بقلم .. جمال الرقاد
أسهم الواقع الافتراضي في تأسيس ونشر الكثير من المعارف الإنسانية ومنح المتلقي مُكنة الاستمتاع بنتاج الفكر البشري والعقول المبدعة، وفي ذات الوقت قد تجنح بك سفينة الإبحار المعرفي إلى مستنقعات الماء الآسن، وتصطدم ببعض العوالق ومخلفات الدماغ البشري، وهي سلبية لا بد من قبولها مقابل القيمة الفعلية لهذا الفضاء المعرفي.
وأنا أتصفح مواقع الفضاء الكوني علقت بإحدى هذه المخلفات لشخص لا يحضرني اسمه، يتحدث فيها عما أسماه “التوظيف الخاطئ في الدول العربية”، ويسرد بشكل ركيك المبنى والمعنى وبأسلوب سطحي واستدلال معطوب الأثر، عن توظيفات لا تنطبق مع التخصصات التي يحملها صاحب الوظيفة، ويمارس الحظر الإقصائي على العقول باعتقاده بأن الطبيب مثلا محظور عليه المساهمة العمومية إلا ضمن حدود اختصاصه، ولا يحق له أن يصبح وزيرا، مستدلا بحالة فردية يقيس ويعمم عليها في الوقت ذاته الذي نراه يلقي علينا المواعظ خارج سياق اختصاصه ومجاله، وينتحل صفة الكاتب.
إن فلسفة العلم الحديث جوهرها توسيع المدارك وتعظيم مساحة التفكير، صحيح أنه عندما ينضوي الطالب تحت راية تخصص معين يتلقى معارفه وعلومه ضمن تخصصه، ولكن حتما لا يمنعه هذا التخصص من استغلال مهاراته وقدراته الأخرى في مختلف مناحي الحياة باعتبار أن الشهادة الأكاديمية مدخل للإدراك الأشمل والأوسع، والأدلة كثيرة وواقعية وقابلة للاستدلال والتعميم، فمثلا دولة عبدالرؤوف الروابدة نجح وترك أثرا لا يختلف فيه العقلاء في إدارة الحكومة، وأرسى نهجاً إداريا مؤثراً، فهل من المعقول أن ننكر على الرجل قدراته الإدارية بحجة دراسته واختصاصه في الصيدلة؟!، ولنا أيضا عبرة في دولة المرحوم معروف البخيت حيث انتقل من الإبداع في المحور العسكري إلى الإدارة المدنية التي أبدع فيها أيضا، فهل يقبل عاقل تطبيق مسطرة القياس المختلة على دولة المرحوم معروف البخيت، وننكر عليه مهاراته القيادية والإدارية بحجة اختصاصه العسكري!!، خريج الهندسة الصناعية وإدارة الأعمال أبدع في تأسيس شركة أدوية ونقلها إلى المستوى الدولي، وتولى حقيبة وزارة الصحة، وأبدع في إدارتها فهل يوجد عاقل متزن يحاكم الرجل على أساس اختصاصه!!
إن الهرطقة التي يمارسها مُنشئ النص الذي لا أتذكر اسمه، ووصفه ومحاولة اللمز البائس والإشارة العمياء نحو قادة الجيش العربي المصطفوي ومحاولة تصوير مؤسسة الجيش الباسل على أنها جزر معزولة عن بعضها البعض، وممارسة ضيق الفكر والأفق على الطيار الحربي الذي قدّر الله له أن يمتحن ويطلع على الأفق الواسع، وأن يختبر حدود السماء والأرض بنظره وعقله على اتساعهما في كلا الحالين، بينما الأخ قابع في زاوية غرفته يهرف بما لا يعرف وحدود بصره لا يتعدى شاشة حاسوبه الذي أسهم في وضع أساسياته عالم رياضيات لو سمع في حينه ما قال لربما ألغى فكرة اختراعه.
لقد قدم الباشا يوسف الحنيطي خلاصة فكره وعلمه لموقعه، وتميز في إدارته مخلصا وفياً لوطنه وللقيادة الهاشمية وللمؤسسة العسكرية التي تربى فيها على قيم الحق والعدل والإخلاص والوفاء في الوقت الذي تنّكر فيه البعض لهذه القيم النبيلة، وقطعا فإن اختصاص الباشا في سلاح الجو قيمة مضافة لا تنتقص بالمطلق من كفاءته القيادية وواقع الحال يثبت ذلك في إدارته لهذه المؤسسة التي تحمي وتبني وتقدم التضحيات في الوقت الذي يحاول البعض فيه أن ينفث السم الزعاف طمعا بمنصب أو موقع وظيفي لا يتناسب مع كفاءته ولا قيمته ويحاول مرارا، وتكررا لفت النظر إليه، وبمناسبة الحديث عن الوقت، لنا أن نربط بين محاولة الهمز واللمز من قادة الجيش العربي بالأحداث الجارية في المنطقة، خصوصا أن المدعي افتتح كلامه الممجوج بالاستشهاد برواية لوزير دفاع الكيان الإسرائيلي المحتل، والذي تمارس عصابته المحتلة المختلة مختلف صنوف القتل والإرهاب والمجازر بحق أشقائنا في قطاع غزة المكلوم ومن كان شاهده الشيطان، فإن نواياه لا تختلف عن نوايا شاهده، وأرى أنه من المنطقي أن نربط الحديث بمحاولات العدو المتكررة الإساءة للدولة الأردنية والتشكيك بمواقفنا وبأجهزتنا العسكرية والأمنية.
ختاماً نؤمن بأن الكفاءة هي المؤهل الذي يقدم صاحبه، والكفاءة مفهوم شامل لا يقتصر على التخصص النظري المجرد، وللعلم فإن موضة المعارضة والانتقاد طمعا بالمنصب أصبحت حكاية قديمة ربما تساعد البعض على النوم.