صحيفة العرّاب

قصة شريك الأمير الوليد بن طلال الذي فاز بجائزة "صهيونية"

في تأكيد جديد على ولائه غير المحدود لإسرائيل ، حصل إمبراطور الإعلام الأمريكي روبرت ميردوخ يوم الخميس الموافق 14 أكتوبر على جائزة "رابطة مكافحة التشهير" الصهيونية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها .

 ولم يقف الأمر عند حصوله على الجائزة ، بل إنه أطلق أيضا تصريحات استفزازية للعرب والمسلمين عندما انتقد ما أسماه "الحرب الدائرة ضد اليهود" ، مطالبا بوضع حد لما اعتبره الجهود الرامية إلى عزل إسرائيل.
 
وخلال حفل أقيم في نيويورك بمناسبة حصوله على الجائزة واصل ميردوخ استفزازه قائلا :" الحرب دخلت الآن مرحلة جديدة وميدانها في كل مكان : الإعلام والمنظمات متعددة الجنسيات والمنظمات غير الحكومية ، هدف تلك الحرب جعل إسرائيل دولة منبوذة ".
 
وتابع أن هناك إشارات كثيرة على زيادة ما أسماه تنامي العداء للسامية وبخاصة من المنتمين لليسار تحت ستار الانتقادات المشروعة لإسرائيل.
 
وحث في هذا الصدد إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما على مواصلة دعمها لتل أبيب وخاصة فيما يتعلق بالاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل ، محذرا واشنطن من عواقب الابتعاد عن تأييد تل أبيب فيما يتعلق بقضية القدس من أجل كسب المصداقية في العالم الإسلامي.
 
ومع أن البعض قد يقلل من أهمية التصريحات السابقة ، إلا أن الحقيقة أنها تشكل خطرا بالغا بالنظر إلى أن ميردوخ هو مدير مؤسسة "نيوز جروب" وهي واحدة من ثلاث مؤسسات تحرص جمعية الصداقة الأمريكية الإسرائيلية على شكرها باستمرار لدعمها تل أبيب إعلاميا واستثماريا.
 
بل إن صحيفة "لوفيجارو" كشفت في أغسطس/آب الماضي أن شبكة "فوكس نيوز" و"وول ستريت جورنال" المملوكتين لميردوخ ساهمتا في تأجيج المشاعر المعادية للإسلام التي انتشرت في الولايات المتحدة منذ تفجر قضية بناء مسجد في موقع هجمات 11 سبتمبر .
 
وبجانب ما سبق ، فإن رابطة مكافحة التشهير معروف عنها أنها منظمة شديدة الولاء لإسرائيل وتعمل على رصد ما تنشره وسائل الإعلام عامة عن إسرائيل وخاصة وسائل الإعلام في الدول العربية والإسلامية وتصدر نشرات دورية بهذا الخصوص ترفعها إلى الساسة الأمريكيين ونواب الكونجرس الأمريكي ويبدو أنها تعتمد بشكل كبير على امبراطورية ميرودخ الإعلامية في الترويج لها والضغط على إدارة أوباما لتنفيذ كل ما هو في صالح إسرائيل .
 
شراكة مع الأمير الوليد 
 
ويبقى الأمر الأخطر وهو أن ميردوخ بات يقدم أكبر خدمة من نوعها لإسرائيل ألا وهي التغلغل شيئا فشيئا في بعض وسائل الإعلام العربية ، ففي 23 فبراير الماضي ، أعلنت مؤسسة "نيوز جروب" التي يملكها ميردوخ أنها قامت بشراء 9.09 بالمائة من مجموعة روتانا الإعلامية التابعة للمستثمر السعودي الأمير الوليد بن طلال وذلك فيما أسمته خطوة جديدة على طريق تعزيز التحالف الاستراتيجي الذي ربطهما على مدى السنوات الماضية .
 
ولم يقتصر الأمر على ما سبق ، حيث كشفت مؤسسة "نيوز جروب" أيضا أنها ستستثمر مبلغ 70 مليون دولار في أسهم جديدة أصدرتها مجموعة روتانا بل تمتلك أيضا خيار زيادة نسبة ملكيتها في المجموعة إلى 18.18 في المائة خلال عام ونصف.
 
