تواصل الجهات الرسمية المختلفة "التنصل" من مسؤوليتها عن تكرار حوادث الغرق في البرك الزراعية المنتشرة في مناطق الأغوار بحجة عدم وجود قانون ناظم يحدد خطورتها ويلزم مالكيها بشروط الوقاية لمنع حوادث الغرق، وفق مواطنين ومزارعين.
وتقر الجهات نفسها بأنه "لا يوجد قانون يلزم أصحاب البرك من المزارعين بتأمين إجراءات وقائية حولها، على اعتبار انها ممتلكات خاصة".
وباستثناء إقدام مزارعين على تسييج بركهم، كإجراء وحيد لمنع الاقتراب منها، ماتزال الآلاف منها والتي تنتشر في وادي الأردن، تشكل مصدر خطر على المواطنين، وسط تكرار مطالبة من سكان مجاورين وأهالي ضحايا قضوا غرقا فيها، بضرورة العمل على حل المشكلة.
ومن المفارقات التي يذكرها البعض، أن "وقوع أي حادث غرق في إحدى البرك الزراعية، يتحمل صاحب البركة المسؤولية عنه، في الوقت الذي تفتقد غالبية البرك إلى أدنى شروط السلامة العامة".
بدوره، رأى رئيس اتحاد مزارعي وادي الأردن مثقال الزناتي أن "حل مشكلة حوادث الغرق في البرك الزراعية يكمن في تسييجها من قبل أصحابها"، مستطردا أن "هذا الإجراء بحاجة إلى جهة إلزامية تجبر المزارعين على فعل ذلك".
وبين أن "جمعيات مستخدمي المياه، تعد احدى الجهات ذات القدرة على إقناع وإلزام أصحاب البرك بتوفير شروط السلامة العامة".
ويضيف الزناتي أنه "من الضروري تفعيل دور الحكام الإداريين في هذا الخصوص، سيما وأن لديهم صلاحيات بإلزام المزارعين بتسييج البرك".
اقتراحات الزناتي هذه جاءت بناء على تقديرات منه بـ "عدم وجود قانون خاص بإنشاء البرك ينظم أماكن تواجدها وعمقها وسعتها وماهية الشروط الواجب توافرها".
ويقدر الزناتي أن "عدد البرك التي يعمد أصحاب المزارع الى إنشائها، بهدف تجميع المياه لغايات الري تصل إلى آلاف البرك".
ومن اللافت أن أصحاب البرك، ورغم درايتهم بما يمكن أن يلحقه غرق أحد الأشخاص من مساءله قانونية، الا أن غالبيتهم يعتبرون مزارعهم أملاكا خاصة، ويجب على المواطنين احترامها.
الى ذلك، اشار مصدر في سلطة وادي الأردن فضل عدم ذكر اسمه إلى أن "أي حالة غرق في احدى البرك الزراعية، توجب المسؤولية بالكامل على صاحب البركة الذي يلاحق قانونيا ويتم تغريمه بما يصل غالبا إلى 10 آلاف دينار".
ويذكر أن هناك جهاتا معنية تتخوف من أن يعي المواطنون قيمة المبلغ الذي يمكن ان يحصلوا عليه، جراء غرق أبنائهم في البرك أو في أي جهة أخرى.
وباستعراض وجهات نظر مزارعين، يلحظ أن المسؤولية تقع في جانب كبير منها على المواطنين، من حيث عدم الامتناع عن الاقتراب من البرك واحترام ممتلكات الغير.
ولفت المزارع فارس العدوان إلى أن "المزارع هي ملك خاص لصاحبها، ويجب على المواطنين احترام الخصوصيات، وعدم دخولها إلا بعد الاستئذان من أصحابها".
وقال "إننا كمزارعين لا نستغني عن البرك الزراعية لضرورتها وأهميتها في عملية ري المزروعات، فكل مزرعة في الأغوار يوجد فيها بركة ماء زراعية، ولكن من الواجب على الأهالي العناية بأطفالهم وأولادهم ومنعهم من الدخول إلى المزارع واللعب ببرك الماء الزراعية والعبث فيها، وأحيانا السباحة، مع العلم أن المياه المتواجدة في هذه البرك لا تصلح للسباحة فهي لأغراض الزراعة فقط".
وبحسب العدوان، فإن "المؤسسات الحكومية يقع على عاتقها مسؤولية كبيرة جراء عدم توفير أماكن ملائمة للترفيه عن الأطفال بحيث يجدون في هذه الأماكن الأمان والحماية، مما يجعلهم يبتعدون عن المزارع والبرك المائية".
ووافق العدوان في الرأي المزارع المهندس محمد عبدالقادر الذي يؤكد على أن "البرك مهمة جدا للزراعة حيث يقوم المزارع بتجميع المياه فيها وري مزروعاته على فترات، كما وأن هذه البرك تعمل كمصفاة للماء من الرواسب والرمال التي تأتي مع المياه من السدود وقناة الملك عبدالله".
وأضاف أن "أي مزارع يمنع دخول أي أحد إلى مزرعته لكي لا يتم العبث بمحتوياتها ومن ضمنها البرك والتي غالبا ما يقوم المزارع برشها بالمبيدات الحشرية، لكنني كمزارع لا أستطيع أن أحرس مزرعتي كامل اليوم".
ولفت إلى أن "الأطفال وأصحاب المواشي يقومون وفي أحيان كثيرة بمغافلة أصحاب المزارع للسباحة أو الغسيل أو لسقاية مواشيهم".
