هناك ما يشبه الاتفاق في عمان على أن حكومة رئيس الوزراء سمير الرفاعي (الحفيد) ليست في حاجة إلى أعداء، إذ لديها ما يكفيها، سواء على الصعيد الفردي (بين الوزراء) أو الجماعي (الحكومة بمجملها).
وساد ظن الشهر الماضي عقب إجراء الرفاعي تعديلا على حكومته، أخرج بموجبه من يفترض أنهم "صانعو الأزمات" أنه بذلك جدد دماء حكومته وأطال في عمرها إلى ما بعد إجراء الانتخابات النيابية المزمعة في تشرين الثاني.
لكن ما إن انقضى أسبوع حتى تأكد لدى كثيرين أن الوضع أكثر تعقيدا من مجرد استبدال بضعة وزراء، وأن هناك عوامل كثيرة متشابكة، منها الذاتي، ومنها الموضوعي، تجعل هذه الحكومة مأزومة.
مشاكل بالجملة :
يحتاج الأمر إلى قائمة مطولة لعدّ المشاكل التي تواجهها هذه الحكومة، أكانت من صنعها أم صنعتها تطورات الأوضاع الداخلية والإقليمية.
وأبرز هذه المشاكل العجز الكبير في الموازنة، الذي سعت الحكومة إلى سد الجزء الأكبر منه عبر سياسة فرض أي ضرائب ورسوم يمكن فرضها، إلى درجة أن الأردنيين تندروا الأسبوع الماضي على تصريح للرفاعي، قال فيه أن حكومته لن تفرض أي ضريبة جديدة هذا العام، بالقول: "ليش ترك ضريبة ما فرضها!".
يرافق هذا العجز بطالة تصل إلى 14 في المئة من حجم القوة العاملة، وتنامٍ في عدد جيوب الفقر، فيما الطبقة الوسطى إلى انهيار، وسط فشل السياسات الاقتصادية التي تردد الحكومة أنها تنفذها لوقف هذا التراجع.
وخارجياً، تواجه المملكة مشاكل عدة، فعلى رغم كل الضجيج الإعلامي لمختلف مراكز القرار، وخصوصاً الحكومة، لا يزال الرفاعي غير قادر على أن يقنع أحداً بأن الدولة الأردنية في منأى عن المخططات التي يسعى اليمين الصهيوني إلى تنفيذها ضد كيان الدولة، لحل القضية الفلسطينية وملف اللاجئين الفلسطينيين على حساب الجغرافيا والديموغرافيا الأردنيتين.
كما أن الحكومة غير قادرة على إقناع أحد بأنه لا يزال في وسع الديبلوماسية الأردنية أن تحدث فرقاً في أي ملف أقليمي، أكان في العراق أم فلسطين أم في العلاقة مع إسرائيل. وهو ما يطرح أسئلة حول "الدور التاريخي" لها في الإقليم.
وسجلها في الشفافية ومكافحة الفساد والديموقراطية والحريات الإعلامية وحقوق الانسان في تراجع ملحوظ ويلقى انتقادات، خصوصاً من الدول المانحة.
اللافت أن ظاهرة العنف الاجتماعي التي سادت طيلة العام الماضي والشهور الخمسة الأولى من العام الحالي، تراجعت لتحل مكانها المطالب النقابية والعمالية والسياسية من قوى اجتماعية لم تكن ظاهرة سابقاً، مثل المعلمين والمتقاعدين العسكريين وعمال المياومة.
وهي قوى غير تقليدية ربما لم تكن لتبرز بهذا الزخم لو كانت هناك حياة برلمانية، حتى وإن لم تكن في مستوى الطموح الشعبي.
وأثبتت الحكومة عجزاً واضحاً في التعامل بكفاية مع ملفات المعلمين وعمال المياومة والمتقاعدين العسكريين.
بل إن أسلوب التعامل (الصبياني والانتقامي) مع قادة هذه الفئات الثلاثة من عقوبات، أثار سخطاً شعبياً واستغراباً لمثل هذا الأسلوب من التعامل الذي لم يعتده الأردنيون، الذين يعشقون أخلاق الفرسان.
اشتباك مع الاعلام
ولم يكف الحكومة أن تستعدي هذه الفئات الشعبية المهمة، بل استعدت عليها قطاعاً واسعاً من الموظفين في قطاع خدمة الانترنت وحجب المواقع الإخبارية الإلكترونية عنهم، بحجة توفير المال والوقت وتكريس الموظفين للعمل.
