حالة من الاستهجان وردود الفعل الغاضبة لدى غالبية النواب والسياسيين من تصريحات الدكتور عمر الريماوي حول وجود تلوث اشعاعي في مياه الديسي متهمينه بالتواطؤ مع جهات إسرائيلية لإحداث بلبلة وهلع سياسي في الأردن .
وكشفت الدراسة الأمريكية التي شارك فيها كل من رئيس الجامعة الدكتور عمر الريماوي والدكتور عبد الله الزعبي المتخصص في الهندسة الجيوفيزائية والدكتور عماد عكاوي وجامعة بن غوريون في إسرائيل،.ان المياه من احد المصادر الجوفية في الأردن تحتوي على مستويات عالية من جزيئات مُشعة تتكون في الطبيعة وترتبط بالإصابة ببعض أنواع السرطان، الأمر الذي يمثل خطرا على صحة آلاف الأشخاص الذين يشربون هذا الماء في الأردن.
وعلى صعيد متصل، تنتظر الحكومة القرار النهائي لبنك الاستثمار الأروربي، بشأن الموافقة على تمويل مشروع الديسي، فيما يطغى على وزارة المياه والري الشعور بأن ما قدمته الوزارة من ردود علمية على 18 سؤالاً وجهها البنك تمحورت حول "الدراسة الأميركية للأحواض الجوفية الأردنية" كانت مقنعة.
وأسهمت الدراسة التي أجرتها جامعات "البلقاء التطبيقية"، و"ديوك" الأميركية، و"بن غوريون" الإسرائيلية في إحداث بلبلة، وأثارت شكوكا حول سلامة المياه الجوفية في حوض الديسي.
وشكك خبراء في نوايا الدراسة التي بدئ بها عام 2004 وتحدثت عن وجود نشاط إشعاعي طبيعي في بعض الأحواض الجوفية، عندما حلل باحثون أردنيون وأجانب 37 عينة أخذت من آبار في الجنوب، من ضمنها حوض الديسي، ثبت تلوثها بعنصر "الرادون" وتستخدم معظمها في صناعة الفوسفات. فيما ذهب آخرون إلى اتهام "إسرائيل"، عبر الباحثين اليهود المشاركين في الدراسة، إلى الترويج لعدم سلامة الآبار الجوفية الأردنية، خدمة لأهدافها.
ورغم نفي القائمين على الدراسة من الجانب الأردني لنظرية المؤامرة، وتأكيدهم سلامة المياه الجوفية، معللين اللبس الحاصل باجتزاء فقرات من الدراسة في التقرير الذي تداولته وسائل الإعلام، إلا أن نشر التقرير أثناء وجود وفد من الجهات التمويلية الأجنبية للتباحث حول الإغلاق المالي للمشروع، دفعه لطرح الأسئلة التي تولت وزارة المياه والري الإجابة عليها.
وتسود الحكومة مثلما الوزارة حالة من الترقب المشوب بالحذر من النتائج النهائية لقرار تمويل المشروع. وترجح مصادر مطلعة في وزارة المياه والري أن القرار لن يتعدى احتمالان لا ثالث لهما:
الأول: عدم اقتناع الجهات الدولية الممولة للمشروع بإجابات الوزارة التي تمحورت حول إظهار نتائج التحاليل للمياه التي أجرتها مختبرات هيئة الطاقة الذرية اللبنانية، والتي أكدت تدني التراكيز الإشعاعية في مياه الشرب الأردنية. إضافة إلى اعتماد الوكالة الدولية للطاقة الذرية على مختبرات سلطة المياه مركزا إقليميا لإجراء فحوصات المياه للنظائر البيئية بما فيها النظائر المشعة، مما يعطي مصداقية دولية وعالمية لهذه المختبرات، فضلا عن اعتمادها من قبل هيئة الاعتماد البريطانية منذ العام 2005.
وبينت المصادر ذاتها أن المخاوف تتركز على أن تقوم الجهات الدولية الممولة بتوكيل دراسة المياه الجوفية في حوض الديسي إلى جهات أجنبية متخصصة قبل اتخاذها قرار تمويل المشروع، الأمر الذي يستغرق وقتاً طويلاً، وقد يؤجل المباشرة في الإغلاق المالي المتوقع نهاية الشهر الحالي، وبالتالي تأخر تنفيذ المشروع إلى فترة طويلة قادمة في وقت تبرز فيه الحاجة ملحة له.
