يسجل توجه المساكن من المدينة الى الريف حضورا لافتا بعد ان دفع غلاء اسعار العقارات (الاراضي والشقق) الى النزوح عن المدينة باتجاه الريف بحثا عن مساكن اقل تكلفة من المدينة التي قفز مؤشر اسعارها الى ارقام فلكية تجاوزت المليون لسعر الدونم الواحد في محيط جامعة اليرموك و80 الف دينار للدونم في اطراف المدينة الغربية والجنوبية والشرقية الجنوبية.
وادى ملل البعض من المدينة وضجيجها وماديتها, واكتظاظها بصناديق الاسمنت المسلح (العمارات) التي باتت تصادر حق الناس في حياة برية خالية من الصخب والضجيج الرحيل الى امكنة برية تحيط بها الطبيعة في ريف اربد بحثا عن مساكن تتسم بروح بيئية نظيفة بعيدا عن التلوث والضجيج.
ولم تترك المدنية وتطورها في اربد على حالها او الحفاظ على بقايا روحها الطبيعية بعد غزو واسع النطاق للاسمنت الذي اطاح بمعالم المدينة وحولها الى كتل وكونتونات اسمنتية بلهاء لا تنطق الا بلغة الارقام والمال, مما دفع بهذا القرار من المدينة ومدنيتها توجه البعض من متوسطي الدخل والحال نحو الريف بقصد السكن للفكاك من متطلبات المدينة المثقلة بلوائح ومطالب لا تنتهي عند حد.
وتجيء رغبات العديد في الهجرة من المدينة الى الريف بعد استفحال اسعار الاراضي والشقق السكنية الى جانب فقدان المدينة لوسائل الجذب السكاني مولدة بذلك شعور الاغتراب عن المدينة والاقتراب من الريف بحثا عن ملاذات طبيعية تمنح الناس الشعور الدافئ.
يذكر ان مشروع "سكن كريم لعيش كريم "اختار ايضا اطراف المدينة لبناء مشروعاته السكنية التي اتخذت جنوب المدينة بالقرب من جسر النعيمة عنوانا ومقرا لها وسط آلاف الدونمات الزراعية المتصالحة مع البيئة النظيفة.
ويشكل الدافع الاقتصادي احد ابرز دوافع الهجرة الى الريف المجاور واطراف المدينة, بيد ان عوامل عديدة ادت ايضا الى تعزيز هذه الدوافع وفق ما يؤكده رئيس بلدية اربد الكبرى المحامي عبدالرؤوف التل الذي اشار الى اهمية البيئة ونظافتها بعيدا عن تلوث ناتج عن مركبات وازعاجات تنتج عن طبيعة المدينة وخصوصيتها مبينا التل ان الفضاء المفتوح والطبيعة الخلابة والاخضرار كل ذلك من الاسباب التي ادت الى تعميق مفهوم الهجرة من المدينة الى الريف.
وتتسع مدينة اربد ديمغرافيا افقيا وعموديا, بشكل يشبه حالات القفز والسير السريع باتجاه التوسع الذي اصبح خارج نطاق السيطرة بسبب عوامل جذب اقتصادية وطلابية خاصة في منطقتي الجنوب والجنوب الغربي والشرق بحكم وجود 5 جامعات في المحافظة الى جانب مدينة صناعية تضم اكثر من 20 الف عامل وعاملة تشكل فيها الايدي العاملة الاردنية اقل من 30% وبرواتب لا تزيد على 180 دينارا شهريا في احسن الاحوال.
ولم تقتصر الهجرة الى الريف على اصحاب الدخل المحدود بل تعدى ذلك الى اصحاب الدخل المرتفع نسبيا بحثا عن مساحة من الارض تحيط بالسكن بقصد استغلالها كبستان زراعي وحديقة وربما مسبح خاص في بعض الاحيان بعيدا عن كونتونات الاسمنت المسلح والشقق السكنية التي باتت تشكل اختناقا نفسيا لساكنيها ناهيك عن ارتفاع اسعارها غير المبرر.
ويتراوح سعر الشقة السكنية التي لا تزيد على 150 مترا مربعا في الاحياء الجنوبية من المدينة بين 40 و60 الف دينار حسب موقع الشقة استنادا الى حكمة :"الارض بتفرق بالشبر" اضافة لتشطيبات فاخرة او عادية وفق المقاييس التجارية للمشاريع السكنية.
وبرزت في السنوات الخمس الاخيرة ظاهرة شراء الاراضي الجماعية من قبل هيئات اكاديمية جامعية وزراعية هندسية ونقابية مهنية بفروع محددة في اطراف المدينة القريبة من ريف اربد بقصد استثمارها مساكن لتلك التجمعات على المدى الطويل بعد تأمين تلك الاراضي بمستلزمات الحياة من احداثيات هندسية وتنظيمية وخدمية.
وفي الوقت الذي تزداد فيه الهجرة من المدينة الى الريف, يهجر عدد من ابناء ريف اربد بلداتهم نحو المدينة لاسباب وظيفية في القطاعين العام والخاص اضافة الى امتلاك بعضهم تجارة عامة في المدينة تفرض عليهم البقاء قريبا من اماكن عملهم حتى وقت متأخر من الليل, وتستحوذ العاصمة عمان ومدينتا اربد والزرقاء العدد الاكبر باستقطاب ابناء ريف اربد بسبب ظروف عملهم.
وسجلت مبيعات الاراضي المستخدمة لاغراض مساكن شخصية في مدينة اربد تراجعا في السنتين الاخيرتين بسبب ارتفاع اسعارها خاصة جنوب وغرب المدينة وشرقها وجزء من شرقها الشمالي وتقدمت حركة مبيعات الاراضي هناك لصالح الاستثمارات السكنية والشقق السكنية والطلابية, في حين شهد شمال المدينة اقبالا نسبيا على حركة مبيعات الاراضي نظرا لفارق السعر هناك اذ وصل سعر دونم الارض في شمال المدينة نحو 55 الف دينار في حين سجل سعر الدونم في الجنوب والغرب والشرق نحو ضعفي هذا السعر.
يذكر ان مدينة اربد قد اتسعت افقيا بجميع الاتجاهات اكثر من 20 ضعفا خلال العشرين سنة الفائتة, وقفزت عدد بيوتها الى اكثر من 400 ضعف لنفس الفترة فيما اتسع تمددها العمودي (العمارات السكنية) الى حد الاطاحة بملامح مدينة اربد القديمة على حساب بيوتها واداراتها القديمة التي تشكل احد ابرز علامات المدينة الجغرافية.
وشهدت المدينة خلال العشر سنوات الاخيرة حركة هجر لبيوت قديمة لم تشهدها المدينة من قبل لصالح تقدم الاسمنت المسلح والمشاريع التجارية وعمارات الطوابق العليا دون اي مراعاة لخصوصية المدينة ضمن مخططات هندسية تحافظ بالقدر المطلوب على طابع المدينة التاريخي.
ويحمل مثقفون ونقابيون ومهندسون هذا القصور الهندسي لبلدية اربد الكبرى ومجالسها الثلاث الاخيرة التي لم تشدد على ضرورة الحفاظ على هوية المدينة على نحو افضل.