صحيفة العرّاب

حكاية من القدس عن ثأر قديم لابن لادن على إسرائيل

لو كانت الأحجار تتكلم لروت من القدس الشرقية حكاية عن ثأر عقاري قديم لأسامة بن لادن على إسرائيل، فقد كان لوالده بيت بناه هناك في ستينات القرن الماضي وصادرته إسرائيل في 1968 أي بعد عام واحد من احتلالها للقدس قبل 43 سنة، ثم باعته لإسرائيليين من دون تعويض صاحبه الذي توفي بعد المصادرة بعامين، ولا تعويض ورثته أيضا، وأهمهم زعيم تنظيم "القاعدة" نفسه، فضاعت على بن لادن حصة كان بإمكانه لو باعها تمويل ما يرغب بتمويله، فهي تساوي أكثر من 170 ألف دولار على أقل تقدير.

 والبيت الذي تحدثت "العربية.نت" إلى صاحبه الحالي وإلى عارفين بتفاصيل مصادرته في القدس، ومنهم خبير فلسطيني بقانون المصادرة الإسرائيلي وعجائبه، هو عبارة عن فيلا كبيرة في حي شعفاط المعروف بأنه "أحد أرقى أحياء القدس الشرقية وأغلاها سعرا للمتر المربع من الأرض" وفق ما قال المختار المحلي لشعفاط، عبد الرزاق العموري، حين تحدثت إليه "العربية" الثلاثاء 17-8-2010 عبر الهاتف.
 
وورث عموري مختارية شعفاط أبا عن جد، فوالده الحاج سعيد كان مختارا أيضا للمنطقة، وحين توفي قبل 10 سنوات تسلم ابنه المختارية عنه مباشرة، لذلك فهو خبير بحي أبصر فيه النور قبل 50 سنة ويعرف الصغير والكبير فيه، وبيته هناك لا يبعد أكثر من 150 مترا عن "بيت بن لادن" المعروف بهذا الاسم إلى الآن، برغم أن المحامي الفلسطيني، معين خوري، اشتراه منذ 16 سنة، وشقيقته لوسي تسكن حاليا في طابقه الأرضي، على حد ما ذكر صاحب الفيلا الذي اتصلت به "العربية.نت" أيضا عبر الهاتف بعد أن وافق بالحديث عن البيت لأول مرة.
 
ويقول المختار عموري إنه كان طفلا حين بنى الشيخ محمد عوض بن لادن البيت الكبير في القدس "لكني ما زلت أتذكره إلى الآن، والسبب أنه لفت انتباهي وأنا بعمر 6 أو 7 سنوات، فقد كنا نطل على حديقة البيت ونحن أطفال صغار ونرى حيوانات غريبة نقلها بطائرته الخاصة من السعودية إلى القدس، وما زلت أتذكر أنني رأيت غزالتين في الحديقة التي كان فيها طاووس أيضا، إلى جانب دجاج وخراف وديوك وغيرها" على حد تعبيره.
 
وعبر عموري عن اعتقاده بأن أسامة بن لادن زار ذلك البيت في القدس "لأن والده كان يأتي دائما إلى المدينة ومعه بعض أولاده الصغار وزوجاته، بحسب ما كان يخبرنا والدي الراحل، وإلا لما كان بنى بيتا كبيرا من طابقين ووضع فيه حيوانات أليفة للذبح كطعام لساكنيه" كما قال.
 
مع ذلك، فليس هناك أي دليل على زيارة قام بها بن لادن وهو طفل مع والده إلى القدس، فقد كان عمره أقل من 13 عاما حين توفي والده بسقوط طائرته الخاصة التي كانت تقله إلى الجنوب السعودي ليشرف على مشروع كانت شركته تقوم بتنفيذه لصالح الحكومة السعودية، فغاب محمد عوض بن لادن في 1970 بعمر 59 سنة عن دنيا ترك فيها زينة الحياة وأغلى ما فيها بامتياز.
 