وفي أول تعليق له على التطور السابق ، أعلن الأمير الوليد أن الاتفاقية الجديدة ستجلب خبرة تليفزيونية وأخرى في مجال إنتاج الأفلام إلى روتانا ، بالإضافة إلى خبرات في المجال التقني والنيوميديا.
 
ورغم أنه أكد أن هذا الاستثمار ليس ذا طابع تمويلي بالنسبة لروتانا التي لا تفتقر إلى التمويل ، إلا أن كثيرين رجحوا حرص الأمير السعودي على تعزيز تحالفه الاستثماري مع ميردوخ في إطار مساعيه لتوسيع وجوده الدولي بعد عام تكبدت فيه شركة روتانا تراجعا كبيرا في إيراداتها نتيجة للأزمة الاقتصادية العالمية ، ولعل هذا ما ظهر واضحا في تصريحات أدلى بها الوليد بعد اجتماعه مع ميردوخ في 14 يناير/كانون الثاني الماضي في نيويورك ، حيث أعلن حينها عن احتمال قيام تحالفات في المستقبل مع "نيوز جروب" ، مشيرا إلى أن روتانا بحاجة إلى مستشار مالي يساعد في نقل ملكيتها من القطاع الخاص إلى قطاع المساهمين .
 
وبالتزامن مع التصريحات السابقة ، كشفت تقارير صحفية أمريكية حينها أن "نيوز جروب" وهي الشركة الأم المالكة لـ "فوكس نيوز وداو جونز من بين مؤسسات أخرى" تعتزم شراء حصة في مجموعة روتانا التي يملكها الأمير الوليد في إطار خططها للتوسع في الشرق الأوسط وهو ما تحقق بالفعل في 23 فبراير الماضي .
 
بل ويرجح البعض أن هناك المزيد من الصفقات في هذا الصدد بالنظر إلى أن الأمير الوليد لم يتردد على مدى السنوات الماضية في إظهار تحالفه ودعمه الشديد للتحالف الإعلامي مع ميردوخ .
 
ففي العام 2005 ، أعلن الوليد عن دعمه لميردوخ عبر استبدال الأسهم التي ليس لها حق التصويت وكانت تملكها شركة المملكة القابضة التي يرأس مجلس إدارتها في شركة نيوز جروب إلى أسهم لها حق التصويت ليصبح إجمالي الأسهم التي تملكها الشركة 5.7 في المائة.
 
وفي عام 2008 ، قام كل من الوليد وميردوخ برعاية اتفاقية لدخول قناة أفلام فوكس للعالم العربي من خلال شراكة بين شركتي روتانا ونيوز جروب ثم سرعان ما قامت روتانا وفوكس إنترناشيونال تشانلز بتوقيع اتفاقية مع شركة والت ديزني لتقديم مجموعة من البرامج في الشرق الأوسط.
 
وفي ضوء حقيقة أن الوليد يملك 5.7 في المائة من رأسمال شركة نيوز جروب ليكون بذلك ثاني أكبر مساهم في تلك الشركة التي يرأس مجلس إدارتها العاشق للصهيونية روبرت ميردوخ ، فإن الفرصة تبدو سانحة أمام الأخير لإقناع الأمير الوليد بزيادة حصته في "نيوز جروب" مقابل توسيع حصة امبراطور الإعلام الأمريكي في روتانا وغيرها من المؤسسات الإعلامية التي يمتلكها الأمير الوليد وهو ما يفتح الباب واسعا أمام التغلغل الصهيوني في الثقافة العربية وهو ما لم تنجح إسرائيل في تحقيقه حتى الآن.
 
فمعروف أن الوليد يملك حصة 29.9 في المائة في المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق التي تقوم بنشر عدة صحف ومجلات بينها جريدة "الشرق الأوسط "، بالإضافة إلى قناة الإرسال اللبنانية الفضائية "ال بي سي سات" والتي يملك الوليد 90 في المائة منها .
 
وبالنظر إلى أن شركة روتانا تضم شبكتها التليفزيونية 5 قنوات فضائية وتملك مكتبة أفلام عربية كبيرة والعشرات من العقود لمشاهير الغناء في العالم العربي ، فإنه ما أن أعلن عن شراء ميردوخ 9.09 بالمائة من ملكيتها إلا وحبس العرب أنفاسهم باعتبار أن الأمر يمهد لتغلغل صهيوني واسع في التراث والثقافة العربية وهنا تكون وقعت الكارثة لأن الاحتلال مهما طال أمده فإن مصيره الزوال ، أما الغزو الثقافي فهو يبقى ويستفحل يوما بعد يوم بل ويؤدي في النهاية إلى طمس هوية وحضارة الشعوب المنكوبة به .
 
