يعاني الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية “زارعو القوقعة” من عدمِ إنصاتِ وزارة الصحة والجهات المسؤولة لمطالبهم وشكواهم، عدا عن معاناتهم من إعاقةٍ تلازمهم منذ ولادتهم تمنعهم من السمع، مما يجعلهم بحاجة إلى أجهزةٍ تُزرعُ في الرأس تمكّنهم من سماع الأصوات والردّ على محدّثيهم.
يستيقظون على حياةٍ بلا صوت، وَحسبْ، ضجيجٌ في كُلِّ مكان يحُيطُ بهم، لا يسمعونَ سِوى صوت أحلامهم، ويأمَلونَ أن ينصت الناسُ لأنينهم الخافت، يجدونَ فِردوسَ الله في جهازٍ يُمكّنُهم منَ السمع، ينتظرونَ من يحملُ حقوقهم في رَاحَاتهِ، فهل تسمعُ الحكومة مناشادتِهم الصمّاء؟
*صدى صوت أحلامهم.. هوَ كل ما يسمعون!
ثلاثةُ أطفالٍ يتوقونَ في كُلِّ صباحٍ إلى تحقيقِ حُلمهم بتوفيرِ الرعايةِ اللازمةِ لهم علّهم يقدرونَ على سماعِ صوتِ أمهاتهم، ويتمنون أنّ يعانوا من ضجيجِ المارّة وصرخاتِ الأصدقاء.
أحمد حمدان الجبور، لديه ثلاثة أطفال من “زارعو القوقعة”، اشتكى من ضَنكِ العيشِ وضيق الحال، ومشقةِ توفير اللازم لرعاية أبنائه، واستحالة القدرة على سداد ديونه التي تراكمت وهو يعالجُ مرضاه.
الجبور قال إنّه مدين بنحو 22 ألفاً بعد أن اقترضَ مبلغًا ماليًا على راتبه الشخصي؛ ليوفر مبالغ تمكنه من إجراء صيانةٍ دورية لأجهزة القوقعة، معتبرًا أنّ حاله لا يختلفُ عن أقرانه من أهالي زارعي القوقعة الذين أصبحوا مدينين لشركات الصيانة المختلفة.
وأوضح أنّه يحتاج كل ثلاثة أيام إلى بطاريات لكل طفل، عدا عن الأسلاك والتي يختلف سعرها من شركة إلى أخرى، حيث يبدأ من 50 دينارًا وينتهي ب 180دينارًا للسلك الواحد.
وكشف عن أن أسعار صيانة الجهاز التي قد تصل في بعض الأحيان إلى 4 آلاف دينار، وهو ما جعل جُلَّ الأهالي مدينين للشركات التي تقوم بأعمال الصيانة أو للبنوك.
وذكر أنّ بعضَ الأهالي تخلوا بعد أنّ ذاقوا الأمرّين عن فكرة علاجِ أبنائهم، مفضلين تركهم ليعيشوا على لغةِ الإشارة؛ بحكم عدم وجود تأمين صحي أو قدرات مالية لإجراء أعمال الصيانة، مطالبًا الجهات المسؤولة بتحمل مسؤولياتها وتطبيق القانون بحذافيره.
رئيس ومؤسس التجمع الوطني لزارعي القوقعة الصوتية في الأردن أحمد الصوافطة أكّد على حديث الجبور؛ حيث أنّ التكلفة الشهرية لشخص واحد من زارعي القوقعة لا تقل عن 500 دينار، من حصص تأهيل سمعي ونطقي وتكاليف دراسية وكلف صيانة، موضحاً أنّ البطاريات تكون بحاجة إلى تغيير كل يومين أو ثلاثة كحد أقصى.
صوافطة أفاد أنه لا يوجد أرقام دقيقة لعدد زارعي القوقعة في الأردن لدى الجهات المسؤولة، مقدرًا عددهم بنحو 2500 شخص،وفقًا لما يملك من إحصائيات جمعها بنفسه.
