يروي نائب الرئيس السوري الراحل عبدالحليم خدام تفاصيل جديدة عن الأيام الأخيرة التي سبقت انتحار رئيس الوزراء محمود الزعبي في مايو (أيار) 2000، بعد إقالته من رئاسة الحكومة بأسابيع.
وتكشف الأوراق التي حملها خدام معه من دمشق إلى باريس عام 2005، ونشرتها مجلة "المجلة" السعودية في 29 فبراير (شباط) 2024، حوارات ساخنة في قيادة حزب "البعث" الحاكم قبل تكليف الزعبي برئاسة الحكومة عام 1987 والسبب الحقيقي لانتحار الزعبي، بحسب اعتقاد خدام الذي يقول، "قبل الانتحار بثلاثة أيام دعانا الرئيس إلى منزله، أنا والأمين العام المساعد للقيادة القومية لحزب البعث عبدالله الأحمر، والأمين القطري المساعد للحزب سليمان قداح، ورئيس مجلس الشعب عبدالقادر قدورة، ووزير الدفاع مصطفى طلاس. وكانت علامات التعب بادية على وجهه، وبدأ الحديث قائلاً ’لقد خانني محمود الزعبي، حققوا معه وحاسبوه‘".
أخطئ كما تخطئ أنت
في بداية نوفمبر (تشرين الثاني) 1987، اجتمعت القيادة القطرية لـحزب "البعث" الحاكم في القصر الجمهوري لإجراء تعديلات في حكومة عبدالرؤوف الكسم.
ويعود تسلم الكسم رئاسة الحكومة لـ1980. وقتذاك، وبعد انتهاء المؤتمر القطري في بداية العام، كان التوقع لدى أعضاء القيادة إعادة تكليف محمود الأيوبي بتشكيل الوزارة، "لأنه كان الأفضل بين الذي استلموا رئاسة الوزراء أو بين أعضاء القيادة القطرية الجديدة، إضافة إلى نزاهته"، بحسب اعتقاد خدام الذي يضيف، "لكن في أول اجتماع للقيادة القطرية لاختيار رئيس الوزراء طرح الأسد مباشرة اسم الكسم، وفوجئنا جميعاً بذلك الترشيح، وعندما حاولنا المناقشة أجاب الرئيس حافظ ’أرى أنه كفء ولا حاجة إلى إضاعة الوقت في المناقشة‘، وهكذا طويت صفحة محمود الأيوبي".
أثناء مؤتمر الحزب في نوفمبر (تشرين الثاني) 1987، كان "جو القيادة معبأ ضد الكسم، وكان الانطباع لدى الأعضاء أن الرئيس حافظ متمسك به، وكنت من بين الذين يعملون على إقصائه. الأسد يعرف هذا الجو في القيادة، وكعادته بدأ بحملة ناقدة للكسم، وكانت شديدة إلا أنه ختمها بعبارات إيجابية وقال ’أنا واثق أن الكسم سيغير أساليب عمله بما لا يسمح بتكرار الأخطاء التي يتحدث عنها أعضاء القيادة القطرية‘. وهنا طلب الكسم الحديث وتوجه إلى الرئيس الأسد قائلاً، "كل منا يخطئ. أنا أخطئ كما تخطئ أنت". وما كاد ينهي كلامه حتى تغير وجه الرئيس حافظ ورد عليه بعنف قائلاً ’في الواقع أنت لا تستحق أن تكون رئيساً للحكومة، وكل ما قاله أعضاء القيادة عنك صحيح. أنت لا تصلح لأية مسؤولية‘، وتوقف عن الكلام وساد القاعة صمت لبضع دقائق".
وتابع الأسد حديثه قائلاً، "أقترح أن يشكل أبو جمال (عبدالحليم خدام) الوزارة". ويقول خدام "أجبته على الفور بأننا في ظروف خارجية صعبة ومعقدة وليس من المصلحة العامة أن أترك الخارجية، إضافة إلى ذلك فإن الأسباب التي اعتذرت فيها عن تشكيل الحكومة سابقاً لا تزال قائمة"، مضيفاً "كان يجلس إلى جانبي العماد حكمت الشهابي، فتوجه الأسد إليه بالسؤال ’ما رأيك يا حكمت؟ لكن المشكلة أن لديك مهمات كثيرة في القوات المسلحة‘. وسأل الأسد ’من ترشح القيادة‘؟ خشيت أنا وعز الدين ناصر الذي كان على يساري أن يتراجع الرئيس ويعيد الكسم، عندئذ سيكون من الصعب تحمله، فاقترحت الزعبي رئيس مجلس الشعب (البرلمان)، وخلال دقائق كلف وشكل حكومته بتاريخ الأول من نوفمبر 1987".
