بسام حدادين
اثناء زيارة لي مع وفد برلماني الى تايوان عام ٢٠٠٠م ، حدثت هزة ارضية بقوة ٢'٦ في وسط البلاد ، كنت أقيم في الطابق ١٤ في فندق حديث في العاصمة تايبه التي تقع شمال الجزيرة.
في تمام الساعة الثانية إلا خمس دقائق ، غادرنا غرفة الزميل النائب منصور مراد، حيث كنا نتسامر، خلعت ملابسي واستلقيت على السرير وتغطيت بشرشف خفيف ، ولم تمض إلا دقائق قلية ، حتى شعرت بأن هناك من يشد الشرشف عن جسدي ( كان الشرشف مثبتًا اسفل الفرشة )، صفنت لثانيتين وإذا بالشرشف يشد من جديد بقوة اكبر عن جسدي والسرير يتراقص ، فقفزت مثل الغزال عن التخت وقفز الى ذهني ما حدث مع ماجد ابو شرار احد قادة 'فتح' في ايطاليا ،حين دخل الموساد الى غرفته في فندق، وربطوا جسده مع السرير ووضعوا قنبلة موقوتة افجرت تحت جسده واسشتهد على الفور وكنت حينها في ايطاليا وعايشت الحدث ،وتأثرت به. بعد ان قفزت عن السرير لم أتمكن من الوقوف على قدمي ، فأرض الغرفة تموج من تحت قدمي ، حتى اللحظة لم استوعب ان ما يحدث زلزالًا ، فظننت ان ما يحدث هو تماس كهربائي قوي ( سبق ان عشت تجربة تماس كهربائي) ، وما ان شاهدت سقف الغرفة يدلف بالماء والفندق يترنح يمينًا ويسارًا استوعبت ان ما يحدث هزة ارضية وتبخرت فكرة الاغتيال وفكرة التماس الكهربائي ؛ كل هذا حدث في ثوان معدودات . ركضت نحو باب الغرفة وجسدي يتراقص على أنغام صوت سقف الغرفة الذي يتشقشق ويتماهى مع هزة خصر الفندق التى استمرت الى ٣٥ ثانية.
ما ان فتحت باب الغرفة وإذا بأبواب الغرف تفتح وسكانها يهرعون الى الكاريدور ، بعضهم بملابس النوم وبعض النساء والرجال بملابسهم الداخلية ، ونظرت يساري فوجدت جاري في الغرفة المجاورة مصلوبًا على الحائط عاري الجسد كما خلقته أمه ، وتحدث معي بلغة الإشارة لانه كان عاجزًا عن النطق ، لم أفهم ما يريد ( عرفت فيما بعد انه فرنسي الجنسية)، دخلت الى الغرفة وقد غزا الخوف قلبي ، قبل هذه اللحظة لم اكن خائفًا ، بعد ان استبعدت نظرية الاغتيال الموهومة. وبينما كنت احاول إرتداء حذائي ، عاودت الهزة الارتدادية تعيق قدرتي على ارتداء الحذاء وكنت اتمايل على الجنبين . اكملت ارتداء ملابسي ولحقت بطابور النزلاء نهرول نحو الدرج ، بسباق محموم ، لننزل من الطابق ١٤ الى الطابق الارضي. وقد ابليت بلاءً حسنا ً وكنت من طلائع الفارين ٠
تجمعنا في الساحة الخارجية والتقيت بالزملاء اعضاء الوفد ، وتبادلنا المشاعر والقصص الفردية ، على وقع هزات ارتدادية صغيرة كنا نحسها.
لم نكن نعرف ما جرى خارج الفندق الذي نقيم فيه ، ذهبت إلى الاستقبال ليخبروني ان فندقًا مجاورًا قد تهدم جزء منه وفي الخارج وجدت مجموعة من الاميركيين وسألتهم عما جرى فقدموا لي تقريرًا كاملًا عما جرى وعن عدد القتلى والجرحى وتفاصيل اخرى ، فكانوا على اتصال مع سفارة بلادهم.
دعوت الزملاء الى لقاء تشاوري بصفتي رئيسًا للوفد ، اذكر ان زميلا من خلفية عسكرية ، اقترح ان نذهب الى الغرف ونفرغ الثلاجات ونؤمن تموينا للطوارئ.
تعبنا من انتظار المجهول في ساحة الفندق وقد انتصف النهار ولم ننم ، وبدأنا نلاحظ ان بعض النزلاء عادوا الى غرفهم ، فقررنا ان نذهب لنرتاح في غرفنا ونلتقي الساعة الثانية ظهرًا في المطعم لتناول الغداء.
ذهبت الى غرفتي بواسطة المصعد الذي عمل على التغذية الكهربائية الخاصة بالفندق ؛ خلعت نعلي ولم اخلع ملابسي لأكون جاهزًا للهروب . مضت ساعة من الوقت لم اعرف فيها النوم ، فالأعصاب مشدودة وموعد النوم قد مضى. واثناء استلقائي على السرير واذا بالخزانة التى في غرفتي تهتز ( ترقص) ، وبعد ذلك بدأ الفندق بالاهتزاز بدرجة اقل من المرة الأولى. بالنسبة لي لا وقت للاجتهاد، 'الفلية ثلثين المراجل 'وهرولت نحو الدرج لانزل مرة اخرى من الطابق ١٤ الى الساحة الخارجية ووجدت الجميع قد هجروا غرفهم.
بعد ساعة من الانتظار قررنا ان نذهب الى المطعم لتناول طعام الغداء وطيلة فترة تواجدنا في المطعم كنا نسمع زجاج شبابيك المطعم تهتز من الهزات الارتدادية الصغيرة المتلاحقة.
فهما من الصينيين اهل الجزيرة ( تايوان) ان خبرتهم تقول هذه الارتدادات الصغيرة هي نهاية الزلزال.
حمدنا الله على هذه البشرى السارة ولحسن الحظ ان سفرنا سيكون في اليوم التالي.
نمت ليلتها مثل القتيل ولم يخلو الأمر من لحظات استيقاظ تذكرني بالتجربة. اعترف انني خفت مع ان تجربتي في الحياة تكشف عن شيء آخر.