*آمال ومطالبات على طاولة المسؤولين.. فهل من إجابة؟
ذوي الإعاقة السمعية “زارعو القوقعة” يضعونَ حقوقاً شتى على طاولة المسؤولين.
الصوافطة بدوره أفصحَ عن أبرز مطالبهم والتي تمثلت، بشمول الأجهزة الصوتية في تأمين ٍ صحيٍ شامل، يتكفلُ بالصيانة وقطع الغيار والبطاريات وتحديث الأجهزة، عدا عن توفير بيئة تعليمية مناسبة وتطبيق القانون بحذافيره، إضافة إلى شمولهم في صندوق المعونة الوطنية.
*الحقّ في الرعاية الصحية
ورغمَ أنَّ المادة رقم 25 من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة – والتي صادقت عليها الأردن في عام 2008 تشمل الحق في الصحة، إلا أنَّ وزارة الصحة ماطلت ولم تقدم أيّ إجاباتٍ على أسئلتنا حول دورها في تأمين زارعي القوقعة بالتأمين الصحي والتكفل بعلاجهم ورعايتهم، فيما أكد أهالي زارعي القوقعة أن الوزاراة لا تُقدّم أيّ رعايةٍ صحيةٍ مجانيةٍ لأطفالهم.
المستشار في مجال حقوق الانسان رياض صبح أشار إلى أنّه على وزارة الصحة توفير جميع المتطلبات التي لها علاقة بحق الصحة، ومن ضمنها توفير المعدات والأجهزة الخاصة والخدمات الصحية واللوجستية.
وكشف عن وجود تقاعس وعدم اهتمام كافي في توفير هذه الأمور من قبل الحكومة وتحديدًا وزارة الصحة ومعالجة المشكلة أو استبدالها بقوقعات سليمة وفاعلة، موضحًا أن هذا الأمر يجب أن يكون مجانيًا ليتمكن هؤلاء الأشخاص من التمتع بهذه الخدمات.
*نحوَ 79.5٪ من الأشخاص ذوي الإعاقة لم يدخلوا مدرسةً قط.
الصوافطة أكّد على ضرورة تأمين مراكز تأهيل سمع ونطق أو تأمين بيئة مدرسية مؤهلة فعليًا للتعامل مع زارع القوقعة الصوتية، فيما كشف مدير برامج الطلبة ذوي الإعاقة – إدارة التعليم في وزارة التربية والتعليم الدكتور محمد رحامنة عن أنّ هنالك 12 مدرسةً متخصصةً بذوي الإعاقة السمعية 10 مدارسَ منها حكومية واثنتين خاصات، موزعات على سبع محافظات على امتداد المملكة.
وقال الرحامنة إنَّ عدد الأشخاص من ذوي الإعاقة السمعية الذين يتلقون تعليمًا في مدارس الوزارة كافة، يبلغ
851 طالبًا وطالبة موزعين على المدارس الحكومية والخاصة، منهم 189 طالبًا وطالبةً من زارعي القوقعة.
المستشار صبح بيّن أن حالة التعليم للأشخاص ذوي الإعاقة بشكل عام، سيئة جدًا؛ حسب التقرير الصادر عن المجلس الأعلى للأشخاص ذوي الإعاقة بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، حيث أنَّ هنالك نحو 79.5٪ من الأشخاص ذوي الإعاقة اللذين هم في عمر الدراسة لم يدخلوا مدرسةً قط وهذا يوضح حجم الفجوة الضخمة والتمييز الممنهج إن جاز التعبير؛ بسبب عدم توفير الأمور اللوجستية الكافية من الترتيبات التيسيرية المعقولة لهذه الفئات، داعيًا إلى ضرورة توفير موازنات كافية وحقيقية لإعداد مدارس دامجة لهم.
وزارة التربية أصرّت على أن نسبة الرضى عن استعداد مدارسها لاستقبال الأطفال من زارعي القوقعة عالية؛ حيث أنه يتم قبول الطلبة ذوي الإعاقة السمعية في مدارس متخصصة لهم دون أي قيود، وبناءً على رغبة ولي الأمر.
