المغالاة في المهور وتعنت الأهل وشروط العروس أهم الأسباب
سلوى:»رفضت الكثيرين لأسباب تافهة.. وعنجهيتي سبب تعاستي»
عازبات: الوحدة مرة والمجتمع لا يرحم
نسرين: «أعيش أنا والحبوب المهدئة.. وسامح الله والدي»
سائدة: اريد ان اتزوج فالوحدة خانقة والعنوسة شبح يطاردني
أيمن توبة
«عانس»... كلمة واحدة، والضحايا كثر، والمتهم الأول هو الكلمة ذاتها، بثقلها على لسان صاحبتها وفظاظتها في توصيف نساء بات عددهن في المملكة يقارب مئة ألف، هن بيننا، ابنة وأختا وقريبة، وزميلة عمل، حرمن فرحة الزواج وطعم الأمومة، ودفء الأسرة. أسباب العنوسة في مجتمعنا باتت معروفة، وتكاد الآراء تجمع على أنها تنحصر في الصعوبات المادية والشروط التعجيزية من قبل الأهل و»العانس» نفسها قبل أن «ينعم» عليها بهذا اللقب، فتتملكها الحسرة على الفرص الضائعة. «المواجهة» تفتح ملف العنوسة، وتسأل عن مشاعر أصحابها، والطرق الكفيلة بمعالجة هذه الظاهرة نظرا لما لا يخفى من آثارها الاجتماعية والنفسية المدمرة على المجتمع ككل.
** المغالاة في المهور.
خولة أحمد (موظفة) قالت لـ»المواجهة» ان الأسباب كثيرة ومنها الوضع الاقتصادي السيئ الذي نعيشه، فهذا يعد سببا اساسيا ورئيسا في عزوف الشباب عن الزواج، وكذلك المغالاة في المهور، فنادرا ما تجد عائلة او رب اسرة يطلب مهرا مناسبا او معقولا من شاب امضى سنوات في العمل لتكوين نفسه وتوفير تكاليف الزواج.
** «عنجهيتي» سلوى ابو اليمن
تعمل معلمة قالت: امضيت سنين وانا انتظر شابا متعلما وصاحب منصب ويملك مالا، حتى فاتني قطار الزواج، واصبحت الان املك لقب «عانس»، عمري الان 37 عاما، وانتظر الان اي شخص ليتقدم ويطلب يدي، ولكن من دون جدوى. وأكملت ابو اليمن حديثها (للمواجهة): لقد عاقبني الله على (عنجهيتي)، فقد رفضت سابقا شبابا كثرا، لاسباب أعدها الان تافهة، فانا الان انتظر اي شخص ليتقدم لخطبتي، وانا موافقة ان يتقدم لخطبتي ارمل او كبير في السن، او متزوج من اخرى. وباي مفتوح للجميع جراء الثمن الباهظ الذي دفعته بسبب فوقيتي الكاذبة وتمسكي بالقشور والاحلام الخادعة.
** نظرة الناس. سائدة خالد
تعمل موظفة في بنك قالت: لقد تجاوز عمري الثلاثين عاما وكل زميلاتي وصديقاتي تزوجن الا القليل منهن فأصبت بالإحباط والخوف من أن تجري السنين دون أن أتزوج، ولان نظرة الناس تلاحقني وتتهمني على الرغم من جمالي الفائق، قررت أن اتزوج ولو على حساب رغباتي وطموحاتي، فكل ما كان يهمني هو التخلص من كثرة القيل والقال. وتواصل: مع أنني في بداية عمري رفضت كثيرين جاؤوا لخطبتي لكنني كنت أرفض مبدأ الزواج قبل تحقيق ذاتي والوصول إلى اهدافي لإيماني بدور المرأة وتأثيرها في المجتمع. وتكمل: أتألم كثيراً عندما أرى نظرات الناس ترشقني بالاتهامات وأرى فيها الكثير من الاستفهامات وأسئلة تخبئها ألسنتهم وتشكيكا في سمعتي. وتصرخ قائلة: أريد أن أتزوج حتى أثبت للناس حسن أخلاقي.. فالوحدة شيء مخيف والعنوسة شبح يطاردني.
