صحيفة العرّاب

ثلث الأطفال العاملين ينتمون الى أسر مفككة

الطفلة (س.س) ذات السبع سنوات التي تعيش في خيمة ومع عائلة مكونة من والديها وسبعة أخوة تعمل متسولة في احد شوارع مادبا.

أما الطفل العامل "ع.ي.س" البالغ من العمر 14 عاماً فيعيش مع جدته بسبب وفاة والديه إذ انه لم يتمكن من إتمام تعليمه الابتدائي.
"ع" لم ينف تعرضه للإصابة بالأمراض والضرب والتحرش الجنسي والحوادث, وهو اليوم يعمل في محل بودي سيارات.
فيما الطفلة "ف.م" التي تبلغ من العمر تسع سنوات هي إحدى الفتيات العاملات في مسح السيارات في الشوارع وعلى الاشارات الضوئية. "ف" تسكن في خيمة مع تسعة أخوة, لم تعرف المدرسة لان والديها متوفيان, وليس هناك من يصرف على عائلتها.. جميع افراد الاسرة يعملون في مسح السيارات.
هذه بعض من القصص التي سردها تقرير حول عمل الأطفال في الأردن من زاوية حقوق الانسان. افصح المركز الوطني لحقوق الانسان عنه امس.
يسرد التقرير العديد من القصص المؤثرة, ولكن لعل حادثة وفاة الطفل "ع.م" البالغ من العمر (13 عاما) اثر حادث سير من الأمثلة الواقعية عن حالة الأطفال غير المرغوب بهم في أسرهم كانت الاكثر عنفا.
يقول المركز في التقرير تبين أن "ع" كان ضحية إهمال والده الذي رفض تحمل مسؤولياته تجاه أبنائه فهو يتيم الأم ويعاني من عنف اسري, فكان يفترش الطرقات في العطلة المسموح له بها لقضائها عند أسرته, ويعود في ساعة متأخرة من الليل حيث تعرض لحادث سير أودى بحياته.
هذا الاستشهاد دعا المركز الوطني التأكيد على الجهات المسؤولية ان من حق الطفل في الحياة وحقه في رعاية أسرية من قبل كل الوالدين أو احدهما بما يتناسب مع مصلحته الفضلى.
ويصنف التقرير عمل الأطفال ضمن اخطر الظواهر المجتمعية البعيدة التأثير, كونه يدفع بالعمالة الغضة والرخيصة الى سوق العمل مبكراً بحجة زيادة دخل الأسرة مما يتسبب بحرمان الأطفال من حقهم المشروع في التعليم الذي يعتبر حجر الأساس في فرص عمل افضل في المستقبل.
وأكد التقرير ان هناك علاقة بين عمل الأطفال والجنوح. وقال يعتبر عمل الأطفال شاهدا "على وجود ظواهر مجتمعية مختلة مثل الفقر والحرمان والتفكك الأسري مما يفسر نمو الأجرام في صفوف بعض الأطفال بسبب استغلالهم وتسخيرهم في أعمال غير مؤهلين لها جسدياً ونفسياً".
وأظهر التقرير ان عدد الأطفال العاملين الذين ارتكبوا جرائم يعاقب عليها القانون بلغ (1550) طفلاً من اصل (6452) حدثا جانحا لعام .2009
أشكال عمالة الاطفال
من بين اهم أشكال العمالة فئة الأطفال الذين يعملون في أعمال مضرة بهم وتشكل خطورة على صحتهم وسلامتهم من النواحي الجسدية والنفسية والمعنوية, منهم الأطفال العاملون لدى الأسر, والأطفال العاملون في فترة العطلة الدراسية, وأطفال الشوارع, والفتيات العاملات كخادمات في المنازل أو متسولات أو في الأعمال الزراعية, والأطفال المتسولون, والأطفال الملتحقون بالتدريب المهني
عمالة الاطفال: العامل الاقتصادي المتهم الاول
تحت عنوان أسباب عمل الأطفال قال التقرير ان السبب الرئيسي لعمل الاطفال هو العامل الاقتصادي اذ بلغ عدد الأطفال العاملين لأسباب اقتصادية (148) طفلاً من اصل (200) اي ما نسبته (74%), وتنسجم هذه النتيجة مع ما توصلت اليه نتائج المسح الوطني لدائرة الأحصاءات العامة , اذ تبين ان السبب الرئيسي لعمل الأطفال هو العامل الاقتصادي الذي تمثل بثلاثة نواحي وهي تحقيق دخل اضافي ومساعدة الأسرة ودفع الديون المترتبة عليها , حيث وصلت نسبة هذا العامل (70.6%) من مجموع اسباب عمل الأطفال , وتعتبر البطالة وقلة فرص العمل من الأسباب الاقتصادية الأخرى التي تدفع الأسر الى الزج باطفالها الى ميدان العمل.