وأشارت إلى أنَّ خططها تتمثل في تدريب الكادر الإداري والتعليمي على كيفية التعامل مع الطلبة ذوي الإعاقة وتدريسهم ودمجهم في الغرف الصفية، عدا عن تزويد الوزارة بأدوات ومواد وألعاب تعليمية وفق مواصفات تتناسب مع الطلبة ذوي الإعاقة السمعية، إضافةً إلى توزيع المعينات السمعية على الطلبة، وتوفير أخصّائي النطق واللغة في المدارس المتخصصة لتعليم الطلبة، وتدريب الكادر الإداري والتعليمي على لغة الإشارة الأردنية التواصلية والأكاديمية لخلق جسر تواصل مع الطلبة من ذوي الإعاقة السمعية.
– [ ] ويذكر أنّ العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والذي صادقت عليه الأردن يحوي شرطًا لتوفير التعليم الإبتدائي مجانًا للجميع وتعميم التعليم الثانوي، في مادته رقم 13، كما وتنص المادة 24 من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة – على حق التعليم.
*حِبرٌ على ورَق.. قانونٌ لا يُطبّق
الصوافطة ذكر في حديثه أنه تم الإعتراف بزارعي القوقعة حديثًا بأنهم من الأشخاص ذوي الإعاقة، إلا أنّ القانون وفقَ حديثه لا يُطبق.
“على أرض الواقع تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة في الأردن ضعيف جدًا من ناحية تأهيل بيئة العمل أو النقل أو الطرق أو حتى المؤسسات والمباني”، وفق المستشار في مجال حقوق الإنسان رياض صبح.
وبين صبح أن قانون الأشخاص ذوي الإعاقة طموح وممتاز لكن العقبات الأساسية في تطبيقه تتمثل في عدم قيام المؤسسات والوزارات بوضع الميزانيات اللازمة لتوفير الخدمات التيسيرية المعقولة ووسائل المساعدة التقنية والطبية والتمكين الإجتماعي بالعموم وهو ما يحتاجُ إلى كُلَفٍ مادية.
المجلس الأعلى للأشخاص ذوي الإعاقة وهو المسؤول عن وضع السياسات والمراقبة عليها فيما يتعلق بالقضايا التي تخص الأشخاص ذوي الإعاقة رفضَ الإدلاء بأيِّ تصريحٍ صحفي حولَ قضية “زارعو القوقعة” من دونِ تبيان الأسباب.
*نحو 10٪ من يحصلونَ على دعم مادي
رئيس ومؤسس التجمع الوطني لزارعي القوقعة الصوتية أحمد صوافطة ذكر أنّ أحد مطالب “زارعو القوقعة” شمولهم بصندوق المعونة الوطنية أسوةً بباقي الأشخاص من ذوي الإعاقة.
وتابع، أن زارع القوقعة لا يحصل على أي دعم من أي جهة حكومية باستثناء حصوله على 6 باكيتات بطاريات سنويًا وسلك كل ست شهور من مبادرة سمع بلا حدود للأشخاص الذين تمت الزراعة لهم من خلال المبادرة.
بدوره صندوق المعونة الوطنية وعلى لسانِ ناطقه الرسمي ناجح الصوالحة أوضح أنَّ الصندوق يقدمُ دعمًا ماديًا لمن يعانون من ضَعفٍ سمعيٍ عصبيٍ شديد وليس لزارعي القوقعة تحديدًا، مشيرًا إلى أنَّ عدد المستفيدين يبلغُ نحوَ 230 أسرة تتقاضى دعماً كحالات انسانية.
ويأتي دعم الصندوق من خلال برنامج التأهيل الجسماني الذي يوفر امكانية عملِ صيانةٍ للقوقعة تحتَ بند (صيانة معينات طبية).