من أين تؤكل الكتف
صدر مرسوم من الأسد بتشكيل الحكومة برئاسة المهندس الزراعي محمود الزعبي، الذي كان يشغل منصب رئيس مجلس الشعب، واستمر في رئاسة الحكومة حتى تاريخ الـ13 من مارس (آذار) 2000. بذلك تكون رئاسته للحكومة أطول مدة يقضيها شخص في هذا الموقع منذ تاريخ استقلال سوريا.
يقول خدام "كان الزعبي خلافاً لكل ما كان يعتقده بعض الناس يتصف بالخبث، ويعرف من أين تؤكل الكتف. حرص على كسب ثقة الرئيس الأسد منذ أن كان عضواً احتياطياً في القيادة القطرية، ذلك أنه بعد أن ينتهي اجتماع قيادة الحزب كان يلحق بالرئيس حافظ ويضع له في جيبه ظرفاً، وهذا الظرف على ما كنا نتوقع كان يتضمن تقريراً فيه معلومات. وكان الرئيس حافظ في الواقع يهتم كثيراً بمثل هذه الأمور، لا سيما في ما يتعلق منها بأعضاء القيادة أو أعضاء الحكومة".
ويتابع خدام، "لكسب ثقة الرئيس توجه نحو باسل الأسد (الذي توفي في حادثة سيارة بداية 1994)، الذي كان يعده الرئيس لخلافته، وأصبح دائماً يزور مكتب باسل مرتين أو أكثر في الأسبوع، كما كان ينفذ له كل طلباته بصرف النظر عن كونها قانونية أم لا، ومنها ما كان يتعلق بالتوظيفات أو بالعقود. كما توجه إلى الشخص الآخر نسيب الرئيس حافظ وهو محمد مخلوف (الذي توفي بعد إصابته بـ"كوفيد" في مارس 2020)، وكون معه علاقات قوية، ولم يمض يوم من دون أن يلتقي الاثنان. وأسهمت تلك العلاقة في تدفق وكلاء الشركات الأجنبية والمحلية إلى مكتب محمد مخلوف لتسهيل حصولهم على العقود".
إلى جانب كل ذلك عمل الزعبي، بحسب خدام، على إغلاق الأبواب الأخرى حتى لا يأتيه الريح منها، "فأقام علاقات ودية مع بعض قيادات المنظمات الشعبية، واستغل صداقته مع رئيس اتحاد نقابات العمال عز الدين ناصر كمدخل لإقامة علاقات ودية مع اللواء علي دوبا مدير الاستخبارات العسكرية، الذي كان يلتقي في معظم الأحيان مع عز الدين ناصر في قاعة الساونا بفندق الميريديان. وكان الزعبي يأتي إلى القاعة بحجة الساونا للقاء اللواء علي دوبا وعز الدين ناصر، ومع ذلك استمر اللواء علي دوبا في نقده لممارسات الحكومة وأخطاء الزعبي".
ويشرح خدام، الذي كان على خلاف مع الزعبي، "كان يختلف عن (سلفيه رئيسي الوزراء) محمود الأيوبي، وعبدالرحمن خليفاوي، بأن الاثنين احتفظا باحترامهما لنفسيهما في التعامل مع الرئيس وأعضاء القيادة ورؤساء أجهزة الأمن، بينما كان الزعبي جاهزاً للتفريط في كرامته إلى أبعد الحدود. كما اختلف عن محمد علي الحلبي، فالأخير كان يخشى العميد رفعت الأسد (شقيق الرئيس حافظ الأسد الذي حاول القيام بانقلاب في بداية الثمانينيات، بحسب اعتقاد واسع، وعاد لسوريا قبل حوالى سنتين)، فيستجيب لطلباته ولكنه بقي نظيفاً لم يتورط في أعمال الفساد. أما محمود الزعبي فانزلق ليس فقط في تسهيل الفساد وإنما مارسه. كما كان يختلف عن الكسم في أن الأخير جلب على نفسه أكبر كمية من الحملات بسبب مقاومته للفساد وحملاته على المتورطين فيه، بينما كان الزعبي يتعامل مع مسائل الفساد وكأنها من الأمور الطبيعية".