** مشروع العمر. ابراهيم حسن عبدالخالق (33 عاما)
يعمل موظفا، قال: ما زلت أخشى فكرة الارتباط، فمشروع الزواج أصبح مقلقا نوعا ما، ومشروع العمر بحسب التعبير الدارج، فأنا في الحقيقة متخوف قليلا من تجارب اخوتي واصدقائي الذين سبقوني في الزواج، فهم يعيشون بنكد دائم، وضيق ذات اليد، فمتطلبات الحياة لا تنتهي، والراتب (على قد الحال) ولا استطيع بهذا الراتب الزهيد ان ارتبط او ان افكر مجرد تفكير بموضوع الزواج، فالزواج بحاجة الى تكاليف باهظة، من خطوبة ومهر وصالة، وتأثيث بيت الزوجية، فانا والحمد لله لا أملك شيئا، فكرت مليا بأن ألجأ الى البنوك ولكن لا استطيع ان اسدد قيمة القرض بعد الزواج. ويضيف لـ»المواجهة» وقد بدا على وجهه الضيق «للأسف، أصبح الزواج بالنسبة للبعض من الاهالي عبارة عن مشروع العمر، فما ان يتقدم الشاب لخطبة ابنتهم حتى ينهالوا عليه بالطلبات والمهر المرتفع، ولا اقول الا حسبي الله ونعم الوكيل».
** فرص محصورة. سامي محمود الرمحي (40 عاما)
يعمل عاملا باحد المصانع قال: ما زلت أعزب، وانا بفعلا لا افكر بالزواج، مع انني اتقدم في العمر، وفرصي باختيار الزوجة المناسبة اصبحت قليلة او بالاحرى محصورة، وهذا لأن راتبي لا يكفيني وحدي، فكيف بعد ان اتزوج وارزق باطفال، (سوف اشحد)، للاسف اصبح الشاب لا يستطيع ان يوفر متطلبات الزواج، ولا تكاليف العرس من مهر وتوابع. ويعيد الرمحي السبب الى الوضع المادي السيئ، الذي ارغمه وارغم غيره من الشباب على الاقلاع عن فكرة الزواج.
** سامح الله والدي. نادية توفيق محمد (38 عاما)
تعمل معلمة قالت: ما زلت انتظر بفارغ الصبر ان يتقدم احد لخطبتي، ولكن انتظاري عبث. وتكمل نادية قولها: فاتتني فرص كثيرة، والسبب يعود لوالدي سامحه الله ورحمه، فقد ضيع عليّ فرصا كثيرة، وقد تقدم إليّ شباب كثر وانا في العشرينيات، ولكن تعنت والدي وإصراره على مساهمتي في مصروف البيت هو السبب في رفضه لجميع من تقدموا لخطبتي، وقد توفي والدي قبل 6 سنوات ولكن ما قد فات لن يعود، عمري الان 38 عاما، واصبحت اعيش وحدي، فوالدي ووالدتي توفيا واخواني تزوجوا وانا الان أعيش الوحدة والقهر والتحسر، وكل ما اتمناه هو ان يكون لي ولد او بنت، واتمنى من الله ان اتزوج لاتخلص من وحدتي. وتضيف في بسمة ساخرة «في النهاية (ظل راجل ولا ظل حيطة)».
** الوحدة مرة أسمى غازي عبدالله (29) عاما
تعمل ممرضة قالت ان السبب في عزوبيتها الى الان هو تعنتها ورغبتها في ان تحصل على فرصة مناسبة لها. وتقول «كنت أتمنى شابا أنيقا وجميلا ومتعلما ومن عائلة عريقة وغنية، ورفضت فرصاً كثيرة عرضت عليّ، أما الان، ومع مرور الزمن فلن اعترض على اي شخص مناسب يتقدم اليّ، فالوحدة مرة، والغالبية من صديقاتي واخواتي تزوجن ورزقن باطفال، ويعيشن حياة سعيدة مع ازواجهن واطفالهن، فالزواج سنة الله في خلقه، والوحدة قاتلة، خاصة للانثى».
