من التفاصيل. وأشارت إلى أن أبحاثها في هذا الشأن تأتي في إطار التزاماتها تجاه الصحة العامة على المستوى العالمي. يشار إلى أن موديرنا كانت أنتجت أحد أبرز اللقاحات المضادة لفيروس كورونا.
 
إصابات في عشرات الدول الأوروبية
 
فيما يستمر عدد الإصابات بجدري القردة في الارتفاع خارج المناطق الأفريقية المتوطّن فيها الفيروس، خصوصا في أوروبا، قال المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومكافحتها إن خطر انتشار مرض جدري القردة النادر بين السكان على نطاق واسع «منخفض للغاية» لكنه مرتفع لدى مجموعات معينة، في أول تقييم للأخطار منذ الظهور غير المألوف لعشرات الإصابات في أوروبا وأمريكا الشمالية. وتم تأكيد إصابات في عشرات الدول الأوروبية وأيضا في أستراليا وكندا والولايات المتحدة. وتتركز حاليا الإصابات في تسعة بلدان في الاتحاد الأوروبي (النمسا وفرنسا وبلجيكا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وإسبانيا والبرتغال والسويد) بحسب المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومكافحتها. في الوقت الراهن هناك «أقل من 200 إصابة مؤكدة ومشتبه بها» في هذه البلدان وفقا لماريا فان كيرخوف المكلّفة مكافحة كوفيد-19 والأمراض الناشئة والأمراض الحيوانية المنشأ في منظمة الصحة العالمية. وأعلنت السلطات الصحية في المملكة المتحدة نهاية الأسبوع أنه تم اكتشاف 36 إصابة جديدة بجدري القردة منذ مطلع أيار/مايو في إنكلترا ليرتفع العدد الإجمالي للإصابات إلى 56 في حين اكتشفت الإصابة الأولى في اسكتلندا. وأوضحت مديرة وكالة الصحة الأوروبية أندريا أمون أن «معظم الحالات الراهنة ترافقت مع أعراض خفيفة، وبالنسبة إلى العامة، فإن احتمال الانتشار منخفضة للغاية» مضيفة أن احتمال انتشار الفيروس عبر الاتصال الوثيق بين أشخاص ذوي شركاء جنسيين متعددين اعتبر «مرتفعا». وحسب الوكالة الأوروبية، بإمكان الفيروس أن يتسبب بشكل شديد من المرض في أوساط مجموعات معينة مثل الأطفال والحوامل والأشخاص الذين يعانون نقصا في المناعة. وأول إصابة ترصد عربيا وخليجيا، كانت في الإمارات الثلاثاء، فقد أعلنت وزارة الصحة الإماراتية، عن رصد أول إصابة بفيروس جدري القردة في البلاد لزائرة من غرب أفريقيا. وأوضحت الوزارة في بيان أن «الحالة المصابة تعود إلى سيدة تبلغ من العمر 29 سنة زائرة للدولة من غرب أفريقيا وتتلقى العناية الطبية اللازمة في الدولة». وأشارت إلى «اتخاذ الإجراءات اللازمة كافة بما فيها التقصي وفحص المخالطين ومتابعتهم» دون تفاصيل أكثر. وبعدها أعلنت السلطات المغربية، تسجل 3 حالات مشتبه في إصابتها بمرض جدري القردة وتحت الرعاية الصحية والمراقبة الطبية، نافية رصد حالات مؤكدة. وأكدت أن الحالات المشتبه في إصابتها خضعت للتحاليل الطبية اللازمة و«ننتظر ظهور نتائجها عما قريب».
 
الصحة العالمية
 
منظمة الصحة العالمية اعتبرت أنه يمكن «وقف» انتقال العدوى بين البشر. وقالت إن «اكتشاف بؤر إصابات بجدري القردة في أيار/مايو 2022 في العديد من البلدان التي لا يتوطّن فيها الفيروس دون ارتباط مباشر بالسفر إلى مناطق يتوطّن فيها المرض، أمر غير معتاد». وقالت إنها ستعقد اجتماعات أخرى لدعم الدول الأعضاء بمزيد من النصائح حول كيفية التعامل مع المرض. لكن المنظمة أعربت عن ثقتها في إمكان «وقف» انتقال المرض بين البشر في البلدان «غير المتوطن فيها الفيروس». وما يثير قلق الخبراء هو الظهور المتزامن للإصابات في العديد من البلدان لدى أشخاص لم تكن لمعظمهم صلة مباشرة بالبلدان التي يتوطن فيها المرض. وقالت سيلفي برياند، مديرة فريق التأهب للأخطار المعدية العالمية في منظمة الصحة العالمية «نشجعكم جميعا على زيادة مراقبة جدري القردة لمعرفة أماكن معدلات العدوى وفهم إلى أين يتجه المرض». وأضافت إنه من غير الواضح ما إذا كانت الإصابات تمثل «قمة جبل الجليد» أو ما إذا كانت ذروة انتقال العدوى قد مرت بالفعل. وكررت برياند، في حديثها بجمعية الصحة العالمية في جنيف، وجهة نظر منظمة الصحة العالمية بأنه من غير المحتمل أن يكون الفيروس قد تحور، لكنها قالت إن انتقال الفيروس قد يكون مدفوعا بتغيير في السلوك البشري لا سيما مع عودة الناس للتواصل الاجتماعي بعد رفع قيود كوفيد-19 في جميع أنحاء العالم. وأضافت أن هناك أيضا لقاحات وعلاجات متاحة لجدري القردة، داعية إلى اتخاذ إجراءات احتواء مناسبة وإجراء مزيد من البحوث والتعاون العالمي. وأردفت «دعونا لا نصنع جبلا من تل صغير»