أكد الناطق الإعلامي باسم دائرة قاضي القضاة د. الشيخ إسماعيل القضاة، أن هناك تراجعا "لافتا” في عدد حالات الزواج عموما في المملكة بين 2021 و2023.
وشدد القضاة في تصريحات على أن هذا التراجع يعد "ظاهرة تستحق الوقوف عندها، والبحث في أسبابها وعلاجها من المعنيين”، مبينا في السياق ذاته، أن "عدد حالات زواج من هم دون الـ18 عاما، شهد تراجعا ليس عدديا فقط خلال العام الماضي، بل ومن حيث نسبة عقود الزواج الكليّ”.
وكشف عن إنشاء نظام موحد يربط المحاكم الشرعية بمديرية شؤون القاصرين منذ بداية العام الحالي، موضحا سياقات جملة أرقام وإحصاءات وردت في التقرير السنوي للدائرة، وأوضاع المحاكم الشرعية للعام الماضي الذي أعلن عنه في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي.
وبشأن تراجع عدد حالات الزواج المسجلة العام الماضي وفي أعوام سابقة، قال القضاة إن "هناك تراجعا لافتا في عدد حالات الزواج في الأعوام 2021 و2022 و2023، وهذه ظاهرة تستحق من الجميع، الوقوف عندها لبحث أسبابها والبحث عن علاجها، فالأسرة هي المكون الأساسي للمجتمع، ونمو عدد الأسر، مؤشر على نموّ المجتمع طبيعياً.
وأضاف القضاة أن "الزواج له أبعاده المؤثرة شرعيا وقانونيا واجتماعيا ونفسيا واقتصاديا، وفي البعدين الشرعي والقانوني فإن موضع نظر المحاكم الشرعية لم يتغير، وعلينا البحث في العوامل المتغيرة التي أدت لهذا التغيير”.
ورأى القضاة أن "كل من له صلة بقضايا الأسرة والمجتمع من مؤسسات رسمية ومجتمع مدني ومعنيين بالشأن الاجتماعي، مدعو اليوم للتعامل مع هذه البيانات لنفسر هذا التراجع، لكن ينبغي أن يؤسس هذا التفسير على قواعد علمية منهجية، تبتعد عن الانطباعية أو التسطيح، أو تتقاذف المسؤولية في سبب هذه الظاهرة الاجتماعية”.
زواج من هم أقل من 18 عاما
أما بشأن عدد حالات زواج ممن هم دون الـ18 عاما، والتي أظهر التقرير تراجعها العام الماضي، قال القضاة إن "الأصل في أهلية عقد الزواج، إنهاء الـ18 من العمر بالنسبة لكلا الخاطبين، والزواج لمن بلغ الـ16 هو استثناء له ضروراته، كما نص قانون الأحوال الشخصية، وهو زواج يأذن به الوضع التشريعي في القانون، لكن لا نُشجع عليه”، وأن المحاكم الشرعية "تتعامل معه ضمن حدود تحقيق المصلحة التي شرع لأجلها، وهذه المصلحة تقدر بموجب تعليمات صدرت عن قاضي القضاة، ونشرت في الجريدة الرسمية، ووضعت أسسها وضوابطها”.
وشدد القضاة، على وجوب عدم الاكتفاء بقراءة هذه القضية "قراءة رقمية”، وقال "نحن نتحدث عن حالات تتحقق فيها مصلحة معتبرة قانوناً وشرعاً، ومع ذلك فالأرقام تشير إلى تراجع هذه الحالات عددياً، وتراجعها من حيث نسبتها من عقود الزواج الكلي”.
وقال القضاة "إن التباين بين عدد حالات مراجعة مكاتب الإصلاح الأسري بخصوص طلبات الإذن بالزواج لمن هم دون الـ18 هو 3543، ورفض 187 حالة منها، ليصبح مجموع من أذن لهم بإجراء هذه العقود 3356، بينما عدد من أجريت عقود زواجهن 5072، يعود إلى أن رقم 3356 يعود إلى حالات الإذن التي تمنح عن طريق مكاتب الإصلاح الأسري وعددها 26 في المملكة، لكن ولعدم وجود مكاتب إصلاح ووساطة وتوفيق أسري في جميع المحاكم والبالغة 75 محكمة، فإن حالات تراجع المحاكم التي لا يوجد بها مكاتب للإصلاح، تحول إلى مديرية شؤون القاصرين في دائرة قاضي القضاة، والتي تدرس هذه الحالات، ومدى انطباق الشروط عليها، ثم تعطي قرارها بالموافقة أو الرفض حسب واقع الحال”.
