بعد كل من مسلة الملك ميشع التي سردت تاريخ حضارة بالغة القدم في الأردن طردت الغزاة وأسست لحضارة قوية, ومن ثم تناولت مخطوطات البحر الميت التي تعتبر القضية الشائكة والاكثر شهرة من الاثار الأردنية المسلوبة والمعروضة في المتاحف العالمية, فانه ومن خلال مجموعة الحلقات التي آثرت العرب اليوم على نشرها حول الاثار الأردنية المعروضة في المتاحف العالمية, فان العنوان الآخر والأبرز من هذا المضوع وسيتم التركيز عليه واجهة قصر المشتى.
فالكثير من الأردنيين يجهلون وجود تسمية لقصر المشتى كما لا يعلمون عن وجود واجهة ضخمة طولها 33 مترا مبنية على طراز بالغ الرقي يدل على تاريخ عربي اسلامي ابدع في الفن المعماري, وهي معروضة في متحفبرغامون في جمهورية المانيا الاتحادية.
فواجهة قصر المشتى التي تأتي ضمن الحلقة الثالثة من ضمن سلسلة الحلقات التي انفردت العرب اليوم الحديث عنها, فان رواية وصولها الى برلين تبدأ ابان حكم الدولة العثمانية, كما ان وصولها الى هذا المعرض العالمي لم يكن عن طريق السرقة بل كان على شكل اهداء تم منحه الى الحكومة الالمانية انذاك.
في بداية القرن العشرين قام خبراء ألمان بطلب من السلطان العثماني آنذاك عبد الحميد الثاني بمد خط سكة الحديد من دمشق إلى مكة المكرمة, حيث انه خلال الأعمال المساحية اللازمة لاتمام المشروع تم اكتشاف قصر المشتى, حيث شاهدوا أطلال قصر مميّز في الصحراء ذي واجهات مزخرفة.
وبعد اكتشاف هذا القصر تم اعلام واخطار الحكومة في برلين بهذا الاكتشاف والتي بدورها طلبت الحصول على هذه الواجهة التي يبلغ قياسها حوالي 5 امتار وبارتفاع طوله 33 مترا.
وعليه قام السلطان العثماني عبد الحميد الثاني انذاك باهدائها إلى القيصر فيلهلم الثاني, الذي بدوره أهداها إلى المتحف الملكي في برلين, وهي اليوم موجودة ومعروضة في متحف (برغامون) في برلين لتكون واجهة نواة القسم الشرقي في هذا المتحف.
ونظرا لعدم المقدرة على استرجاعها كونها تم اهداؤها, فان دائرة الاثار العامة قامت خلال العام الماضي بالتوقيع على اتفاقية مع معهد برلين للتكنولوجيا / متحف برلين, يقوم بموجبها المعهد وبتمويل من الحكومة الالمانية بصيانة وترميم قصر المشتى لمدة خمس سنوات وبتكلفة تصل 450 الف يورو, اضافة الى الشروع باعمال ترميم اخرى سوف تنفذها الدائرة للاسوار وبعض مرافق القصر.
ويقع قصر المشتى على بعد 30 كم جنوب مدينة عمان ويعتقد ان الذي بناه هو الوليد بن يزيد الثاني بن عبد الملك بن مروان عام (744¯743) (وقد يكون احد اسباب عدم اكتمال بنائه) . وتذكر المصادر التاريخيه ان الوليد بن يزيد الثاني كان منفياً من بلاط الخلافة عندما كان اميراً, وقد استقر في البادية الاردنية بالقرب من واحة الازرق, وينسب اليه بناء قصر عمرة.
وقد بنيت جدران القصر من الطوب المشوي (كقصر الطوبة) ويحيط به سور مربع الشكل بني من الحجارة الجيرية, طول ضلعه 150 مترا تقريبا, وفي السور 25 دعامة نصف دائرية لزيادة التماسك بين اجزائه, وتبلغ المساحة الكلية للموقع داخل السور 22 دونما تقريباً .
ويعتبر قصر المشتى من اكثر القصور الاموية انتظاما, فقد قسم من الداخل الى ثلاثة اقسام طولية بوساطة جدارين شمال / جنوب, ثم قسم القسم الاوسط الى ثلاثة اقسام, الاول القسم الجنوبي, وهو المدخل الرئيسي للقصر يبدأ بممر يفضي الى ساحة مربعة الشكل على جانبيها بعض الغرف والقاعات التي لا يوجد لها الا اساسات الان وقد خصصت احدى القاعات كمصلى لوجود محراب فيها, والثاني القسم الاوسط وهو ساحة مكشوفة لايوجد فيها عناصر معمارية, اما القسم الثالث والاخير فهو الشمالي ففيه قاعة رئيسية يتقدمها ممر امامه اربعة اعمدة مضلعة الشكل من الحجر الجيري يعلوها تاجيات مزخرفة (عمودان في الوسط يشكلان بداية الممر المؤدي الى المبنى الرئيسي, واثنان على جانبيهما اقل حجماً).
وفي نهاية الممر توجد قاعة العرش التي تتكون من ثلاث حنيات, واحدة في الجهة الشمالية والثانية في الجهة الشرقية والثالثة في الجهة الغربية, كما ويقسم البناء الى جناحين شرقي وغربي, وينقسم الجناح الشرقي الى جزءين تفصلهما قاعة كبيرة, اما الجناح الغربي فيتكون من جزئين ايضاً, جزء شمالي يتكون من غرفتين, وجزء جنوبي من اربع غرف تفصلهما قاعة والاسقف الموجودة والباقية لهذه الغرف كلها برميلية من الطوب المشوي.
والى الجنوب من القصر وعلى بعد 31.80 متر يوجد بقايا لبركة بنيت من الطوب المشوي كما يوجد الى الجنوب من البركة بقايا اساسات لابنية يبدو انها غير مكتملة البناء.
ومن العناصر المعمارية في قصر المشتى, الفتحات الدائرية الموجودة في الجدارين الشرقي والغربي للسور وكذلك في بعض غرف القصر الشرقية والغربية والشمالية وهي بشكل مائل للخارج, والتي يرجح انها لأغراض التهوية, أما وجودها في السور الشرقي والغربي فقد تكون لبناء لم يتم اكماله.
وبحسب العديد من الاراء فقد تم تزويد الموقع والخزانات بالماء عن طريق جلب المياه من بركة الجيزة على بعد 8 كم, أومن السد في القسطل على بعد 5 كم, أو من ابار تم حفرها داخل الموقع.
وما يميز قصر المشتى عن غيره هو واجهتاه الحجريتان المزخرفتان على جانبي المدخل الرئيسي في الواجهة الجنوبية, احدهما على الجزء الشرقي والاخر على الجزء الغربي للمدخل, وهما مزخرفتان بزخارف هندسية على الافاريز وتيجان الاعمدة وزخارف نباتية متقنة كالاوراق وسيقان الكرمة التي تلتف صعودا وهبوطا لتملأ الفراغ واشكال ادمية وحيوانية, وهذه الزخارف من مميزات فن العمارة الاسلامية, ولا يوجد منها الان سوى شريط زخرفي واحد.