كما يعتبر العامل التربوي والتعليمي عاملاً آخر من العوامل الرئيسية لعمالة الأطفال فقد بلغ عدد الأطفال الذين تعرضوا للعنف المدرسي (48) طفلاً من اصل مجموع الأطفال العاملين, اي ما نسبته حوالي ( 25% ), في الوقت الذي اشارت فيه نتائج المسح الوطني المشار اليه اعلاه الى ان (59%) من الأطفال العاملين تركوا المدرسة بسبب ضعفهم المدرسي وعدم اهتمامهم بها مما يعزز وجود علاقة قوية بين التسرب المدرسي وعمالة الأطفال.
وأشار التقرير إلى أن العامل المجتمعي يلعب دورا مهما في تفاقم ظاهرة عمل الأطفال, اذ أظهرت نتائج الرصد التي قام بها المركز الوطني أن ما نسبته (32%) من الأطفال العاملين ينتمون الى أسر مفككة, يضاف إلى ذلك الجهل ونقص المعرفة لدى الوالدين, ورفاق السوء.
يعمل 12 ساعة باجر اسبوعي 20 دينارا
واستشهد التقرير بالطفل "ج. ع" البالغ من العمر 14 عاماً, الذي يعمل في محل بناشر وغيار زيت في منطقة الزرقاء ومتورط في قضية سرقة صاروخ من محل لبيع الحديد.
ووفق التقرير فان تعليم هذا الطفل لا يتعدى المرحلة الابتدائية ويقطن مع والديه, ويعمل الأب حارساً في منطقة نائية ويعود للمنزل مرة كل أسبوعين والأم تعمل مراسلة بإحدى المؤسسات.
ونقل التقرير عن الطفل قوله "تركت المدرسة لأنه لا يوجد أحد يصرف على دراستي وخرجت من المدرسة لأسدد الديون التي علينا وشراء تلفزيون وفرشات للدار". ويحصل هذا الطفل الذي يعمل من الساعة 6 صباحاً إلى الساعة 6 مساء على 20 دينارا بالأسبوع.
ودعا التقرير الى تفعيل قانون مراقبة سلوك الأحداث رقم (37) لسنة 2006 للحد من نزوع الأطفال العاملين الى الجنوح والجريمة وتفعيل منع بيع الخمور والتبغ لمن هم دون الثامنة عشرة, وتخصيص فرق تفتيش خاصة بالأطفال العاملين من قبل وزراة العمل لها دور متجانس مع الجهات المعنية الأخرى مثل وزارة التنمية الاجتماعية وامانة عمان وذلك لغايات المتابعة في مجال حماية الأطفال والشباب مع التركيز على الدور الوقائي.
كما لا بد من إجراء الدراسات والأبحاث اللازمة بخصوص العلاقة ما بين عمل الأطفال والاجرام للوقوف على حجم المشكلة تمهيدا" لمعالجتها.
وأشار التقرير الى مؤشرات رقمية صادرة عن وزارة التنمية الاجتماعية لتصنيفات الأطفال العاملين والمتورطين في جرائم يخالف عليها القانون بحسب نوع المهنة اكدت أن اقل نسبة لعمل الأطفال هي في الأعمال الزراعية, اذ تنحصر ب¯ (24) طفلاً لعام ,2009 كما بلغ عدد الأطفال الجانحين والعاملين في اعمال ومهن حرفية مختلفة (1270) طفلاً, وبلغ عدد الأطفال الذين يعملون كعمال خدمات في القطاعات المختلفة (256) طفلاً.
اوصى التقرير بتوفير الضمانات القانونية لحماية الأطفال العاملين عبر استحداث نصوص قانونية في قانون العمل وقانون العقوبات تمنع الأطفال من القيام بالأعمال التي حددتها الاتفاقية الخاصة بأسوأ أشكال عمل الأطفال, على أن تشمل عقوبات جزائية لمن يحرض أو يشترك أو يتعامل مع الأطفال العاملين في هذا المجال و/أو يستغلهم بأي شكل كان.
كما دعا الى وضع عقوبات جزائية رادعة بحق المخالفين من أصحاب العمل وعدم الكتفاء بالغرامات المالية, ودعوة النقابات المهنية على التعاون مع القطاعات التي تتعامل مع الأطفال العاملين مثل وزارة العمل ووزارة التنمية الاجتماعية وامانة عمان وذلك في مجال الإجراءات المتعلقة بمعالجة هذه الظاهرة والوقاية منها.