المستشار صبح قال إنّ القانون الدولي في اتفاقية الأشخاص ذوي الإعاقة لا يتحدث حول فكرة تقديم معونات مادية، إنما يؤشر نحوَ توفير البيئة للأشخاص ذوي الإعاقة من ناحية التعليم والعمل والرعاية الصحية وغيرها.
وأضاف، أنّه وفي حال افتراض أنّ أرقام المعونة حول الأسر المستفيدة صحيحة، فهذا يدلل على عمق الفجوة الكبيرة؛ بحكم أنَّ أقل من 10٪ فقط من يحصلون على الدعم، موضحاً أنّ الدولة في حال قررت أنّ يكون تقديم الدعم المادي أحدَ أشكال التمكين فيجبُ عليها أن توفر هذا الدعم للجميع أو على الأقل الأشخاص الذين يوجد لديهم حاجة اجتماعية.
*حقّ التعلّم مطلبٌ أساسي
علاء الدين أمين الصمادي والدٌ لطفلين من الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية “زارعو القوقعة”، قال إن طفليه – بعمر 14 عاماً و 9 أعوام قد زرعا “القوقعةِ السمعية” من خلال الديوان الملكي العامر ومتبرع.
الصمادي بينَ أنَّ مطلبه الوحيد هو تعليم طفليه اللذين يتلقيان تعليمهما في مدارسٍ حكومية، القراءة والكتابة، ولا يطلبُ غيرَ ذلك.
*انتهاكٌ حقوقي بحقِّ زارعي القوقعة في الأردن
المستشار في مجال حقوق الانسان رياض صبح قال إن زارعي القوقعة يعتبرون من الأشخاص ذوي الاعاقة بحكم وجود نوع من الاستدامة في اعاقتهم.
وبين أنَّ النتيجة النهائية لحالتهم وما يمرون بهِ، تؤكد وجودَ إنتهاكٍ للحقوق الأساسية المكفولة بالقانون الدولي والأردني للأشخاص ذوي الإعاقة السمعية “زارعو القوقعة” بشكل خاص والأشخاص ذوي الاعاقة بشكل عام.
وأوضح أنَّ قانون الأشخاص ذوي الإعاقة ممتاز وطموح ولكن العقبات الأساسية في هذا الأمر تتمثل بعدم قيام المؤسسات والوزارات بوضع الميزانيات اللازمة سعيًا لتوفير الخدمات التيسيرية المعقولة ووسائل المساعدة التقنية والطبية والتمكين الإجتماعي بالعموم.
وأضاف، أن تلك الميزانيات بحاجة إلى كلف مادية، موضحًا أن هذه الجزئية ليست من مسؤولية المجلس الأعلى للأشخاص ذوي الإعاقة؛ لأنَّ المجلس مسؤوليته تنحصر في رسمِ السياسات والمراقبة، إلا أنّه ليس جهة تنفيذية.
وكشف عن أنّ المشكلة تكمن في الوزارات المعنية التي يجب عليها تحمل مسؤوليتها في تقديم ما يلزم، بمعنى تنفيذ قانون الأشخاص ذوي الاعاقة؛ بحكم أنَّ القانون للدولة وعلى الجميع العمل على انفاذه سعيًا لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة.
ووفقًا للمعلومات التي وردت في التقرير تبين وجود انتهاك حقوقي بحق الأشخاص ذوي الإعاقة “زارعو القوقعة”، فيما يتعلق بحقهم في الحصول على الرعاية الصحية وحقهم في الحصول على التعليم، وحقهم في تطبيق قانون الأشخاص ذوي الإعاقة لتمكينهم داخل المجتمع، رغمَ دخول الأردن المئوية الثانية بلجانٍ ملكيةٍ تهدفُ إلى تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان.
ويحفظ حق الردّ لمختلف الجهات المسؤولة حول ما ورد داخل التقرير.
“هذا التقرير أنجز بدعم وإشراف مركز حماية وحرية الصحفيين”.