صحيفة العرّاب

مرضى الايدز بين الشفقة والإدانة.. مصابون لا ذنب لهم وآخرون لا يعلمون السبب

العلاقات غير الشرعية ليست السبب دائما

 مريضة: قررت التوبة.. لكن القرار جاء متأخرا
 
العزلة حالة ملازمة للضحية.. والمجتمع لا يرحم
 
مصابون لا ذنب لهم وآخرون لا يعلمون سبب الإصابة
 
ايمن توبة 
«طاعون العصر».. هذا ما أطلق على مرض نقص المناعة المكتسب «الايدز»، هذا المرض الفتاك الذي تتزايد ضحاياه، دون بوادر ملموسة لكبح جماحه أو السيطرة عليه.
ومنذ أن ظهرت اول اصابة بمرض الايدز في الاردن في حزيران عام 1986، تم تأسيس البرنامج الوطني لمكافحة الايدز في وزارة الصحة بهدف تنفيذ إجراءات الوزارة للمكافحة والوقاية والعلاج، وهو من البرامج التي يتم تنفيذها ضمن برامج الثنائية مع منظمة الصحة العالمية ومع برنامج هيئة الأمم المتحدة لمكافحة الايدز.
 
والايدز ليس مجرد مرض ينتهي أثره عند حد الإصابة العضوية، أو حتى النفسية، حيث بات كابوسا مجتمعيا يصيب ضحيته ومن حوله بحالة من العزلة في المجتمع لا شك أن العديد من المفاهيم الخاطئة تسهم في تغذيتها. بمناسبة اليوم العالمي للايدز نسلط الضوء في هذا العدد من «المواجهة» على هذا المرض ونلتقي بعدد من المصابين به دون ان نصرح بأسمائهم للاعتبارات المعروفة.
 
علاقات غير مشروعة
(ن، ح) إحدى المصابات بالمرض، مطلقة تبلغ من العمر 33 عاما تقول لـ»المواجهة»: ان سبب اصابتي بمرض نقص المناعة هو انغماسي بعلاقات جنسية غير مشروعة، وعندما عزمت على ترك هذه العلاقات لابدأ حياة جديدة خالية من المحرمات، فاجأني المرض بوجوده وتشبثه بجسدي المنهك.. فلم اكن اعلم أن علاقاتي الخاطئة لن تنتهي بمجرد اتخاذ قرار التوبة وحسب.. وقد يكون القرار أتى متأخراً..!! وتضيف: كانت الفاجعة عظيمة عند علمي بإصابتي بالمرض وبقيت ساعات طويلة احاول استجماع شجاعتي أمام هذا الوحش الكاسر.. بعدها انتابني شعور بأني مخزن لقاذورات الحياة المحيطة بجسدي. توجهت إلى الله بالتوبة واعيش حياتي الباقية في صلاة وعبادة وتوبة واحمد الله أني أدركتها قبل أن يتوفاني الله. 
 
أفضل الحياة منعزلاً
 (أ، ر.و) 28 عاما تحدث لـ»المواجهة» قائلا: بالرغم من معاناتي منذ أكثر من ثلاث سنين من مرض نقص المناعة الا انني افضل الحياة منعزلاً بعيداً عن أسرتي والمجتمع كله.. لم اكن اتخيل في أحد الأيام أن مصيري الإصابة بالمرض فهو - على حد تعبيره - شديد الحرص عند القيام بعلاقات غير شرعية، ولم أشتك يوماً من أي أعراض لهذا المرض بل ولم اكن أعلم ما أعراضه التي من الممكن أن تظهر قبل سنوات من الإصابة.. ولم أكن أشكو من أي مرض آخر. ويضيف: اكتشفت المرض بالصدفة عند سفري الى احد البلدان العربية التي تجبر القادمين على الخضوع لفحص الايدز. وكانت الصدمة الكبرى عندما كشف التحليل إصابتي بمرض الإيدز، وتم إخباري بطبيعة المرض الذي يسكن داخلي وكيفية الإصابة به وطريقة ذلك.. عندها تمنيت الموت العاجل. ويكمل حديثه: اخضع حالياً للمتابعة العلاجية واعيش تائباً متعبداً لا افارق الاستغفار والدعاء. 
 
نقله لها زوجها 
(خ، ن) 23 عاما متزوجة منذ سنة ونصف وتحمل داخل أحشائها جنيناً في شهره السابع، تعاني من القهر الشديد وهي ضحية هذا المرض الذي نقله لها زوجها دون علمها، وتقول لـ»المواجهة»: لقد تزوجت من زوجي ولم اكن اعرفه، فزوجي يعيش في امريكا منذ 15 سنة، ولكم اعلم ان زوجي يحمل مرض نقص المناعة المكتسب. وتشير الى أنها كانت تعيش مع زوجها حياة طيبة طوال فترة زواجهما وفي إحدى مراجعاتها الخاصة بحملها الأول، اكتشفت أنها تحمل المرض من خلال التحاليل المخبرية التي أجريت لها خلال متابعة الحمل، ولم تستوعب ما سمعت أو ما اكتشفه الأطباء بدمها وتبدل شعورها في لحظة من إحساس السعادة لما تحمله في أحشائها إلى مأساة كبيرة سببها من كانت تعتقده أقرب الناس لها. 
 