عاشق الصهيونية
 
ولعل إلقاء نظرة على السيرة الذاتية لميردوخ يؤكد الخطر المحدق بالعرب ، فهو ليس يهودياً كما هو شائع عنه في الكتابات العربية ، لكنه فقط يميني متطرف يعشق الصهيونية وملتزم بكافة توجهاتها ومبادئها وبوصفه أحد أباطرة الإعلام في العالم يعتبر ميردوخ الملياردير الأسترالي الأصل الصوت الإعلامي الأول والأقوى تأثيراً لدى مجموعة التطرف المسيحي في الولايات المتحدة المعروفة باسم "المحافظين الجدد".
 
ففي "تقرير واشنطن" لشهر يونيو 1995 ، ذكر كورت هولدن أن ميردوخ لا هو يهودي الديانة ولا من أعضاء "إيباك" وعلى الرغم من ذلك فهو أفضل من يمكن تكليفه بإصدار مجلتين جديدتين تعملان لدعم إسرائيل إعلاميا ، مشيرا إلى أن مجموعة ميردوخ الإعلامية "نيوز جروب أو "نيوز كورب" كما يطلق عليها البعض تعتبر واحدة من 3 مؤسسات عالمية تحرص جمعية الصداقة الأمريكية الإسرائيلية على شكرها سنويا لدعمها إسرائيل إعلامياً واستثمارياً .
 
وبجانب ما سبق ، فإن ميردوخ "77 عاماً" استلم عددا من الجوائز من جمعيات يهودية كثيرة في العالم ، كما أن بيتر شيرنين Peter Chernin ــ الرجل الثاني في إمبراطوريته ــ يهودي متعصب.
 
بل والمثير للانتباه أيضا أن ميردوخ يستحوذ على قنوات "سكاي" في بريطانيا ويعد أحد أهم الأقطاب الإعلامية فيها حيث يمتلك وكالة إعلامية ضخمة تضم العديد من الصحف والمجلات والمواقع إلى جانب المحطات التليفزيونية ويسيطر وحده على 40% من الصحافة في دولة عظمى كبريطانيا بما معها من الرأي العام المحلي والعالمي.
 
وأمام ما سبق ، فإن مشكلة روبرت ميردوخ الاسترالي الأصل ليست في تبنيه لأيديولوجية متطرفة في ميولها ولو كان الأمر يقتصر على ذلك لكان الملياردير العجوز أقل خطراً وإنما في الحقد الذي يغلف تلك الأيديولوجية تجاه الآخر واستغلاله الإعلام كوسيلة ينفث من خلالها الأحقاد دون هوادة.
 
ولذا لم يكن مستغربا أن تتهم صحيفة "سوشيالست ووركر" البريطانية الصحف التي يمتلكها ميردوخ والمعروفة بموالاتها الشديدة لليهود بشن حملات إعلامية شرسة تستهدف تشويه صورة الأقلية المسلمة هناك ، مؤكدة كذب الاتهامات التي تروجها تلك الصحف عن المسلمين.
 
وفي الولايات المتحدة ، انحاز ميردوخ انحيازاً صارخاً لإدارة جورج بوش الابن السابقة وخلال اجتياح العراق في العام 2003 وقفت صحف ميردوخ ومحطاته وشبكاته التي يملكها في الولايات المتحدة وخارجها جميعاً إلى جانب الغزو الأمريكي للعراق.
 
والخلاصة أن ميردوخ الذي يستحوذ على حصص في أكثر من 750 مؤسسة إعلامية في العالم ونقل مقر عمله الرئيس من استراليا إلى الولايات المتحدة وتصل عائدات إمبراطوريته الإعلامية اليوم إلى حوالي 40 مليار دولار سنويا بات يشكل الخطر الأكبر على العرب لأنه يقوم بالتغلغل غير المعلن في الثقافة والعقول وهذا تحديدا هو حلم إسرائيل الذي عجزت عن تحقيقه حتى الآن.