ضرورة لتمتين العلاقة وسبب لتدميرها!
الغيرة الحمقاء تسري في عروق المرأة
ايمن توبة
كثيرة هي الأعراض التي التي تعكر صفو الحياة الزوجية، وتوقع بين الأزواج البغضاء والعداوة التي تؤدي الى الطلاق في كثير من الأحيان. ولعل من بين أكثر هذه الاعراض تكرارا في شكوى الازواج رجالا ونساء ذلك المرض الأزلي المسمى «الغيرة».
والواقع الذي يقرره المختصون ان الغيرة في اصلها طبيعة إنسانية وشعور طبيعي يمتلكه كل انسان، صغيرا كان ام كبيرا، ذكرا ام انثى، ولها وجوه عدة، منها ما هو مذموم ومنها ما هو محمود. والغيرة بين الزوجين ظاهرة يمكن أن تكون صحية في أي علاقة زوجية إذا ظلت ضمن حدودها الطبيعية ولم تنقلب إلى مرض يهدد استمرار هذه العلاقة. ونحن نرى كيف يسعد الزوج وتسعد الزوجة عندما يشعر كل منهما أن هناك شخصا يخاف عليه ويشتاق إليه، ويود أن يمتلكه هو وحده ليبعد عنه الآخرين ويقيه شر الأخطار. فالغيرة - التي هذه سماتها - محمودة بل مطلوبة لا بد منها بين الزوجين.
في هذا العدد تسلط «المواجهة» الضوء على هذا الموضوع لما له من اهمية واخطار جسيمة أحيانا على بيوتنا. ونسأل هنا أزواجا وزوجات عن انطباعاتهم حول الغيرة وأثرها على الحياة الزوجية.
مطلوبة بعيدا عن الشك وعدم الثقة
محمد (32 عاما، متزوج وأب لثلاثة ابناء) قال لـ»المواجهة»: ان الغيرة بين الزوجين شيء طبيعي ومطلوب للنجاح والابتكار.. على ان تكون الغيرة بحدود يقبلها العقل، بحيث لا تكون الغيرة لدى الزوجة مرضا لا يمكن شفاؤه، لان الغيرة الزائدة تؤدي في الغالب الى ما لا يحمد عقباه وانهيار الحياة الزوجية. وأضاف: على الزوج والزوجة أن يكونا حريصين على ألا تنقلب الغيرة الى شك وعدم ثقة، فلا شك أن ذلك يدمر عش الزوجية، والنتائج مأساوية؟!، لافتا بقوله «صحيح أن الغيرة مظهر ايجابي لحب الزوجين، ولكن بشرط الا تكون هذه الغيرة من النوع المفرط أو المرضي، ونظرا لطبيعة الرجل لميله الى التعدد، والمرأة تعي ذلك، ينشأ خوفها وتطغى عليها غيرتها سلبيا». «الغيرة الحمقاء» علي (40 عاما، متزوج واب لخمسة ابناء) قال: بعض الناس يقول ان الغيرة ملح الحياة الزوجية، هذا كلام صحيح، اذا كانت بحدود العقل والمنطق، اما الغيرة الحمقاء التي لا مبرر لها ولا تستند الى العقل والمنطق، فهي بالتأكيد ستقضي على الحياة الزوجية، وتحولها الى بركان، وتخرب البيوت، ومن ثم يكون لاسمح الله الفراق والخصام والحقد.
تذكي مشاعر الحب
نيرمين (29 عاما، متزوجة وام لطلفين وتعمل محامية) قالت: لا تعتبر الغيرة سيئة بحد ذاتها، لأننا لا نعرف كيف نتحكم بها، فنحن بحاجة للشعور بالغيرة في بعض الأحيان، فهي تذكي مشاعر الحب، عندما تشعر الفتاة بأن شريكها يغار عليها من الرجال الآخرين، كما أنها مفيدة إذا كان الزوج يخون زوجته، فالغيرة تسمح للزوجة بكشف الخيانة، ومواجهة الشخص وإيقافه عند حده. ولكن ترك مشاعر الغيرة تسيطر علينا دون التحكم بها يمكن أن يؤدي إلى سلوك تدميري. وتضيف قائلة: يمكن للغيرة في الزواج أن تأخذ شكلا آخر بحيث يشعر احد الوالدين بالغيرة من طريقة حب الطرف الاخر للأطفال وعلى الأغلب يشعر الأب بالغيرة من الطفل الجديد، لان الأم غالباً ما تعطي كل وقتها وحبها للطفل الجديد بينما يبقى الأب وحيداً. وبالطبع، يمكن للزوجة أن تشعر بالغيرة أيضاً من أطفالها إذا قام الأب بقضاء معظم الوقت معهم، وتركها وحيدة.
