يشهد العالم منذ بداية هذا القرن تحولاً متسارعاً نحو الحكومات الالكترونية وتقديم الخدمات الرقمية بأحدث الأساليب والعمل على تحقيق التكامل في تقديم الخدمات من المؤسسات المختلفة سعياً للوصول لرضا المواطن والمتعامل مع الجهات الحكومية، وبما يساهم في التأثير الإيجابي على كفاءة تخصيص الموارد وتقليص الأعباء الإدارية.
وقد أشار تقرير «مؤشر نضوج الخدمات الحكومية الالكترونية والنقالة 2023» الذي أصدرته اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب اسيا (الاسكوا) للسنة الخامسة على التوالي الى أن زيادة عدد الخدمات المقيَّمة سنوياً يشير إلى زيادة تبني الدول العربية للتحوّل الرقمي لا سيّما في رقمنة الخدمات الحكومية.
ويدلّ ارتفاع عدد المؤسسات المشمولة بالتقييم على اهتمامها المتزايد بتطبيق التحوّل الرقمي في مختلف القطاعات التنموية، ولاحظ التقرير ارتفاع نتائج معظم الدول المشاركِة في التقييم لهذا العام، ممّا يشير إلى الاهتمام المتزايد بالتحوّل الحكومي الرقمي لما له من أثرٍ على تحسين كفاءة العمل الحكومي وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وأكد التقرير أن ثمّة فرصا واسعة للتعاون وتبادل التجارب بين مختلف الدول العربية من خلال الاستفادة من قصص نجاح الدول التي بلغت فيها الخدماتُ الحكومية الرقمية مستويات نضوج متقدّمة ومتقدّمة جداً، وهذا ما يسهم في جسر الفجوة الرقمية في المنطقة العربية.
ووفقاً لما ورد في التقرير يحتل الأردن المركز الخامس في القيمة الاجمالية للمؤشر بعد السعودية والامارات وقطر وعمان، وبنسبة تبلغ 64% متقدماً بذلك خمس نقاط مئوية عن العام السابق، وخلال سنة التقييم 2023 ازداد عدد الخدمات التي تم تقييمها الى 84 خدمة مقابل 79 خدمة خلال العام السابق.
أما المؤشرات الفرعية فتشير الى أن الأردن حقق تقدماً في مؤشر توفر الخدمة وتطورها ليصل الى نسبة 70% مقابل 63%، وارتفع مؤشر الوصول للجمهور الى 66% مقابل 60%، أما مؤشر استخدام الخدمة ورضى المستخدم فقد تجاوز 57% مقابل 56% خلال العام الذي سبق، وتشير هذه التطورات الى الجهود التي بذلتها مختلف المؤسسات بما في ذلك افتتاح عدد من مراكز الخدمات الشاملة، ومن الواضح أن هناك فسحة لا زالت متاحة لمزيد من العمل والتطور في هذا المجال.
تتضمن خارطة تحديث القطاع العام سبعة مكونات رئيسة هي: الخدمات الحكومية، والإجراءات والرقمنة، والهيكل التنظيمي والحوكمة، ورسم السياسة وصنع القرار، والموارد البشرية، والتشريعات، بالإضافة إلى مكوّن خاص يدعم جميع المكونات الأخرى معني بتعزيز الثقافة المؤسسية وإدارة التغيير.
وضمن المبادرات الواردة في الخارطة هناك 30 مبادرة تتعلق بخدمات حكومية محورها المواطن، وفي هذا الاطار تهدف خطة تحديث القطاع العام الى تصميم اطار عمل يركز على تقديم الخدمات للمواطنين ورجال الاعمال والمتعاملين مع القطاع العام أفراد ومؤسسات بأسلوب شفاف ومبسط وفي أسرع وقت وبأقل التكاليف، وهذا بدوره يشكل نقطة انطلاق لتحقيق رفاه المواطن وتحقيق التنمية المستدامة.
وكما أشار جلالة الملك في وقت سابق فان الهدف النهائي من تحديث القطاع العام تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين كما أن النجاح في هذا المجال يشكل ضرورة لنجاح مسارات التحديث الأخرى وخاصة الاقتصادية منها، باعتبار أن القطاع العام الرشيق والكفؤ يفسح المجال أمام القطاع الخاص للقيام بدور فاعل في تحقيق التنمية الاقتصادية وتحفيز الانشطة الاقتصادية وتحسين البيئة الاستثمارية.
تقديم الخدمات الكترونياً يساهم في تحسين مستوى أداء الأجهزة الحكومية ويرفع مستوى كفاءة الانفاق العام وهو أيضاً يواجه عدداً من التحديات التي لا بد من تذليلها بما فيها مستوى تطور البنية الرقمية التحتية، وإعادة هندسة مزيد من إجراءات تقديم الخدمات وتبسيطها ليسهل تقديمها الكترونياً وكذلك التعامل مع ما يتعلق بحماية البيانات الشخصية وقضايا الامن السيبراني، ومستوى المهارات الرقمية سواءً تلك التي لا بد من توفرها لدى الموظفين أو لدى المستفيدين من الخدمات.
لم تعد الخدمات الالكترونية ترفاً بل أصبحت واقعاً لا بد من التعامل معها بجدية والاستمرار في تطويرها ومراجعتها وتقييمها وصولاً الى التطبيق الفعال والشامل، في إطار مسار مدروس يعمل على تعميقها وترسيخ أسسها ومجابهة ما قد يعترضها من تحديات مما يستلزم مزيداً من الشفافية والحوكمة الرشيدة واعتماد نهج المتابعة والمساءلة المستند الى معايير قابلة للقياس ومؤطرة زمنياً