صحيفة العرّاب

توقعات بمفاجآت من داخل الغرف المغلقة بين السفارة الأمريكية والأحزاب والمعارضة

اعتادت الدبلوماسية الاردنية ومعها حلقة رؤساء الوزارات على ترديد العبارة التي تلفت نظر الرأي العام دوما الى عدم وجود 'لغتين' في الموقف السياسي الاردني من مختلف القضايا والملفات بل لغة واحدة تقال علانية وتتردد في الغرف المغلقة، رغم ايمان الجميع بأن الجسم الصحافي وخلفه الرأي العام لا يعرفان كل ما يقال في هذه الغرف.

وهذه الفلسفة في التعاطي مع الرأي العام عموما تواجه حاليا التحدي الابرز المتمثل في تسريبات وثائق ويكيليكس التي لا زالت حصة الاردنيين منها صغيرة بل نادرة، رغم ان الدبلوماسية الاردنية نشطة جدا طوال السنوات الماضية وفي عمق المعادلات والملفات الاساسية في المنطقة.
وخلال اليومين الماضيين فقط ومع ايمان الاردنيين بأن موجة التسريبات لن تقف بكل الاحوال وستتواصل رغم الحملة الامريكية الدعائية التي تشن على موقع ويكيليس ومؤسسيه تزايدت مخاوف ساسة اردنيين ومسؤولين وحتى بعض اقطاب المعارضة من رؤية اسمائهم قريبا على الشبكة العالمية مع عبارات قالوها جميعا في الغرف المغلقة للطاقم الدبلوماسي الامريكي النشط في سفارة واشنطن في عمان.
عمليا لا توجد ضمانات تخص الاردنيين في هذا الاتجاه فتوقعات بعض المخضرمين في الدبلوماسية الاردنية مثل عبد الاله الخطيب وصلاح الدين البشير، وكلاهما وزير خارجية سابق ان الحصة الاردنية في التسريبات قد تزيد قليلا وان كانت لا تكشف سرا كبيرا بكل الاحوال بسبب الوضوح العام الذي تتميز به المواقف الاردنية قياسا بغيرها، كما قال البيان الرسمي اليتيم الذي صدر تعليقا على التسريبات.
لكن ذلك وفقا لدبلوماسي اردني مخضرم تحدث لـ'القدس العربي' قد لا يمنع قراءة مفاجآت قريبا بعناوين لاردنيين او لها علاقة بعمان على الشبكة العالمية، فوثائق التسريبات التي تبلغ العالم بمضمون الحوار القصير بين الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وجلاديه الذين اعدموه في لحظات عمره الاخيرة قد تنطوي، حسب الدبلوماسي، على اراء ونقاشات حساسة قيلت في غرف مغلقة مع شخصيات اردنية سواء في عمان او في اي مكان آخر.
والمفارقة في عمان اليوم ان مخاوف ظهور المزيد من تسريبات الحصة الاردنية الصريحة لا تشمل في الواقع المسؤولين الرسميين فقط فالنشاط 'المعلوماتي' للسفارة الامريكية النشطة جدا في عمان شمل طبقة كبيرة من رجال الاعمال والسياسيين المستقلين ونشطاء النقابات المهنية والاحزاب والاهم شملت اتصالات واجتماعات سابقة وعلنية في الواقع اقطاب المعارضة الاسلامية الاردنية، مما يعني عمليا بأن تسريبات ويكيليكس لو قدر لها تقديم المزيد عن الحصة الاردنية فسيشهد الجميع مفاجآت قد لا تكون معنية فقط بأركان الدولة والقرار.
المعروف والعلني في عمان ان مسؤولي سفارة واشنطن في العاصمة الاردنية 'تواصلوا' عدة مرات مع قيادات في الحركة الاسلامية المعارضة وغيرها من الاحزاب المناكفة، وانهم تواصلوا مع بعض اقطاب المعارضة ورموز حركة حماس ونشطاء المجتمع المدني وحتى مع بعض نشطاء المتقاعدين ورموز اليسار.
والمعروف ان بعض نشطاء الفريق الدبلوماسي الامريكي اقام افطارات رمضانية وعشاءات مغلقة وظهر في مطاعم عامة مع وجبات افطار في عمان وشارك في ندوات وحضر اجتماعات في منازل بعض الشخصيات الرسمية والشعبية.
كل ذلك قد ينتهي بحزمة كبيرة من الملاحظات التدوينية التي تحولت على الارجح لبرقيات دبلوماسية يمكن ان تكون جزءا من منظومة ويكيليكس.. لذلك لا تقتصر مخاوف الترقب عند النخبة الاردنية على رجال الدولة والحكومة الذين ظهرت اسماؤهم وهم خسمة اشخاص فقط حتى الان لم يصدر عنهم ما هو خطير او حساس او استثنائي جدا او يكشف اسرارا غير مألوفة.
ويبدو ان هذا الكم المتوقع من البرقيات والوثائق في المحطة الاردنية هو الذي دفع الخارجية الامريكية لارسال مسؤولها اداوارد غنيم وهو سفير واشنطن السابق في عمان واهم الخبراء فيها في مهمة 'تطمينية دعائية' على الارجح.
غنيم الذي اطلق علية الاسلاميون لقب 'الحج غنيم' ونشر اسمه عشرات المرات بهذا الوصف في عمان حضر فجأة واقام مؤتمرا صحافيا لم تفهم مغازيه واهدافه السياسية حتى اللحظة.
وفي هذا المؤتمر الصحافي تحدث غنيم بمسألتين فقط تثيران ريبة الفصحاء في عالم المعلومات والسياسة الاردنية الاولى قوامها الاعتراف التالي: نعم السفارة الامريكية في عمان من اضخم السفارات في المنطقة.. لكن الثانية هي الاهم: لكن اطمئنكم انها السفارة الاقل 'ابراقا'.
هذه الرسالة السياسية التي كلف بها غنيم باغتت المراقبين السياسيين في البلاد واعادت انتاج التساؤلات المرتابة بقصة التسريبات برمتها مع ان الحصة الاردنية في الوثائق المسربة تتزايد ببطء، فبعد ظهور تصريحات لزيد الرفاعي ولمروان المعشر ولصلاح البشير ظهرت القصة الامريكية المتعلقة بمباريات كرة القدم بين فريقي الفيصلي والوحدات وتحت عنوان يتحدث عن 'بلطجة' تستهدف الاردنيين من اصل فلسطيني.
وهو تعبير لم يستخدمه ولا يشعر به في الوافع حتى اكثر المستائين في البلاد من اهازيج كرة القدم التي تسيء للوحدة الوطنية، خصوصا وان تجاوزات جمهور فريق الفيصلي تقابلها في الواقع تجاوزات لا تقل حدة مماثلة من انصار فريق الوحدات.
القدس العربي