صحيفة العرّاب

النخبة التجارية العراقية تزدهر في ملاذها الآمن بالاردن

في مكتبه الفاخر في منطقة حرة في الاردن يتلقى رجل الاعمال العراقي صاحب الحداد طلبيات لشراء انتاج مصنعه الجديد للحليب المجفف من تجار في بغداد.

 وتستقبل الزوار لوحة لنهر دجلة البديع وأشجار النخيل الوارفة التي تبعد مئات الاميال عن مصنع الحداد في منطقة اعادة التصدير الاردنية المتربة.
 
ويستعيد الحداد وهو من أسرة تجارية شيعية عراقية بارزة ذكريات طفولته في النجف وعقود من الحرب والعقوبات والعزلة. لكن بالرغم من انحسار العنف في بلاده وانتعاش الاقتصاد وان كان على نحو بطيء يقول الحداد ان شركته (الهلال) لمنتجات الحليب ستبقى في الاردن.
 
وأضاف في مصنعه الذي يقع على الطريق الرئيسي الذي يربط البلدين "لا يزال العراق سوقا غير امنة... لن ننتقل أبدا من الاردن لكننا قد نتوسع من الاردن للعراق."
 
ولجأ الالاف من رجال الاعمال العراقيين الى الاردن في التسعينات حينما أصيبت بلادهم بالشلل نتيجة القصف الامريكي والعقوبات الاقتصادية التي فرضتها الامم المتحدة بعد غزو الكويت. وفجر الغزو الامريكي للعراق عام 2003 مزيدا من الاضطرابات.
 
وتوسعت المنطقة الحرة في الزرقاء على مشارف العاصمة الاردنية عمان بعد أن تحولت المملكة الى ملاذ امن للانشطة التجارية العراقية من شركات المقاولات الى المطاعم المتخصصة في تقديم "سمك المسقوف" وهو طبق عراقي تقليدي شهير.
 
وأسس كثير من الاثرياء العراقيين مشروعات مشتركة في الاردن مع شركات عالمية لتزويد بلدهم بالمنتجات والخدمات. وتوسع بعضهم من تلك القاعدة ليدير أنشطة تجارية في أنحاء الشرق الاوسط.
 
وضخ مستثمرون عراقيون مليارات الدولارات في الاقتصاد الاردني على مدار العقدين الماضيين من بينهم الخوام واخوانه - ولهم أنشطة تجارية وصناعية وكان يدعمهم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين - وجواد القصاب رجل الاعمال الشهير الذي يمتلك فنادق وعائلة "البنية" التجارية المعروفة.
 
ولا يفكر سوى عدد قليل من رجال الاعمال في اعادة فتح صناعات أغلقت بعد العقوبات التي فرضت على العراق بعد غزو الكويت عام 1990 وهو ما يتناقض مع شركات النفط الكبرى التي هرعت لاقامة وجود لها في البلاد التي تقبع فوق بعض من أكبر احتياطيات الخام في العالم.
 
ونظرا لافتقارها للموارد الامنية التي تتمتع بها شركات النفط الكبرى فان الشركات المملوكة لعائلات عراقية أكثر عرضة لمخاطر الخلافات الطائفية والعرقية التي لا تزال تعصف بالبلاد.
 
ويقول نبيل رسام رئيس شركة نبيل للصناعات الغذائية الذي تحولت شركة عائلته الى واحدة من أكبر شركات اللحوم المصنعة في المنطقة بعد عقدين من العقوبات التي أصابت عمليات الشركة في بغداد بالشلل ان العراق لا يزال مكانا محفوفا بالمخاطر بالنسبة للانشطة التجارية.
 
وأضاف رسام وهو مسيحي عراقي "عندما يسود الامن وتتوفر الكهرباء يمكننا أن نفعل شيئا. ليس من السهل الان النجاح في العراق.. تحتاج الى استقرار."
 
وتلقى منتجات الشركة رواجا في الاردن وسوريا ولبنان فضلا عن العراق بالرغم من اغلاق مصانعها في العراق منذ سنوات.
 
وتوسعت عملياتها الرئيسية في الاردن مؤخرا وتضاعف انتاجها من اللحوم المصنعة المجمدة عالية الجودة الى نحو ثلاثة أمثاله الى 90 طنا يوميا. وتصل صادراتها الى الخليج وأسواق في اوروبا والولايات المتحدة.
 
وفاز العديد من رجال الاعمال العراقيين في الاردن بعقود من الباطن مع شركات نفطية تعمل في العراق. لكن بالرغم من تنقلهم بين البلدين يشعر معظمهم بالقلق من الانتقال الى العراق بشكل دائم.
 
وحتى اذا تحسن الامن لا تزال هناك عقبات كبيرة امام الاعمال في العراق مع تدهور البنية التحتية جراء سنوات من الحرب والعقوبات وقلة الاستثمارات وفي ظل معاناة الاقتصاد من النقص في طاقة توليد الكهرباء.
 
وخلقت طبقة رجال الاعمال العراقيين أجواء خاصة بها في العاصمة الاردنية وتنتشر قصورهم في المناطق السكنية الراقية في عمان.
 
وتوضح سجلات الاراضي أن العراقيين على رأس قائمة مشتري العقارات من غير الاردنيين اذ أنفقوا أكثر من 250 مليون دولار في العشرة شهور الماضية من العام.
 
وضخ الوافدون العراقيون مليارات الدولارات في أصول عقارية أو أسهم أردنية. ويملكون حاليا نصيبا كبيرا من الودائع المصرفية في المملكة والتي يصل حجمها الى 18 مليار دينار (25 مليار دولار).
 
لكن بعض رجال الاعمال يقولون ان الاردن ربما بدأ يفقد جاذبيته بسبب القواعد المشددة لمنح التأشيرات والاقامة والتي أدت الى هروب رؤوس أموال الى وجهات أكثر جاذبية في دبي ولبنان. كما أن البيروقراطية تنفر المستثمرين العراقيين.
 
وقال عباس شمارة وهو رجل أعمال عراقي بارز يملك أعمالا مرتبطة بالمرافق والطاقة "طالما أبلغنا اخواننا الاردنيين انه ينبغي لهم عمل المزيد لجذب رجال الاعمال بدلا من دفعهم للهرب الى أماكن أخرى."
 
وتخسر المصارف الاردنية أرضية لصالح نظيراتها اللبنانية التي اجتذبت شركات عراقية متعطشة لرأس المال لتسد الفراغ الذي خلفه القطاع المصرفي العراقي الذي لا يزال معزولا الى حد كبير عن أسواق المال العالمية ولا يقدم ائتمانا يذكر.
 
ويقول زياد باشا وهو مستشار تجاري أردني يقدم المشورة لشركات عراقية كبيرة "نفرنا الكثير من المستثمرين العراقيين. لو كنا تصرفنا بقدر أكبر من الحكمة لكنا اجتذبنا على الاقل ثلاثة أمثال الاستثمارات التي جاءت من العراق."سليمان الخالدي.
- (رويترز) -