لا أعلم كيف أصبت
(ش، م) أب أسرة متزوج منذ خمسة عشر عاما ولديه خمسة أطفال، موظف في قطاع حكومي، يعيش في دوامة المصابين بنقص المناعة.. جسمه نحيل وضعيف وجهه، حزين وقواه منهكة.. كثير الانطواء والبكاء، لا يعلم كيف ومتى أصيب بالمرض، فهو رجل محافظ ليس له علاقات مشبوهة.. اكتشف مرضه من خلال التحاليل التي أجراها في احدى المستشفيات.. ولم يصدق تشخيص أطبائه لوجود فيروس مرض الإيدز في دمه، الأمر الذي جعله يعيش في خوف دائم من أن ينقل المرض لزوجته أو أبنائه.. كما يشرف على علاجه عدد من الأطباء وفي مقدمتهم طبيبه النفسي.
 
لا ذنب لي
(ط.ع) 29 عاما، مصاب بمرض الايدز، يقول لـ»المواجهة»: انتقل لي الفيروس وانا جنين في بطن امي، ولا ذنب لي. ويضيف: اعاني كثيرا كوني حاملا لفيروس نقص المناعة المكتسبة، ولا احد يتعامل معي، حتى الاطباء يتجنبونني. ويتساءل: اليس لنا حقوق وواجبات، لماذا يعاقبنا المجتمع على ذنب ليس لنا دخل فيه؟ صحيح ان اغلب الاصابات بهذا المرض تتم عن طريق الممارسات الجنسية غير الصحيحة، الا ان هناك ايضا انتقالا لهذا المرض بطرق اخرى. مجتمعنا غير مثقف ولا يعي حقيقة المرض وكيفية انتقاله.
 
الخزاعي: الاعتراف الاجتماعي بالمرض والتعايش معه بات مطلبا ضروريا
وحول البعد الاجتماعي والنفسي لمرض الايدز يقول الدكتور حسين الخزاعي ان مرَض نقص المناعة المكتسب «الايدز « يعتبر مرضا سلوكيا بالدرجة الأولى، ومن أكثر الالتهابات المنقولة جنسيا، وأخطرها على حياة الإنسان، وتتجسد خطورته في أنه أصبح وباء عالمياً، وخارج نطاق السيطرة. ويضيف: لا بد من التركيز على التوعية والتثقيف بمرض الايدز والخروج من نمط التوعية الناعمة التي تحذر فقط من خطورة المرض وتتحدث بطريقة الارشادات وعرض الصور والتوعية بطرق انتقال المرض، والانتقال الى اتباع طريقة التوعية «الخشنة» وعرض حالات حقيقية لمصابين بالمرض ليتحدثوا عن واقع معايشتهم للمرض وطرق الاصابة وتوصياتهم وارشاداتهم للجمهور، وتوعية الشباب على اجراء الفحص الطوعي للفحوصات المخبرية للتحري عن فيروس العوز المناعي البشري المسبب لمرض الايدز مع التأكيد على السرية والخصوصية التي تضمن عدم الكشف عن هوية الشخص المتقدم للفحص، وذلك لأنه لا مجال للوقوف على واقع الحال بالنسبة لانتشار هذا المرض دون تعزيز وتحفيز أصحاب الممارسات المنطوية على خطر العدوى من إجراء الفحص الطوعي.
 
ولفت الخزاعي الى ان المرض يتسبب بردود فعل نفسية واجتماعية للمصاب به، تتمثل في الصدمة وفقدان السيطرة على العواطف، والغضب والشدة والانفعال والتوتر، والإجهاد النفسي والقلق، وانكار المرض وخاصة في بداية الاكتشاف، والخوف من المرض والعجز، وتأنيب الذات، حيث يشعر المريض بأنه مؤذ أو ضار أو عار على عائلته، ويعتبر هذا المرض من الأمراض ذات الصبغة الاجتماعية حيث تسبب الاصابه به مشكلات اجتماعية وأعراض طبية حيث أن مريض الايدز يعيش في مجتمع محيط به، يؤثر فيه، ويتأثر به، وقد تتدهور العلاقات الأسرية بمجرد المعرفة في الإصابة في المرض ويشعر المريض انه منبوذ من المجتمع المحيط ويعيش معزولاً عن المجتمع وخاصة الأقارب والأهل والمعارف.
 
وقال : المجتمع لم يزل حتى الآن لم يبادر للاعتراف بهذا المرض وتخفيف حدة الصدمة والوصمة والتمييز عن المتعايشين مع مرض الايدز. لذا فقد آن الآون ان نعمل للوصول إلى قناعة بأن الاعتراف الاجتماعي بالمرض والتعايش معه بات مطلبا ضروريا.