قالت صحيفة "واشنطن بوست" (Washington Post) الأميركية إن احتجاجات الشارع العراقي المتعلقة بتشكيل الحكومة العراقية انتهت على نحو سلمي هذا الأسبوع، لكن الأزمة السياسية في البلاد دخلت مرحلة جديدة مجهولة المآلات إذ لم تُبد النخبة المتناحرة أي بوادر لحلها.
وأشار تقرير الصحيفة إلى أنه رغم مضي 10 أشهر على فوز الزعيم الشيعي مقتدى الصدر بأكبر عدد من المقاعد في المجلس التشريعي، ما زال السياسيون من الكتل الشيعية والسنّية والكردية في البلاد مستمرين في صراع مرير على شكل الحكومة الجديدة. وقد انسحب الصدر الآن من مفاوضات تشكيل الحكومة، في حين يعتصم أتباعه في مبنى البرلمان العراقي.
وأوضحت "واشنطن بوست" أن ميزانية البلاد لم يتم إقرارها بعد، في حين تتراكم مشاكل البلاد؛ فمشاريع الأشغال العامة معلقة وشبكة الكهرباء متعثرة ضمن مشاكل أخرى تنتظر حلولا.
وقالت إنه بعد مرور نحو عقدين على الغزو الأميركي للعراق، ما زالت الأحزاب السياسية في العراق تعمل ضمن ما أصبح قاعدة للعبة السياسية؛ بموجبها تُسيّر البلاد من خلال نظام توافقي يمنح الجميع مكانا على الطاولة، ويُمكِّن الجميع من الوصول إلى ثروة البلد الغني بالنفط من خلال المحسوبية والفساد في أغلب الأحيان.
لكن الزعيم الشيعي مقتدى الصدر قد تحدى تلك القاعدة عندما حاول تشكيل حكومة تستبعد منافسه الشيعي، رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وفشل في تشكيلها، فأثار ذلك اضطرابات دفعت العراق نحو منطقة قلقة ومجهولة العواقب.
خطوة لتصدّر المشهد السياسي
وأشار التقرير إلى أن الصدر -الشخصية العراقية البارزة والزعيم الذي تصدى للقوات الأميركية- لديه عشرات الآلاف من الأتباع الذين يدينون له بالولاء من أبناء الطبقة العاملة في العراق.
وقد حثّ الصدر أتباعه الآن على النزول إلى الشارع خدمة لمساعيه الرامية لإسقاط النظام السياسي الذي تشكل في أعقاب الغزو الأميركي للعراق الذي يرى أنه نظام فاسد.
لكن المحللين السياسيين يرون في خطوة الزعيم الشيعي تلك محاولة جديدة للسيطرة على صنع القرار داخل الفصائل الشيعية المنقسمة في العراق، ومن ثم السيطرة على المشهد السياسي في البلد كله.
كما يرى المحلل السياسي فنار حداد، الأستاذ المساعد في جامعة "كوبنهاغن"، أن الصدر "يبدو عازما على إعادة تشكيل الترتيبات المتعلقة بتقاسم السلطة، وقد أظهر أن (أتباعه) يستطيعون احتلال البرلمان، كما أظهر أنهم يستطيعون احتلال الأماكن العامة".
وقالت الصحيفة إن الصراع الأخير على السلطة في العراق مهدت له الاحتجاجات الشعبية على الفساد والتدخل الأجنبي التي اندلعت في عام 2019، وفاجأت القادة السياسيين في بغداد وطهران وواشنطن، وبدت لوهلة أنها تهدد النظام السياسي بأكمله.
وقد تمكنت قوات الأمن والمليشيات، بما في ذلك القوات المدعومة من الصدر، من وضع حد لحركة الاحتجاج، لكن تلك الاحتجاجات فرضت تنظيم انتخابات جديدة نُظّمت في أكتوبر/تشرين الأول وفاز فيها مرشحو التيار الصدري بمقاعد في البرلمان أكثر من أي فصيل آخر.
وأشار تقرير "واشنطن بوست" إلى أنه بعد شهور من المباحثات لحل الأزمة لم تفض إلى تشكيل حكومة جديدة، أقدم الصدر على سحب نواب البرلمان التابعين لتياره من المباحثات، ورأى في الانسحاب إدانة للنظام السياسي في البلد.
وقد احتفظ الصدر بأتباعه الموجودين في مناصب بمؤسسات السلطة في العراق، فدفع ذلك المحللين إلى التكهن بأنه يسعى من خلال هذه الخطوة للحصول على تأييد قاعدة شعبية ما فتئت تنظر بسلبية إلى المشاركة في السياسات الانتخابية المتصدعة في البلاد.
كما يرى المحللون أن الزعيم الصدر يحاول تهميش منافسيه الشيعة، مما يتيح له الظهور بصفته قوة بارزة تترأس تشكيل الحكومة.
وقالت "واشنطن بوست" إن مخاطر مساعي الصدر تلك تكشّفت عندما ظهرت تسجيلات صوتية مسرّبة يصف فيها المالكي الصدر بأنه "غادر وفاسد"، ويستعد لمعركة لا يمكن أن يخرج منها سوى منتصر واحد