وكشف القضاة أن الدائرة أنشأت "نظاما موحدا” مع بداية العام الحالي "يربط محاكم المملكة بمديرية شؤون القاصرين، لتكون كل طلبات الإذن مدرجة على هذا النظام الموحد”، موضحا أن "هذا النظام يضع معطيات طلب الإذن على نحو أكثر دقة، ويوفر بيانات إحصائية دقيقة، لذلك فلن نرى هذا الاختلاف الرقمي في التقرير الإحصائي لسنة 2024”.
قضايا الافتداء
وعن قضايا التفريق للافتداء، قال القضاة، إنه أحد أنواع التفريق الذي نص عليه قانون الأحوال الشخصية، وهو أقل أنواع الطلاق في الواقع العملي، ففي العام الماضي كان عدد قضايا الافتداء التي صدر فيها حكم هو 359، وتراجعت عن العام السابق، إذ بلغ عدد القضايا التي صدر فيها حكم عام 2022 هو 415، وهذا العدد يشكل النسبة الأقل من أنواع الطلاق، إذ لا يزيد على 1 % من إجمالي حالات التفريق.
ورجح القضاة، أن سبب ذلك ربما يعود إلى أن المرأة، إذا أقامت هذه الدعوى، فإن من شروطها أن تتنازل عن جميع حقوقها الزوجية مقابل هذا التفريق، وإذا كان ذلك قبل الزفاف، فيجب عليها إعادة ما قبضته من المهر وما أخذته من هدايا، وما أنفقه الزوج لأجل الزواج.
ولكن إذا كان عند الزوجة سبب مشروع لطلب الطلاق، بسبب نوع من أنواع الضرر الذي لحقها من الزوج، فقد أجاز لها القانون طلب التفريق بسببه، مثل الشقاق والنزاع، أو الهجر، أو الغيبة، أو الحبس، أو العجز عن دفع النفقة، فلماذا تلجأ إلى الافتداء وتترك حقوقها الزوجية المشروعة، بحسب القضاة الذي أضاف، أن الوعي القانوني الشرعي عند المرأة، يجعلها تلجأ إلى القضاء لطلب التفريق عند وجود أسبابه دون أن تُضطر للتنازل عن حقوقها.
قفزة في عدد القضايا الواردة للدائرة
وعن الزيادة الملحوظة في عدد القضايا التي وردت إلى الدائرة العام الماضي، قال القضاة "نعم هناك زيادة في عددها بنسبة 8 % عن العام السابق، فقد كان عدد القضايا الواردة العام الماضي 129013 دعوى، بينما كان وصل في العام 2022 إلى 118674”.
ونوّه القضاة إلى ضرورة النظر لهذه الأرقام، مع الأخذ بالاعتبار إلى جملة قضايا وهي: "الزيادة في عدد الأسر في المملكة بين العامين الماضي وسابقه، وهو حوالي 2.1 %، موضحا أنه ليس كل دعوى تنظر في المحاكم الشرعية تشير إلى خلل أسري”، فبعض الدعاوى التي تنظرها تلك المحاكم، قد تكون من باب تثبيت الحقوق أو الفصل في نزاع قانوني معين غير مرتبط بفشل أسري.
ورأى القضاة، أنه إذا كانت هناك أسباب أخرى تؤدي لهذه الزيادة، مضيفا "نقول إن كل المعنيين بقضايا الأسرة والمجتمع، مدعوون للبحث في هذه الأسباب، وفيما إذ كانت تعطي مؤشرات اجتماعية معينة”.
وشدد القضاة، على أن "المحاكم الشرعية هي مرفق عام هدفه تحقيق العدالة”، مضيفا "وبالتالي فمسؤولية المحاكم الشرعية ألا تزداد أعداد القضايا، او تراكمها أو تأخير الفصل فيها، ونحن بحمد الله بالرغم من هذه الزيادة العددية، حافظنا على نسبة إنجاز مرتفعة وصلت إلى 98.8%، بمعنى أن الأغلبية العظمى من القضايا التي وردت إلى المحاكم العام الماضي، أنهيت إما بالإسقاط أو بصدور حكم، وهي لم تختلف عن العام السابق، برغم الزيادة العددية، ما يشكل تحدياً تمكنت المحاكم الشرعية من التعامل معه”.