من يشوش على النظام؟
في تلك المرحلة الطويلة من رئاسة الزعبي للحكومة، بحسب أوراق خدام الذي كان وقتذاك نائباً لرئيس الجمهورية، "تراجعت الأمور الاقتصادية وازدادت البطالة وعم الفساد مؤسسات الدولة وأجهزتها بما في ذلك القضاء والتعليم العالي، كما أن تحمل المسؤولية في كل المواقع الحكومية كاد ينعدم في سبتمبر (أيلول)".
ويتابع خدام الذي عين نائباً للرئيس في 1984 وبات مشرفاً على الجانب السياسي للوجود السوري في لبنا، "على ما أذكر عام 1989 اجتمعت مع الرئيس الأسد لمناقشة قضايا تتعلق بلبنان، وبعد أن أنهينا النقاش تعرضت للوضع الداخلي وسوء الأحوال، وركزت على فساد السلطة وفساد العقود التي تجريها الحكومة. ولم يستثر الرئيس حافظ هذا الحديث بل دافع عن الزعبي وعن حكومته، ومما قاله ’من أين تأتي بهذه المعلومات والواقع غير ذلك، فالأمور جيدة ولكن هناك من يريد أن يشوش على النظام‘، فأجبته (من هم؟ الوزراء الذين يشكون ضغوط الزعبي عليهم لتمرير أمور غير قانونية؟)".
في عام 1991 زار رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري خدام، وبعد أن ناقشا الوضع في لبنان "تحدث (الحريري) عن الوضع الاقتصادي في سوريا وتساءل ’لماذا لا تقدم الحكومة السورية على إجراء إصلاحات توقف الخلل الاقتصادي؟ وهل تسمحون لي أن أساعدكم في هذا المجال، وأن أكلف مجموعة من المتخصصين لدراسة الاقتصاد السوري وتقديم مقترحات؟‘. فأجبته ’هذا الأمر يتطلب قراراً من الرئيس لتمكين الخبراء من الاتصال بالمؤسسات السورية والحصول على المعلومات اللازمة للدراسة. وعلى كل حال أطلب من الرئيس وأعرض عليه الاقتراح‘".
بالفعل بعد فترة قابل خدام الرئيس حافظ ووافق على الاقتراح، "وأعطى تعليمات لرئيس الحكومة الزعبي لتسهيل مهمة الخبراء. وبعد أكثر من سنة ونصف سنة أنهى الخبراء دراستهم ووضعوا تقريراً من خمسة أجزاء تناول دراسة جميع القطاعات الاقتصادية مع المقترحات لتطويرها وإصلاحها في إطار الخط العام لسياسة الحكومة الاقتصادية، ومن دون وضع أفكار ومقترحات تتناول جذور السياسة الاقتصادية للنظام". وقدم الحريري لخدام مجموعة من نتائج التقرير، كما أرسل إلى الرئاسة مجموعة كبيرة. يقول خدام، "قرأت ذلك التقرير وهو بالفعل كان يشكل دراسة موضوعية تؤدي إلى وقف الانهيار وإنعاش الاقتصاد، مع ذلك لم يقرأ أحد التقرير الذي بلغت كلفته 3 ملايين دولار، وهذا يدل على هبوط مستوى الشعور بالمسؤولية، إضافة إلى الجهل الذي كان سائداً في شأن قضايا البلاد".
عقد طائرات "إيرباص"
كان من العقود المهمة عقد شراء طائرات "إيرباص"، لقد كثر الكلام حول هذا العقد وحول مفاوضاته فأقدم رئيس الحكومة على تشكيل لجنة برئاسته وعضوية نائب رئيس الحكومة للشؤون الاقتصادية سليم ياسين ومدير شركة الطيران السورية، واستبعد وزير النقل متهماً إياه بالاتصال بالشركة الفرنسية للحصول على عمولة.
وبالفعل جرت المفاوضات واتفق على العقد وعرضه رئيس الحكومة في اجتماع لمجلس الوزراء، وقدم وزير النقل مفيد عبدالكريم مطالعة مطولة عن عيوب العقد وثغراته. كما أبدى الأستاذ الجامعي سليم ياسين ملاحظات جدية على العقد، ومع ذلك أقر مجلس الوزراء العقد "بعد أن أوحى الزعبي للوزراء بأن الرئيس اطلع عليه فأقره المجلس"، بحسب قول خدام. مضيفاً "مر علي ياسين وأبلغني أن في العقد عيوباً كثيرة، وأن رئيس الوزراء أصر على وجهة نظره، والعقد سيكلف الدولة خسائر كبيرة. طلبت من ياسين طلب مقابلة الرئيس وشرح وجهة نظره. وبالفعل استقبله الرئيس في اليوم التالي وتحدث ياسين عن العقد والعيوب فأجابه الرئيس، "سأتصل بمحمود لمعالجة الموضوع.