السيناريو الثاني المتوقع، وفق المصادر، أن تكون الجهات الأجنبية الممولة اقتنعت بإجابات الوزارة، التي أكدت أن العينات التي شملتها الدراسة عائدة لمصادر مياه غير مستعملة كمياه شرب، لافتا إلى أن أي تقييم أي مصدر مائي إشعاعي يحتاج لأكثر من عامين، وحسب المعايير الدولية لاعتماد مثل هذه النتائج علميا. فضلاً عن تأكيد الوزارة أن مياه الشرب تخضع لرقابة حثيثة لمختلف المعايير، بما فيها الإشعاعية وهي مطابقة للمواصفات، بما فيها الخصائص الإشعاعية، حيث تنص المواصفة الأردنية على أن جرعة التعرض الإشعاعي السنوي لمختلف العناصر المشعة يجب ان لا تتجاوز 5.0 ميلسيفرت في العام، وأن المياه التي تزود مناطق الجنوب هي دون هذا الحد، حيث أشارت النتائج إلى أنها 3.0 ميلسفيرت في العام.
التوقعات المشار إليها أبرزت اقتراح خبراء بالمباشرة في تنفيذ مشروع الديسي من قبل الوزارة بالشراكة مع مؤسسات محلية أو عربية، وبالطريقة التقليدية، عبر وضع موازنة سنوية مقدارها أربعون مليون دينار، على أن ينفذ المشروع على ثلاث أو أربع سنوات، لتعود الفائدة من أثمان المياه المباعة التي تقدر بمئات الملايين على الوزارة والشركات المساهمة في المشروع، بدلا من الشركة التركية التي ستمول المشروع بمبلغ 250 مليون دولار، بكفالة الحكومة الاردنية.
خيار تمويل الوزارة للمشروع يقف ماثلا للعيان وسط تزايد المخاوف من وجود أغراض إسرائيلية "مبطنة" تقف خلف مثل هذه الدراسات التي تتعمد تشويه نوعية المياه الجوفية. بحسب مصدر تحدث لـ "السبيل" ورفض ذكر اسمه.
إلى ذلك، يرى الخبير المائي إلياس سلامة، أن أهمية الإسراع في تنفيذ مشروع الديسي يأتي مع استنفاد المصادر المائية التقليدية في المملكة، خاصة وأن الاردن يعد من أفقر عشر دول مائيا على مستوى العالم، فضلا عن وجود تحديات بيئية ومناخية تهدد بارتفاع حدة الافتقار للأمن المائي.
وطالب سلامة بتنفيذ المشروع في أسرع وقت ممكن، سيما وأن فترة التنفيذ ستستغرق مدة لن تقل عن ثلاث سنوات. وقال "في حال رفضت الجهات الممولة الموافقة على تنفيذ المشروع بحجة وجود ما سمي بالاشعاعات كما زعمت الدراسة، فإن على الحكومة المباشرة في تننفيذه للحاجة إلى توفير المياه وتلبية الاحتياجات السكانية المتزايدة في مناطق عمان والزرقاء، فضلا عن توقعات الزيادة السكانية خلال الفترة المقبلة.
وبخصوص الدراسة قال إنها أشارت إلى تلوث مياه الشرب في عمان، ولم تذكر من بعيد أو قريب آثارها على الزراعة في أراضي الديسي التي تملكها بعض الشركات التي تسحب المياه من نفس الحوض. وبين أن مستويات إشعاع عنصر "الردون" وطرق معالجتها معروفة للخبراء الأوربيين، ولهذا السبب "لدي قناعات قوية بموافقة الجهات الدولية على تمويل المشروع".
يشار إلى أن فكرة جر مياه الديسي إلى عمان بدأت أوائل التسعينات، وأجرت وزارة المياه والري آنذاك دراسة معمقة على الحوض، نتج عنها إعداد "النموذج الرياضي" الذي ساهم في تحديد كميات المياه التي يمكن ضخها على المدى الطويل لـ100 سنة مقبلة، وبكمية 100 مليون متر مكعب سنويا. وتقدر احتياجات المملكة المائية عام 2010 بنحو 1563 مليون متر مكعب، في حين تقابلها إمكانية التزويد بحوالي 1150 مليونا، ويتوقع ازدياد هذه الاحتياجات عام 2015 إلى 1600 مليون متر مكعب تقريبا، مع إمكانية تأمين 1233 مليون متر مكعب بعد تشغيل مشروع الديسي.