هذا الإجراء جاء بعد أيام قليلة من إعلان موقع وكالة "عمون" الإخبارية نتائج استطلاع نفّذته، شددت على أنه "غير علمي" أفاد أن 95 في المئة من الأردنيين غير راضين عن أداء حكومة الرفاعي.
وأتبعت الحكومة ذلك بسن قانون موقت يضيِّق الخناق على المواقع الإلكترونية ويستهدفها بإجراءات عقابية، ما فتح عليها "عش الدبور".
إذ انفلت الإعلام الالكتروني من عقاله، وبدأ بشن حملة شرسة ضد الحكومة ورئيسها، بعد شهرين من هدنة غير مكتوبة (ماعدا عدد قليل جدا) أعقبت معارك طاحنة بين الجانبين.
كما أن الحكومة، على رغم سيطرتها المحكمة على الإعلام الحكومي والخاص، الذي يبرر الفشل ويعظّم المنجز على قلته، فشلت في إقناع الشارع بقدرتها على التصدي للمشكلات الداخلية والخارجية.
وفقدت صدقيتها لدى الناس، وبات حديث أي مسؤول حكومي غير موثوق ويدخل، من وجهة نظر الناس، في إطار المزايدة، خصوصاً عندما يكون الحديث عن الوطنية والولاء والانتماء.
ولتكتمل الدائرة الاعلامية، صار الاردن هدفاً للإعلام الغربي، الذي وجد في التحولات الاقتصادية والاجتماعية والأزمات التي تصنعها الحكومة مرتعاً خصباً لإعداد تقارير صحافية، فكان ان نشرت صحسفة "الاندبندنت" البريطانية قبل 3 أسابيع، وصحفية "الواشنطن بوست" الجمعة الماضية تقريرين انتقدا بشدة السياسات الحكومية حيال عدد من القضايا.
وتتحسس مراكز صنع القرار الأردني عادة من صدور مثل هذه التقارير، ولا ترغب في أن تؤثر سلباً على الصورة التي تحاول رسمها للمملكة بأنها دولة متحضرة وديموقراطية.
انقسام حكومي
تعاني الحكومة انقسامات حادة وتجاذبات داخلها، لا علاقة لها البتة ببرامج أو مواقف سياسية، وإنما بصراع أشخاص، منهم من يتربص برئيس الوزراء الفتي ذي التجربة الغضة، وإن كان والده (زيد الرفاعي) سياسياً معتقاً. وهؤلاء يتصارعون في ما بينهم لإقصاء بعضهم بعضا، ويسعون إلى إفشال الرئيس حتى يخلو لهم الدرب نحو الرئاسة. كما أن هناك خلافات قوية بين الرئيس ونائبه رجائي المعشر، الممسك الملف الاقتصادي، حيال كثير من القضايا.
هذه الخلافات سببها أن الرئيس لا يستمع إلى نصائح نائبه في معظم القضايا المفصلية، التي، كما يقول مقربون من المعشر، لو تبعها الرفاعي لتفادى الكثير من الأزمات، خصوصاً الرئيسة.
الأدهى أن صحيفة "العرب اليوم"، التي يملكها المعشر، تقود حملة شرسة ضد الحكومة ووجه اليها انتقادات حادة وبصورة منظمة، وتفسح مساحات واسعة لمعارضة الحكومة وللموضوعات التي تظهر قصورها.
"الطخ" على الحكومة لم يقتصر على "العرب اليوم"، بل صار عادة يومية، وبات طقسا يوميا المطالبة بإطاحة الرفاعي وحكومته، والتذكير بكيف أطيحت حكومة والده زيد شعبياً في نيسان عام 1989، وحكومة سمير الجد نيابيا في نيسان عام 1963.
ولفت أخيرا، أن كتاباً "حكوميين" بدأوا يعزفون على نغمة المطالبة بإطاحة الحكومة الرفاعية، وهم كانوا أول من رحب بها وهلل لها.
ويتساءل المتابعون ما إذا كان هذا مؤشرا إلى أن "الحماية رفعت عن الحكومة" وأن أيامها قليلة، وما إذا كانت ستبقى حتى تجرى الانتخابات النيابية التي بدأت تتوسع دائرتا مقاطعتها والدعوة إلى تأجيلها.
النهار اللبنانية ..