يهدد انقطاع مستمر لأدوية أطفال مصابين بمرض "التليف الكيسي" حياتهم، وسط ممانعة الحكومة في إدراج هؤلاء المرضى تحت مظلة التأمين الصحي الشامل، لافتقار الأردن الى دراسات علمية تحدد حجم مشكلتهم المرضية.
ويلقى 80% من مرضى التليف الكيسي في الاردن، والذي يصفه الكثير من الخبراء بالقاتل، حتفهم قبل اطفاء الشمعة الأولى من أعمارهم، وفق رئيس الجمعية الاردنية للتليف الكيسي الدكتور محمد الرواشدة.
وتعتبر فاتورة علاج هذا المرض مكلفة جدا، من ناحية الدواء والحليب المخصص للمرضى، وهو غالبا ما يكون غير متوافر، ويزيد ثمن علبة الحليب الواحدة منه على ستة دنانير، الامر الذي يصعب تلبيته باستمرار لدى العائلات التي لديها احد الابناء المصابين بهذا المرض. وفق الرواشدة.
كما يتناول الاطفال المصابون بهذا المرض الوراثي المزمن، أكثر من 40 حبة دواء يوميا، تساعدهم على الاستمرار في حياتهم، عقب التزامهم بنظام غذائي معين، وفق الرواشدة الذي طالب بإجراء استقصاء للكشف عن المرض جينيا.
وكان ضحايا مرض التليف الكيسي سابقا يموتون في طفولتهم، الا ان وسائل العلاج الحديثة منحتهم فرصة البقاء على قيد الحياة حتى سن البلوغ عبر إحداث منافذ هواء لهم، في الرئتين، واستخدام وسائل علاج طبيعي.
بالإضافة الى إمكانية اتخاذ إجراءات وقائية ضد خمجات الصدر، أو علاجها، للتقليل من الضرر الذي يصيب الرئة.
كما أصبح بالإمكان وفق الرواشدة منذ ثمانينيات القرن العشرين، زراعة القلب والرئة لبعض الأطفال الكبار، والشباب البالغين، المصابة رئاتهم بضرر كبير، من دون إغفال أهمية العلاج الطبيعي لصدر المريض.
وبحسب ذوي مرضى تليف كيسي، فإنه رغم ارتفاع كلفة العلاج والغذاء لمرض أبنائهم، فإنهم يظلون معلقين بالأمل بأن يشفوا منه، وأنهم يبذلون كل ما بوسعهم لإنقاذ حياة ابنائهم الذين يتوقعون فراقهم في أي لحظة.
ويلقي أهالي المرضى باللوم على الأطباء الذين لم يستطيعوا الكشف عن طبيعة هذا المرض أو أعراضه مبكرا، وأن هذا الجهل جعل فرصة شفاء أبنائهم "محدودة".
وطالبوا وزارة الصحة إدراج علاج وغذاء اطفالهم تحت مظلة التأمين الصحي أسوة بمرضى الأمراض المزمنة الاخرى، مثل التصلب اللويحي والفينيل كيتوريا والثلاسيميا. لافتين إلى أن تكلفة مريض التليف الكيسي تتراوح ما بين 200- 400 دينار شهريا، ما يرهق ميزانياتهم الشهرية.
ويقدر عدد المرضى المصابين في المملكة بالتليف الكيسي حوالي 500 مصاب، بحسب الرواشدة الذي أكد على أن مئات الحالات منه منتشرة بين الأردنيين لكنها "غير مكتشفة".
وبين أن الدراسات العالمية تفصح عن معدل إصابة طفل واحد لكل 13 ألف مولود في العالم.
وأكد الرواشدة على أن الدول المتقدمة تعمل باستمرار على استقصاء هذا المرض والكشف عنه أثناء الحمل، لأن جذوره وراثية ناتجة عن خلل جيني.
وطالب وزارة الصحة بالعمل على إدراجه ضمن فحوصات الأمراض الوراثية المعتمدة، مثل فحوصات الغدة الدرقية ومرض الفينيل كيتوريا الممول من قبل منظمة الصحة العالمية.
ويعتبر التليف الكيسي مرضا وراثيا (هضميا تنفسيا)، يؤدي إلى تلف شديد في الرئة، واختلالات في توزيع المواد الغذائية في الجسم، وتختلف أعراضه بناء على سن المصاب وشدة الإصابة.
ويرجع علماء أسباب المرض الى "جين مختل"، وفق الرواشدة، الذي أوضح بأن هذا الجين يقوم بإحداث تغييرات في بروتين معين، ينظم حركة كلوريد الصوديوم داخل وخارج الخلية، ويعتبر من اكثر الأمراض الوراثية القاتلة في العالم.
وأشار الرواشدة الى أن العلامة الأولى لاكتشاف المرض عند بعض الرضع، هي انسداد الأمعاء، إذ يتحول براز الرضيع في اليوم الأول أو الثاني بعد ولادته إلى براز كثيف وسميك، لدرجة تمنعه من الحركة داخل الأمعاء.
وقال إنه يصاحب أعراض المرض، فشل في النمو وإخراج إسهال دهني وتكرار الإصابة بالتهابات الجهاز التنفسي، لكن هذه الاعراض تختلف لدى الأطفال والمراهقين.
ومن أعراض المرض كذلك، يشير الرواشدة الى ملوحة في بشرة المصاب، إذ يحتوي عرق المصابين به على كميات عالية من كلوريد الصوديوم.
ويعبتر الرواشدة أن انسداد الأمعاء والإخراج الدهني يؤخران نمو المريض، ويكرران الإصابة بالتهابات صدرية وجيوبية والسعال والأزيز التنفسي، وظهور بلغم كثيف.
ولفت الرواشدة الى احتمالية إصابة المرضى بالتشمع الكبدي بسبب التهاب أو انسداد في القناة الصفراء، بالإضافة الى الانغماد المعوي، وهو انزياح جزء من الأمعاء إلى جزء آخر منها، خاصة لدى الأطفال الذين تزيد أعمارهم على 4 سنوات.
ولم يغفل أهالي المرضى دور الجمعية الأردنية للتليف الكيسي، بتوفير بعض أصناف أدويته مثل دواء "CREON 1000" عند وجود متبرعين، ولا سيما أن تكلفة العلبة الواحدة تصل الى 25 دينارا، ويحتاج المريض الى 3 علب شهريا منه.
ودعا الأهالي، الحكومة والقطاع الخاص الى تقديم الدعم المالي والمعنوي لأعضاء الجمعية التي تأسست قبل عدة سنوات مضت. الغد