المطلوب من "التربية " و"الصحة" و"العمل"
طالب التقرير وزراة التربية والتعليم بتفعيل إلزامية التعليم بالنسبة للأطفال طبقا" للتشريعات الوطنية التي تحث على إلزامية التعليم الأساسي, من خلال اعتماد صفوف شاملة للمتسربين مدرسيا على أن يمنح الطفل شهادة معتمدة تعادل شهادة التعليم الأساسي, واعتماد مبدأ التدابير غير السالبة للحرية في الأحكام الصادرة من قبل القضاة في قضايا الأحداث المخالفين للقانون والمتسربين مدرسيا وذلك بالحكم بمتابعة التعليم المنتظم أو ما يعادله وذلك تحت اشراف ومتابعة مراقب السلوك وفي حالة عدم الانتظام يحكم بعقوبة سالبة للحرية.
ودعا "التربية" الى مساعدة الطلاب الفقراء بمعونة مالية تغطي النفقات الأساسية لفترة التدريب المهني لحثهم وتشجيعهم على الدخول الى سوق العمل بصورة مشرفة وواعدة.
وطالب بتعاون الجهات المعنية لمعالجة أوضاع اسر الأطفال العاملين مثل وزارة التنمية الأجتماعية ووزارة العمل, لافساح المجال لهم لأحتواء ابنائهم لضمان مستقبلهم المهني والمجتمعي.
وحث وزارة الصحة ووزارة العمل التأكيد على شمول الأطفال العاملين بالرعاية الطبية اللازمة من خلال تعديل الجدول الملحق بقانون العمل والقاضي بتحديد (31) مرضاً مهنياً ضمن جدول معتمد لهذه الغاية مما يرفع غطاء الحماية القانونية لأطفال قد يتعرضون لأمراض غير مدرجة في الجدول بسبب صغر سنهم, أو ان يتم التعديل بإضافة نص يتعلق بإثبات العلاقة السببية بين المرض والمهنة عن طريق لجنة طبية مختصة, وقيام وزارة العدل بالتوعية بمخاطر جريمة الاتجار بالبشر وكيفية التعرف على هذه الجريمة من خلال وسائل الاعلام المختلفة.
وبمخاطبته وسائل الأعلام الرسمية وغير الرسمية وخاصة المسموعة والمرئية منها حثها على اهمية التعليم للأطفال وخاصة الفتيات منهم.
واستخلص المركز الوطني من الدراسة عددا من النتائج ابرزها أن جميع الأطفال العاملين الذين تمت مقابلتهم اثناء عملية الرصد يسخّرون للقيام بأعمال خطرة تضر بصحتهم, وأن ما نسبته 64% يعملون ما يزيد على (6) ساعات يومياً.
ووفق النتائج فقد بلغ عدد الأطفال العاملين بعد الساعة الثامنة ليلاً (20) طفلاً من اصل (200), مشيرا إلى عدم وجود بيانات عن الأطفال العاملين على الإطلاق لأي من أصحاب العمل الذين يسخرون أطفال للعمل لديهم.
حالتا اتجار بالأطفال
ورصد المركز حالتي اتجار بالأطفال ادت الى وفاة فتاتين, اذ تم استحضارهما من إحدى الدول الشقيقة من قبل بعض المقاولين في أعمال الزراعة للعمل في مزارع نائية وفي ظروف قاسية دفعتا حياتهما ثمناً لها.
وتبين للمركز ان القسوة على الأطفال العاملين لا تقتصر على أصحاب العمل فقط, وإنما تتعدى ذلك لتصل إلى أفراد أسرة الطفل.
كما تم رصد انتهاكات تتعرض لها الفتيات اللواتي لم يتمكن من ممارسة التحصيل العلمي بسبب قلة وعي الأهل بالعمر المحدد للدخول إلى المدرسة وبسبب الفقر, فقد رصد المركز حالة فتاة في التاسعة من عمرها تعمل في مسح زجاج السيارات في مادبا ولم تلتحق بالمدرسة عند اعداد هذا التقرير.
وبلغ عدد الأطفال العاملين الذين تعرضوا للعنف المدرسي بنوعيه اللفظي والجسدي (48) طالبا من اصل (200) بحسب عملية الرصد التي قام بها المركز اي ما نسبته (24%). وأفصح عدد من الأطفال تعرضهم لممارسات جنسية ولا أخلاقية تمارس بحقهم أثناء العمل.