كما أن الأكاديمي مفيد عبدالكريم أرسل دراسة خطية عن العقد إلى الرئيس، وفوجئت أن العقد أخذ طريقه للتنفيذ". بعد انتحار الزعبي (كما يرد لاحقاً) ببضعة أيام أوقف ياسين وعبدالكريم وأحيلا إلى القضاء، وحكم عليهما بغرامة تفوق قيمة الطائرات، إضافة إلى سجن لمدة 15 عاماً.
يقول خدام، "قبل انتحار الزعبي بثلاثة أيام دعانا الرئيس إلى منزله، أنا وعبدالله الأحمر وسليمان قداح وعبد القادر قدورة ومصطفى طلاس، وكانت علامات الموت بادية على وجهه، وبدأ الحديث قائلاً، ’لقد خانني محمود الزعبي، حققوا معه وحاسبوه‘. والتفت إلي وقال ’كل ما كنت تقوله عنه وعن حكومته تبين لي أنه صحيح‘".
ويضيف خدام أن الأسد "لم يطلعنا على الموضوع الذي خانه فيه (الزعبي)، فتوقعنا أن يكون السبب قضية رشوة كبيرة. فقال سليمان قداح للأسد في الاجتماع الذي عقد في القصر، ’سنجتمع في القيادة ونفصله من الحزب‘. وودعناه".
ويتابع، "في اليوم الثاني دعانا قداح للاجتماع في القيادة القطرية لحزب ’البعث‘ لأمر مهم. وحضر كل الأعضاء ومنهم الزعبي، فطلب منه قداح الخروج من قاعة الاجتماع لأن الموضوع يتعلق به. ولما كان جالساً إلى جانبي سألني، ’ما الأمر؟‘. فقلت له ’الموضوع يتعلق بك، وبعد انتهاء الجلسة ستدعى إلى الاجتماع وسيبلغك الأمين القطري المساعد ’قداح‘ قرار القيادة وأسبابه‘".
بعد خروجه، يضيف خدام، عرض قداح اللقاء الذي جرى مع الرئيس الأسد، وقال إن الأمر له علاقة بالفساد المتهم فيه رئيس الحكومة، واقترح طرده من الحزب وإحالته إلى التحقيق. وافقت القيادة القطرية على رفع اقتراح الطرد إلى القيادة القومية لأنها صاحبة الاختصاص وفق النظام الداخلي. وبعد انتهاء الاجتماع استدعي الزعبي وأبلغه قداح القرار فأصيب بالذهول وأخذ يردد، "أنا؟ ماذا فعلت؟".
طلقة في رأس الزعبي
ويتابع خدام، "لدى الخروج من الاجتماع تقدم إلي الزعبي وسألني، ’ماذا فعلت؟‘. فأجبته، ’أنت مدعو للتحقيق، والمحقق سيطلعك على التهم. دافع عن نفسك، وإذا كانت تلك الوقائع متعلقة بغيرك فكن جريئاً واحك ما لديك من معلومات‘. فقال لي، ’إذا دعوني إلى التحقيق سأنتحر‘. وأجبته، ’لماذا الانتحار إذا كنت بريئاً؟ ولم آخذ كلامه مأخذ الجد‘".
ويستطرد، "في الساعة الثانية ظهراً اتصل بي الزعبي، وقال ’أرجوك يا أبو جمال أن تبلغ الرئيس أنني سأنتحر إذا أحلت إلى التحقيق‘. فكررت كلامي الذي جرى بيني وبينه بعد اجتماع قيادة حزب البعث، فكرر كلامه. وحينها قلت له، ’إذا انتحرت ولم تشاهد غيرك ميتاً ارجع‘".
ويتابع خدام روايته للأحداث، "بعد قليل اتصل بي العماد حكمت الشهابي، رئيس أركان الجيش، وأبلغني ما قاله له الزعبي، وخلاصته أنه طلب منه إبلاغ الرئيس بأنه سينتحر إذا أحيل للتحقيق، وأجابه العماد حكمت بالكلام نفسه الذي سمعه الزعبي مني. وفي الوقت نفسه الذي طرد فيه من الحزب سحبت السيارات من أمام منزله، فاتصل بهيثم الشهابي ابن العماد حكمت، الذي كانت لديه وكالة سيارات، وطلب منه بيعه سيارة فأرسلها له، ولما ذهب إليه لأخذ ثمنها لم تكن لديه القيمة الكاملة للسيارة، فوافق هيثم على قبول ما لديه".