وما تركه هو 54 ولدا من 22 زوجة، بينهم 29 أختاً و24 أخاً غير أشقاء لابنه أسامة، وجميعهم وارثون بالطبع لأملاك وأموال تركها وقدروها بأكثر من 900 مليون دولار، ومن بينها البيت في القدس "مع أنه سجله باسم إحدى زوجاته، وهي اعتدال بنت زكي المارستاني، وأولاده زبيدة وحيدر وسميرة وسحر" بحسب ما قال خليل التفكجي، وهو خبير الخرائط ونظم المعلومات الجغرافية في جمعية الدراسات العربية بالقدس، والذي أكد حين اتصلت به "العربية.نت" أن عائلة بن لادن لا يمكنها بموجب القوانين الإسرائيلية المطالبة باستعادة البيت.
 
وشرح التفكجي الكثير عن قوانين مصادرة "أملاك الغائبين" في الأراضي والمدن التي احتلتها إسرائيل، وقال إنها قوانين سنتها إسرائيل في 1950 لتستهدف بها السيطرة على أملاك للفلسطينيين بحجة أنهم غابوا عنها، أو حتى أملاك لكل عربي دخلت دولته في حرب مع إسرائيل، وهي لبنان ومصر والأردن والعراق واليمن والسعودية وسورية "وبما أن والد أسامة هو سعودي، أو يمني الأصل من حضر موت، فقد استهدفه هذا القانون الظالم وصادر بيته، ثم باعوا البيت الذي بناه من طابقين على أرض مساحتها ألف متر مربع لعائلة إسرائيلية ومن بعدها اشتراه المحامي معين خوري وشقيقته" طبقا لتعبيره.
 
واتصلت "العربية.نت" بالمحامي صاحب البيت المعروف بأنه كان عنيدا ولا يقبل التحدث بشأنه إلى كثير من وسائل إعلام محلية وعالمية اتصلت به مرارا طوال سنوات ليزودها بالمعلومات عن "بيت بن لادن" الشهير في شعفاط، فكان معين خوري المتحدر من أب فلسطيني وأم لبنانية يرفض دائما لأسباب كثيرة، خصوصا بعد هجمات 11 سبتمبر العام 2001 في واشنطن ونيويورك.
 
لكنه رضي أن يضع البيت وقصته فقط أمام قراء "العربية.نت" وحدها هذه المرة، لأنه من المدمنين على زيارة موقعها كل يوم، فكشف لها معظم أسرار الفيلا التي ذكر بأنه لن يبيعها "ولو دفعوا لي أموال الدنيا بأسرها الا بشرط واحد فقط، وهو أن يكون الراغب بالشراء فلسطينيا مثلي، أو عربيا على الأقل" كما قال.
 
ثم استدرك المحامي البالغ من العمر 57 سنة وقال: " أما إذا أرادت عائلة بن لادن البيت الذي بناه الشيخ محمد، فأنا لن أبيعه لأحد من أفرادها، بل سأقدمه للعائلة هدية مني، وهذا ليس كلاما بكلام، بل جدي وحقيقي، خصوصا أن بإمكانهم تسجيله باسمهم فبعضهم حاصل على جنسيات أجنبية كما أعلم، وما أشترطه هو تحويله إلى متحف تراثي يمكننا إدارته لهم ووضع كل متعلقات والدهم الراحل فيه. أما سعره لمن يرغب بشرائه من الفلسطينيين أو العرب فمن 8 إلى 10 ملايين دولار" وفق تعبيره.
 
وقال المحامي خوري إنه أنقذ "بيت بن لادن" من الوقوع في أيدي الإسرائيليين، فروى أن عائلة إسرائيلية احتلت الفيلا بعد دخول القوات الإسرائيلية إلى القدس الشرقية في حرب 1967 وسكنته، ثم طلبت الحماية لبقائها فيه من السلطات العسكرية ومن بعدها اكتسبوا ملكيته من دائرة مصادرة أملاك الغائبين وطرحوه للبيع في ما بعد، فبقي لسنوات من دون أن يتقدم أحد لشرائه "إلى أن تمكنت أنا ماليا فاشتريته منهم في أواخر 1994 بحوالي 900 ألف دولار، وكله بوثائق وسندات موثقة وهي في حوزتي".
 