«أتمنى أن أتخلص منها»
سامية (35 عاما، متزوجة ولا تملك اطفالا) قالت: أنا غيورة للغاية. أَحب زوجي، لكن غيرتي وعدم شعوري بالأمان بسبب عدم انجابي للاطفال يحطمان علاقتنا. حتى عندما يتكلم مع زوجات أصدقائه، أصبح غيورة وأبدأ بالشك بكل شيء. أراقب عيونه حينما نكون معاً خارج المنزل وأراقبه إذا نظر إلى امرأة أخرى، واشعر بالغضب. وتستطرد سامية بالقول: غيرتي عكرت عليّ حياتي واثرت على حياتي، وقلبت حياتي جحيما، اتمنى ان اتخلص من هذه الغيرة، لكن ليس بيدي حيلة، ولا استطيع التوقف عن الغيرة والشك بكل تصرفات زوجي. وتضيف: وصل بي الامر ان اغار من ام زوجي واخواته، ومررت بفترة كرهت فيها جميع اهله، ووصل الامر لزوجي وكاد يطلقني لكن تدخل العقلاء حال دون ذلك.
تسري في عروق المرأة
الدكتور محمد (42 عاما، متزوج وأب لطفلين) قال: الغيرة تسري في عروق المرأة مع الدم وقد تكون محببة لانعاش الحب إذا كانت متزنة ومقترنة بالثقة من أجل بث الحرارة في العلاقة الزوجية.. وحتي لا تكون مدمرة لا بد من الذكاء. وللغيرة عدة انواع كما يقول علماء النفس واخطرها الغيرة (المرضية/ السلبية) فهي بالحقيقة هي دليل عدم الثقة بالنفس وبالزوج الذي تجعل حياته جحيما لا يطاق حين لا تترك زوجته فرصة إلا وتبدي شكها لمجرد أشياء تحس بها أو تتهيأ لها دون وجود ماهو مادي ملموس فتفسد حياتها وهدوءها، في تلك الحالة تكون الغيرة مرضية تحتاج لبحث اسبابها، فيجب على الزوجة ألا تشعر بأنها ملكت زوجها. ويكمل حديثه بقوله: يجب على الزوجة ان تدرك ان زوجها ليس ملاكا طاهرا، وأنه حين اختارها للزواج فضلها عن غيرها وأحبها دونهن مما يوطد الثقة في نفسها، وعليها التغاضي عن كلمات المجاملة التي ينطقها زوجها لزميلة أو قريبة، وإذا ابدى الزوج اعجابه بغيرها فلا تظهر الغيرة بل تؤيده... فإذا قال ان فلانة جميلة العينين فلا داعي لاظهار الغيظ أو تراشق الألفاظ، فهذا يجعل الزوج يعلم ما يثيرها ويستغله في أوقات عدم الصفاء. لذلك يجب أن يكون الحب بين الزوجين علي أساس من الثقة ليكون الأمان. فالاستبداد والتحكم في الرجل وتتبع خطواته قد تؤدي الي هروبه بالطلاق، وعلى المرأة ان تدرك أن زوجها لم يعد كما كان في فترة الخطوبة حيث الاهتمام وتأجج الحب، فقد غيرته مشاغل الحياة وهذا لا يعني أنه انصرف عنها لأخرى، وعلى المرأة ألا تنسى ان محافظتها على كبريائها تتصاعد بقدر تصديق زوجها حتى في أكاذيبه.
الخزاعي: شعور طبيعي يظهر في سن مبكرة.. وقد تكون حالة مرضية مدمرة
أخصائي علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية الدكتور حسين الخزاعي عرف الغيرة بأنها شعور إنساني طبيعي على اثرها يقوم الفرد بمقارنة نفسه مع الآخرين. واعتبر الخزاعي القليل منها مفيدا للإنسان اذا ما شكل له دافعية نحو العمل والانجاز الأفضل، إلا أن كثيرها بحسب الخزاعي يفسد الحياة ويؤدي إلى أضرار بالغة كالعدوان والمكيدة والرغبة في إفشال الآخرين وحتى أذيتهم. وعن الغيرة كشعور انساني قال الخزاعي انها انفعال مركب، قطباه حب التملك والشعور بالغضب مما لدى الاخرين او مما حققوه وفشل الاخر عن تحقيقه، ما ينجم عنه أحياناً التشهير بالآخرين أو مضايقتهم أو تخريب أعمالهم وانجازاتهم. وعن علامات الغيرة يقول «اللامبالاة، أو شدة الحساسية أو الإحساس بالعجز، أو فقدان الدافعية للعمل أو النظرة القاتمة للحياة». وعن تأثير الغيرة بين «انها تسبب صراعات نفسية متعددة وتعتبر في مرحلة ما خطراً على التوافق الشخصي والاجتماعي لا سيما ان صاحبها القلق والتوتر». وأشار الخزاعي الى ان الغيرة تظهر في مراحل مبكرة من عمر الانسان، فمثلا حب التملك عند الأطفال ورغبتهم بالاستحواذ على حنان الأم وتمتد الى المراهقة وتعتبر محمودة للراشدين إذا شكلت دافعاً نحو النجاح والانجاز ومجاراة المتميزين والاقتداء بهم دون التقليل من شأنهم. وشدد الخزاعي على ان خطورة الغيرة تكمن في ملازمتها للفرد في جميع مراحله ومواقفه الحياتية وامتدادها للبيئة التعليمية وبيئة العمل والحياة الزوجية واختلاطها بالصراع والحسد والرغبة في فشل الآخر بل وتحطيمه في بعض الاحيان... حينها تعتبر حالة مرضية لا بد من التوقف عندها وعلاجها حتى لا تهدم نظم العلاقات المهنية والأسرية والاجتماعية.