في اليوم التالي، الـ25 من مايو (أيار) 2000، جاء قائد شرطة دمشق ومعه ضابطان لأخذ الزعبي إلى التحقيق، وعندما علم بالأمر صعد إلى الطابق الثاني في منزله وأطلق النار على رأسه وتوفي".
بشار يتسلم السلطة
لكن ما "الخيانة" التي تحدث عنها الأسد؟ يقول خدام، "بعد فترة وجيزة علمت أن الزعبي زور توقيع الرئيس حافظ وسحب من احتياطي الدولة مبلغ 65 مليون دولار، وكان احتياطي الدولة مسجلاً باسم الرئيس حافظ الأسد، ولم يكن يخطر ببال أحد أن يكون الاحتياطي - وكانت قيمته آنذاك 12 مليار دولار - موضوعاً بالاسم الشخصي لرئيس الدولة".
ويوضح خدام، "تم اكتشاف جريمة التزوير بعد أن وصلت وثيقة إلى الرئيس حافظ تقول إنه سحب مبلغاً من المبلغ المودع باسمه في الخارج قيمته 65 مليون دولار، فاستغرب الأمر وطلب كتاب التحويل المرسل إلى البنك حيث الوديعة. وبعد أيام وصلت صورة الطلب، ولدى تدقيق التوقيع تبين أنه مزور، وسئل البنك عن الجهة التي تم التحويل لها، وتبين أنها عائدة لمحمود الزعبي. وهنا ثارت ثائرة الرئيس حافظ فطلب من أحد رؤساء أجهزة الأمن استدعاء الزعبي وإنذاره بإعادة المبلغ، وإذا لم يفعل سيعدم، وتمت بالفعل إعادة المبلغ للمصرف، وهكذا طويت صفحة حكومة محمود الزعبي".
ويعلق خدام، "لابد من الإشارة إلى أن الزعبي عندما انتحر كان خارج الحكومة. وفي أوائل مارس 2000 تمت الدعوة إلى اجتماع مفاجئ في القيادة القطرية، وتبلغنا بأن الرئيس الأسد سيحضره. توجهنا إلى قاعة الاجتماعات ثم جاء الرئيس وازداد بياض وجهه وبان الضعف عليه، وبدأ الحديث متعثراً بالكلام وقال، ’لقد قررت أن أقوم بحركة تصحيحية، وضع الحكومة سيئ، ووضع البلد سيئ‘. فعلقت همساً في أذن الأسد الذي كان قريباً مني، ’منذ زمن نقول لك إن البلد بحاجة إلى حركة تصحيحية‘، في إشارة إلى الانقلاب الذي قام به الأسد لتسلم الحكم في نوفمبر 1970، فأجابني بنشافة، ’يا أبو جمال، الحركة التصحيحية التي سأقوم بها هي غير الحركة التصحيحية التي تفكر بها أنت‘".
ويتابع، "هنا قلت له، ’ألم نتحدث بهذا الموضوع في ديسمبر 1999 ونتفق على الخطوط‘؟ وكان إلى جانبي الكسم الذي همس في أذني، ’لا تجادله فهو تعبان‘. وبالفعل صمت. وتابع الأسد حديثه وقال ’سنغير الحكومة‘. ونسي اسم رئيس الحكومة الجديد، فسأل سليمان قداح عن اسم المقرر تسميته رئيساً للحكومة فأجابه قداح ’محمد مصطفى ميرو محافظ حلب‘. وهنا أصيب أعضاء القيادة بالذهول، لأن القيادة كانت اتخذت قراراً قبل أسبوعين بإعفاء محمد مصطفى ميرو من منصبه كمحافظ وإحالته إلى التقاعد، ثم جرى ذكر أسماء بعض الوزراء ولم يحاول أحد من أعضاء القيادة المناقشة. وهكذا انتهت حكومة الزعبي ليصبح متفرغاً في القيادة القطرية حتى انتحاره في الـ25 من مايو (أيار) عام 2000، أي قبل أسبوعين من رحيل الرئيس الأسد، وتسلم ابنه بشار".