وسألته "العربية.نت" عما اغذا وجد في البيت بقايا من أثاث ومفروشات تركها والد بن لادن فيه حين اشتراه، أو ربما سيارة أو أي متاع وأغراض تخص مالكه وبانيه الراحل، فقال خوري إنه وجد كرسيين فقط من زمن محمد عوض بن لادن "وهما لدي الآن في بيتي بالقدس واحتفظ بهما كذكرى فقط". وقال إن الباب الرئيسي للفيلا، وكان من الحديد والخشب، كان تحفة جميلة ودليل على ذوق في البناء رفيع وراق لوالد بن لادن "وقد التقطت له صورا عدة قبل أن أقوم باستبداله لأنه لم يعد ينفع مع تغييرات أحدثتها في البيت".
 
ودخل المحامي خوري في التفاصيل أكثر فقال إن شقيقته لوسي هي التي أقدمت على الشراء أولا "فاشترت طابقه الأول، وكان يسكن فيه القنصل الفخري لإسبانيا هنري سلمان، ثم اشتريت أنا الطابق الثاني وبنيت فوقه طابقين". وذكر أنه يملك أكثر من 300 صورة عن البيت لكل مراحله منذ اشتراه إلى الآن، وأن فيه مرآب للسيارات "ما زال مقفلا ولم يستخدمه أحد منذ تركه والد أسامة بن لادن آخر مرة. وبالتأكيد كانت في الكاراج سيارة أو سيارتان لكني لا أدري عن هذا الموضوع شيئا" كما قال.
           
وأعطى صورة عن البيت الذي تبلغ مساحته المبنية أكثر من 650 مترا مربعا، فقال إنه يتضمن 16 غرفة نوم "من بينها غرفة نوم الشيخ محمد بن لادن التي استخدمتها كمكتب لي حاليا، ومنها أتحدث الآن إلى "العربية.نت" عبر الهاتف" وفق تعبيره.
وقال المحامي إن جيران البيت هم من نخبة المقدسيين، فمنهم الدكتور نجاح الحسيني، المعروف بأنه أشهر أطباء العظام. وفي مقابل البيت هناك منازل لآل الحسيني المعروفين. كما مكتب لجريدة "السبيل" التابعة للجمعية الأرثوذكسية، وعلى بعد 50 مترا تقع دار المرحوم محمود أبو الزلف، صاحب جريدة "القدس" المعروفة، وفي مواجهته تماما يقع بيت المتحدرين من القائد التاريخي ناصر الدين الشهير من مدينة الخليل.
 
ويقع "بيت بن لادن" البعيد 5 كيلومترات عن المسجد الأقصى، على شارع رئيسي بشعفاط يؤدي بسالكه إلى رام الله أو نابلس. وكان والد بن لادن بدأ ببنائه في 1962 وانتهى منه بعد أقل من عامين، لأنه كان مضطرا لزيارات عدة للقدس حيث كلفته الحكومة السعودية بأعمال إصلاحات وتطوير مهمة في المسجد الأقصى، فأحب المدينة وتعلق فؤاده بأسبابها وبنى فيها بيته ليقيم فيه كلما جاء بطائرته الخاصة ليشرف على أعمال الترميم والتطوير.
 
ومحمد عوض بن لادن هو من قام أيضا، وبتكليف من الحكومة السعودية في الستينات، بإنهاء المرحلة الأولى من عمليات تطوير عملاقة في الحرم المكي والحرم النبوي الشريف، كما قام من بعدها بإعادة ترميم الحرم المقدسي بعد حريق مفتعل شب فيه في 1969 ولكن من دون أن يتسنى له التشرف برؤيته من جديد، ولا حتى التمتع بزيارة بيته ثانية في شعفاط، فقد احتلت إسرائيل المدينة في 1967 وقضى هو بحادث الطائرة بعد 3 سنوات من الاحتلال، ولا شك أنه رحل عن هذه الدنيا وفي وجدانه دعاء بأن تعود القدس إلى أهلها والبيت لأولاده وأحفاده، حتى ولو كان الواحد منهم بعيدا في كهوف أفغنستان.