وأكد أن "بعض المزارعين وضعوا سياج حماية حول بركهم الزراعية، وذلك لحمايتها وحماية المواطنين لأن أغلب هذه البرك بلاستيكية ويسهل الانزلاق فيها، وكذلك وضع إشارات تحذيرية على البرك وهذا لا يعني أنه الحل ولكنه جزء منه".
ودعا عبد القادر الأهالي إلى "ضرورة منع أطفالهم من الدخول إلى المزارع والاقتراب من البرك الزراعية وتوعيتهم من مخاطر الاقتراب منها، وأخذهم إلى أماكن خاصة للعب والسباحة والترفيه عنهم".
بدوره، قال مدير مديرية الكرامة في سلطة وادي الأردن المهندس موسى الحوارات إن "السلطة ليس لديها قوانين ملزمة لأصحاب المزارع، بأن يقوموا بعمل أسوار حماية على برك المياه الزراعية".
واضاف أن "مسؤولية السلطة تنتهي عند حدود المزرعة الخارجية لغاية إيصال المياه للمزارعين"، مؤكدا على أن "المزارع هي أملاك خاصة لأصحابها والواجب أن تكون المبادرة من المزارع نفسه بعمل سياج على بركة الماء الخاصة به".
وأكد مدير زراعة الشونة الجنوبية الدكتور سامي العدوان على أن "المديرية تقوم دوريا من خلال قسم الإرشاد الزراعي بتوجيه النصائح والإرشادات للمزارعين، بضرورة تسييج برك المياه الزراعية حفاظا على أرواح المواطنين من أهالي المنطقة أو المتنزهين، وحفاظا على هذه البرك من الحيوانات البرية التي تؤدي غالبا إلى إتلافها، مما يكلف المزارعين خسائر كبيرة".
وأضاف "أنه لا يوجد هناك قوانين لإلزام أصحاب المزارع بعمل سياج حماية على هذه البرك، لأن المزارع يتصرف داخل مزرعته كما يشاء ولا يحكمه إلا مسؤوليته تجاه بلده وأهله".
وأكد رئيس بلدية طبقة فحل علي الدلايكة على أنه "لا يمكن إلزام أي صاحب مزرعة العمل على إنشاء أو تشييك البركة داخل مزرعته".
وأشار إلى أن "البرك الزراعية خاصة وتتبع لأشخاص ولا تعتبر من ضمن اختصاص البلدية والتي تهتم بدورها بالأموار التي تدخل في تنظيم البلدية".
بيد أن بعض الأهالي قضوا غرقا في احدى البرك الزراعية، وآخرين يقبعون وفق تعبيرهم "في منطقة الخطر"، لا يعنيهم وجود أو غياب قانون بقدر تأكيدهم على ضرورة معالجة المشكلة، وأن يكون للجهات المعنية دور فاعل في إلزام أصحاب البرك بضرورة توفير شروط السلامة العامة".
كما أشار سكان المناطق التي تتواجد فيها البرك إلى أنه "من غير المقبول تحميل المسؤولية بالكامل على المواطنين سيما وأن الأطفال وهم الأكثر عرضة لحوادث الغرق، مهما تم تحذيرهم مايزالون في عمر لا يؤهلهم إلى إدراك المخاطر، وأن حمايتهم من عنادهم وجهلهم لا يأتي بقول بعض النصائح".
وتحدث والد الطفل فايز البراج الذين قضى غرقا في بركة زراعية في الغور الجنوبي الأسبوع قبل الماضي عن قصة غرق ابنه قائلا "يبلغ طفلي من العمر عشر سنوات، خرج مع أصدقائه للعب، وهو كأي طفل، لا يعي مخاطر اللعب في برك الري الزراعية القريبة من الشوارع الزراعية والتجمعات السكنية، والتي تكون عادة غير محمية بأسوار أو شبك حديدي يمنع الأطفال من الوصول إليها، فغرق فيها".
وناشد البراج المزارعين ومالكي المزارع أن "يقوموا بوضع أسلاك شائكة مرتفعة على محيط هذه البرك للحد من وصول الأطفال إليها".
كما ناشد الجهات الحكومية العمل على حماية الأطفال من مخاطر اللعب في برك الماء الزراعية قائلا إن "المؤسسات الحكومية يجب أن تتحمل مسؤوليتها تجاه الأطفال من خلال العمل على توفير أماكن خاصة للترفيه عنهم".
وبين أن البلدية في المنطقة تمتلك قطع أراض يجب أن تستغل كحدائق، تتوافر فيها الألعاب الترفيهية "حتى ولو كانت بسيطة، فذلك سيحد كثيرا من ذهاب الأطفال إلى الأماكن الخطرة كالبرك الزراعية وقناة الملك عبدالله والتي حصدت أرواح كثير من الأبرياء".
ووسط غياب آلية واضحة لوقف تكرار حوادث الغرق في البرك الزراعية، قضى ثلاثة أطفال وأصيب آخر خلال الشهر الماضي في حوادث غرق في برك زراعية، تعود ملكيتها لمزارعين في لواءي الغور الشمالي والجنوبي.
فيما بلغ مجموع حوادث الغرق منذ بداية العام الحالي في المملكة 14 حادثا نتج عنها وفاة 10 أشخاص وإصابة 4 آخرين حسب إحصائيات مديريات الدفاع المدني.
يذكر أنه وبالرجوع إلى الإحصائيات، فإن نسبة حوادث الغرق في البرك الزراعية من مجموع الحوادث الكلي وصلت حتى الربع الأول من العام الحالي إلى قرابة 28%. الغد