في الوقت الذي تنصب فيه جهود الدول العربية جميعها، وخصوصا الاردن، لتعزيز التضامن العربي قبيل انعقاد مؤتمر القمة العربية في العاصمة القطرية الدوحة نهاية الشهر الجاري، يطل الصحافي المصري محمد حسنين هيكل عبر فضائية الجزيرة، ليسمم الاجواء التضامنية العربية من خلال تعامل غير موضوعي وايديولوجي مع التاريخ، وقفز عن الحقائق وجهل في الجغرافيا، وتغييب للرأي الآخر وغياب تام للمهنية والموضوعية والانتقائية وتوصيفات وشتائم يعف عن ذكرها لسان أي شخص يحترم نفسه، وفق سياسيين ومؤرخين.
واستمر هيكل في الحلقة الثانية من مسلل إدعائه امتلاك وثائق لم تثبت صحتها، وفي محاولة للهجوم على الاردن، تذكر بالحملات المسمومة والأكثر شراسة، والتي كان يشنها عبر أثير الإذاعة احمد سعيد في ظل أجواء حرب 1967، ليكون الاستعداد لهذه الحرب حسب تلميذ هيكل، تشتيت الصف العربي في مواجهة إسرائيل آنذاك.
ويقول استاذ التاريخ الدكتور محمد عدنان البخيت، اننا "لا نستطيع ان نعتبر أية وثيقة صحيحة قبل فحصها من قبل المتخصصين في هذا المجال، وتدقيقها وتدقيق الخطوط فيها، وحتى ورقها، ليتم اعتمادها كوثيقة صحيحة". ويعتبر الكاتب والباحث السياسي فالح الطويل أن "هيكل يتناسى الحقائق لصالح شكوكه وأفكاره ومواقفه المسبقة، بعيدا عن الأمانة التاريخية والمهنية والموضوعية".
هيكل أظهر في الحلقة التي بثتها "جزيرة الشقاق" أول من أمس، جهلا مخجلا في الجغرافيا العربية وفق الطويل، الذي اشار الى ان هيكل تحدث عن اشتباك بين الطيران الاسرائيلي والسوري فوق مدينة حلب قبل حرب 1967، فيما كان الاشتباك فوق هضبة الجولان.
كما يشير الطويل الى جهل آخر لهيكل بالجغرافيا العربية، حين تحدث عن سحب قوات الطوارئ الدولية من العقبة قبيل حرب حزيران (يونيو) التي لم يكن للقوات الدولية أي وجود لها فيها، وانما تواجدت في سيناء على الحدود التي تفصل بين مصر وإسرائيل الآن، مؤكدا الطويل، ان وقوع شخص مثل هيكل في مثل هذه الاخطاء، ينم إما عن "خرف" أصاب الرجل أو جهل بالجغرافيا وهذه كارثة بحد ذاتها.
ووفق الطويل، ادعى هيكل في حلقة الكذب الأخيرة أن جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال طيب الله ثراه، حدثه عن الهجوم الاسرائيلي على قرية السموع في شمال الاردن عندما التقى الراحل هيكل عام 1990، مؤكدا ان ادعاء هيكل غير صحيح، وأن ما ذكره موجود بالحرف في كتاب أسد الأردن، ولم يتحدث به جلالته الذي من المنطق أن يتناول قضايا أكثر أهمية بكثير من تلك الحادثة التي جرت عام 1966 الى هيكل، الذي تطرق الى القصة لكي "يعبئ الحلقة" التي سجلها.
وأشار الطويل الى حديث هيكل عن استدعاء جلالة الملك الراحل لقائد القوات العربية المشتركة عبد المنعم رياض في أيار (مايو) عام 1967 الى عمان، وتحذيره مما يحاك لمصر.
وقد تم الحديث تحت رغبة هيكل في اخفاء حقيقته المعادية للملك الراحل، واخفاء حقيقة من يتحمل مسؤولية هزيمة عام 1967، خصوصا وان القيادة المصرية تجاهلت هذه التحذيرات، ما جعل الملك الراحل يتوجه الى مصر نهاية أيار (مايو)، وقبل ايام من الحرب، ليؤكد على تحذيره من الفخ الذي ينصب لمصر، بجرها الى حرب غير مستعدة لها. ويؤكد الطويل ان هيكل قفز عن ما تلا التحذير، وتجاهل القيادة المصرية
آنذاك له، حتى لا يظهر مدى الخطيئة الكبيرة التي وقعت بها، وهو أحد مستشاري القيادة المصرية في ذلك الوقت.
واعتبر الطويل أن انخراط هيكل في التوصيفات وأقوال تعيبه، وتشكل فضيحة له ولتاريخه وللحالة الذهنية لهيكل في سن الرابعة والثمانين، ولا تصح بحق الملك الراحل الذي حضر جنازته أكثر من 76 زعيم دولة، تقديرا لحنكته وخبرته ومكانته الدولية، وهو الذي بنى الدولة الاردنية الحديثة رغم صغر الجغرافيا، وقلة الموارد، الا ان الاردن بفضل قيادة الراحل حظي ومايزال، باحترام إقليمي ودولي كبير.
وذكر الطويل بانطلاقة هيكل في عالم الصحافة، من خلال أسرة فيني اليهودية، التي كانت تمتلك احدى وسائل الاعلام في مصر آنذاك، والتي اصبح هيكل بواسطتها صحافيا. ثم وبعد أن أصبح صحافيا، كيف كذب على التابعي الذي أرسله لتغطية مؤتمر القمة العربية في شتورا بلبنان، بعد ان زعم أنه أجرى مقابلة مع جلالة المغفور له عبدالله الأول، ونشرها التابعي على صدر الصفحة الاولى، ليكتشف بعد ذلك ان هيكل لم يجر أي مقابلة مع الملك الراحل، وانما حول الكلمة التي ألقاها الملك المؤسس في القمة الى مقابلة، ومن ثم قام التابعي بطرد هيكل من الصحيفة، وهذا وفق الطويل، يمنحنا فكرة واضحة عن كذب هيكل ومزاعمه المتواصلة، وهو الذي رفض فتح بيت عزاء لوالده عندما توفي لأنه كان بقالا بسيطا.
من جانبه، حذر استاذ العلوم السياسية في الجامعة الاردنية ورئيس مركز الدراسات البرلمانية الدكتور محمد مصالحة، من أن ما يفعله هيكل و"الجزيرة"، يجران العرب الى حرب عبر الفضائيات بين الدول العربية، مذكرا بالحرب عبر الإذاعات التي كان يشنها احمد سعيد تلميذ هيكل، والذي عاث فسادا وتشتيتا في جسم العالم العربي في الخمسينات والستينات، ليدخل العرب حرب حزيران (يونيو) وهم منقسمون مشتتون، الا هذه الحملات لم تهز الاردن وقيادته، والحاضر شهد على ذلك.
ونبه مصالحة الى أن على هيكل، بث روح التضامن بين العرب في هذه المرحلة، وقبيل انعقاد القمة العربية، ليخرج القادة العرب متضامنين وبكلمة واحدة الى الإدارة الأميركية الجديدة التي تتحدث بلغة إيجابية عن قضايا المنطقة. وقال إن كان هيكل مؤرخ عربي، فعليه أن يتحدث عن الأنظمة العربية جميعها، ولا يتوقف عند الأردن الذي يشن عليه حربا إعلامية ظالمة ومتجنية. الغد