** «الله يكون بعون الشباب». نسرين أيوب عيسى (42 عاما)
تعمل محاسبة في شركة قالت: سامح الله والدي، فتعنته وصلابة افكاره أوصلتي الى ما أنا عليه الان، فقد تقدم لخطبتي أناس كثر، ولكن ابي كان دائما يطلب مهرا مرتفعا نوعا ما، وكما تعرفون فالاوضاع صعبة، (والله يكون بعون الشباب)، كان أبي دائما يقارنني ببنات عمي وبمهورهن، وكنت اعترض كثيرا لكن ابي دائما كان متعصبا لرأيه، حتى فاتني القطار، والان انا وحيدة اعيش انا والحبوب المهدئة.
الخزاعي: الفكرة تتغير وليست كل متزوجة سعيدة.
أستاذ علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية، الدكتور حسين الخزاعي يرى أن الفكرة تتغير بتغير الزمن، وأن النظرة الى المتزوج والأعزب بصرف النظر عن جنسه، باتت ترتبط بنظرة هؤلاء أنفسهم للزواج. واعتبر أن المشكلة لم تعد ترتبط فقط بتقدم العريس أو لا وإنما باتت ترتبط أيضاً بعزوف الشباب والفتيات عن الزواج، بكامل اختيارهم.
ويضيف الخزاعي: إن الزواج في الماضي كان ضرورة واجبة لتحقيق معايير الرجولة ولإثبات الوجود إلا أن النظرة تغيرت تماماً وما عاد الحديث عن المرأة كمجرد زوجة إنما كشريك يبحث عن شريكه المناسب. وأشار الى أن الفتاة في السابق كانت تحقق طموحها من خلال زوجها إلا انها باتت في الوقت الحالي تحقق طموحها بمفردها بعيداً من مساندة الرجل مما غيّر نظرتها وموقفها من العريس المناسب.
ويعزو سبب تأخر سن الزواج عند الفتيات لمحاولتهن اختيار الأنسب، بعد انفتاح المجتمع وتقدمهن في سوق العمل والعلم، فضلاً عن اختلاف متطلبات الحياة عن السابق. ولفت الى أن العنوسة لم تعد ذلك الشبح الذي يخيف الفتيات على رغم وجود 98 ألف فتاة تخطين الثلاثين سنة في انتظار اللحاق بقطار الزواج، وأكثر من 105 آلاف شاب لم يتزوجوا بعد في هذا العمر، بل أصبحت حالة مقبولة لدى العديد من أبناء المجتمع. ويوضح: في الوقت ذاته أن مصطلح العنوسة له وقعه السلبي على نفسية الفتاة، إذ يجعلها منعزلة اجتماعياً ويشعرها بالضيق الشديد وبالنقص.
ويضيف: العادات والتقاليد الموروثة الخاطئة هي التي تطلق على الفتيات اللواتي لم يتزوجن لقب عانس وهي كلمة قاسية في حق الفتاة التي لا تمتلك حق طلب الزواج وتحديد الوقت والزمان للزواج، على عكس الشاب الذي يطلق عليه لقب أعزب حتى لو كان في عمر الشيخوخة وهو يمتلك حق الزواج والطلاق السريع والفوري. ويشير الخزاعي إلى أن أسباب العنوسة كثيرة ولكن أبرزها الشروط الكثيرة التي بات يضعها الأهل ومطالبهم التي لا تنتهي في الكثير من الحالات كالمهور المرتفعة والمقدم والمؤخر والذهب والأثاث... وجميعها محددات غالباً ما تبدد أحلام الشباب وتفوّت الكثير من الفرص على الفتيات. ويرى الخزاعي أن الفتاة باتت سبباً رئيساً في وضع العراقيل والمحددات متمسكة بصورة نمطية في مخيلتها لعريس المستقبل رافعة سقف توقعاتها إلى أقصى حدود الحلم، والنتيجة عشرات الفرص الضائعة وعمر يضيع في الانتظار وأحلام وردية تبددها الكوابيس المزعجة وشبح العنوسة البشع. وينصح الخزاعي العازبات بتقديم أنفسهن للمجتمع بكل ثقة وجرأة، ويطالب المجتمع بتحفيزهن، ويذهب إلى القول انه ليست كل متزوجة سعيدة، بل ان كثيرا من المتزوجات تفوق معاناتهن مشاكل العازبات.