قضايا النفقات والمشاهدة والحجر
وفي سياق أرقام قضايا الحجر والمشاهدة، يشير القضاة إلى أن الواقع الإحصائي حول هذه القضايا، يشهد تذبذباً من دون قفزات، سواء زيادة أو نقصاناً، "فمثلاً عدد حالات دعاوى الرؤية والاستزارة وصلت في العام 2019 الى 2288 حالة وفي العام 2023 الى 2350، وبينهما حالات من الارتفاع والانخفاض ضمن هذه الحدود”، بحسبه.
وكذلك الحال بالنسبة لقضايا نفقات الزوجة في العام 2019 كانت 10558 وفي العام 2023 بلغت 11756، وبينهما حالات من الارتفاع والانخفاض المتقارب، سوى ما كان من انخفاض في العام 2020، إذ كانت 8468 حالة، كما أوضح القضاة.
وقال "ربما كان التباين أكبر في عدد دعاوى نفقات الصغار، فقد شهد زيادة ملموسة مؤخراً بين 8842 في العام 2019 و11371 دعوى في العام 2023”، لافتا إلى أن هناك "استقرارا نسبيا” في عدد الدعاوى التي يقيمها الآباء والأمهات على أولادهم لطلب النفقة، فقد كانت 505 في العام 2019 وبلغت 548 في العام 2023”.
أما قضايا الحجر، فيقول القضاة إنها "دعاوى مرتبطة بحماية حقوق المحجور عليه”، فهي ليست خصومة بالمعنى الحقيقي، والمدعي فيها لا يطلب حقاً لنفسه فيها، بل يطلب تأمين حماية قضائية للمدعى عليه، حتى لا يجري استغلاله أو الاعتداء على حقوقه”، مشيرا إلى أن عدد هذه الدعاوى بلغ 1480 في العام 2023، وفيها زيادة ملحوظة عن العام 2019، إذ كانت 757، وفقا للقضاة.
مكاتب الإصلاح الأسري
وتبذل مكاتب الإصلاح الأسري جهودا كبيرة في حل قضايا النزاعات الأسرية بالتراضي، وعن طريق إبرام الاتفاقيات، لذا فهي وفق القضاة "وسيلة تدخل إيجابية من دائرة قاضي القضاة لأجل الأخذ بيد الأسرة لتجاوز مشاكلها، وتجنب ما قد يصيب بنيانها بشرخ تصعب معالجته، عن طريق تمكين أطراف النزاعات من الوصول إلى حلول لنزاعاتهم على نحو ودي رضائي، دون المرور بالإجراءات القضائية التي ربما يجدها بعضهم، تلحق ضرراً نفسياً على أطراف الخصومة القضائية، وبما يحافظ على الخصوصية والسرية، وتتجاوز إجراءات التقاضي المعتادة في مسار بديل ينهي النزاع دون حاجة لأي اتفاقيات، وقد يجري تسجيل اتفاقية تتضمن ما اتفق عليه الأطراف من التزامات لحل هذه الخلافات والمنازعات، بحيث يحفظ لكل طرف حقوقه”.
ومن صور الاستجابة الإيجابية من المحاكم الشرعية مع هذه الزيادة، بحسب القضاة، ازدياد عدد الحالات التي نظرتها مكاتب الإصلاح الأسري العام الماضي بنسبة 11.2 % عن سابقه، مضيفا أن "الاتفاقيات المنظمة لدى مكاتب الإصلاح والوساطة والتوفيق الأسري زادت بنسبة 24.6 % عن العام السابق”.
ورأى القضاة أن "هذه التجربة نمت على نحو كبير ولافت، ففي حين كان عدد الاتفاقيات المنظمة في العام 2014 79 اتفاقية، نتحدث حاليا عن أكثر من 40000 اتفاقية في العام الماضي، ما يشير إلى التفاعل الإيجابي من المجتمع، والدور الذي تمارسه هذه المكاتب في القيام بواجبها.