كتب الزميل سلامة الدرعاوي في مقال له اليوم على صفحات الزميلة "العرب اليوم" عن الأسباب الحقيقية للعجز في الموازنة التي رفضها مجلس النواب وفتح تحقيق حولها، وهي كالتالي:
شكل النواب لجنة للتحقيق في اسباب عجز موازنة عامي 2009 و2010 وذلك بعد ان نمت النفقات بشكل مذهل, والحقيقة ان النمو غير المسبوق في العجز شهد نقطة تحول في عام 2005 ، لذلك من المفترض ان يطال التحقيق تلك الفترة لان هي اساس المشكلة المالية للخزينة.
في السنوات الاربعة الاولى من العقد الماضي وصل عجز الموازنة لحدود 220 مليون دينار وبقي بتلك الحدود حتى سنة 2005 والتي تضاعف فيها العجز الى 450 مليون دينار, هذا بسبب جملة من السياسات التي ادت الى تلك الاختلالات الكبيرة من اهمها توليد انفاق غير مسبوق في موازنة الدولة من خلال ما عرف ببرنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي الذي ضخ ما يقارب ال¯ 356 مليون دينار في مشاريع غير منتجة في الموازنة تطلب الامر فيما بعد انفاقا تشغيليا اضعاف ما انفق اساسا, وهو امر دفع الجهات الرسمية الى مواصلة الاقتراض سواء الداخلي او الخارجي من اجل سداد تلك النفقات.
السبب الثاني يعود الى ان حكومة 2005 والتي يتحمل وزير ماليتها انذاك المسؤولية الكاملة في التخبط في الموازنة تم تقدير ارقام فلكية في ايرادات الخزينة من المنح والمساعدات اضعاف ارقامها الفعلية, حيث تم تقديرها بحوالي 1.06 مليار دينار والحقيقة انه لم يصل للخزينة في تلك السنة اكثر من 240 مليون دينار .
بعد ذلك بدا مسلسل الارتفاعات الكبيرة في العجز المالي دون ان يكون هناك اية وسائل لضبطه او حتى للمراجعة المالية العامة بشكل عقلاني, وبقي الانفاق والاقتراض يتسابق عليهما مسؤولو المالية العامة دون اي مراجعة.
وبعودة الى الارقام الرسمية نجد ان عجز الموازنة تضاعف اكثر من سبع مرات خلال السنوات العشر الماضية وذلك من 200 مليون في عام 2000 ليصل الى 1.5 مليار دينار في عام 2009 وهذا سببه الانفاق غير المبرر والتفاؤل المفرط في تقديرات المنح والمساعدات المتوقعة غير المتحققة, اضافة الى تراجع معدلات النمو الاقتصادي التي لم تنمو اكثر من 50 بالمئة من معدل الانفاق العام, اي ان هناك فجوة بين النمو والانفاق الفعلي بمقدار الضعف, وقد تم تسديده خاصة من خلال الاقتراض الداخلي بعد ان تم تشديد الاقتراض الخارجي على المملكة, وهذا ما يفسر تضاعف الدين الداخلي ثلاثة اضعاف عما كان عليه في عام 2004.
حتى الخطابات الحكومية الموجهة لضبط الانفاق لم تكن تجدي نفعا, لان المعطيات على ارض الواقع كانت بعيدة في تنظيرها عن حقيقة ان راسم السياسة الاقتصادية لم يكن يرغب فعلا بضبط الانفاق على اعتبار ان الانفاق هو الذي يولد النمو والواقع ان هذا الانفاق هو الذي ولد فجوة كبيرة بين طبقات المجتمع.
حتى عندما بدأت الحكومات ببعض السلوكيات الضابطة للعجلة لم تفلح جهودهم نظرا لان الاجراءات تزامنت مع ظهور الازمة المالية العالمية التي انعكست سلبا على معظم اقتصاديات دول العالم ومن بينها الاردن حيث تراجعت ارباح الشركات الامر الذي ادى الى تراجع حاصلات الخزينة من ضريبتي الدخل والمبيعات التي توردها الشركات والمواطنون الى الخزينة.
اسباب العجز واضحة للعيان ولن يجدى نفعا الان التحقيق في انفاق مضى عليه سنوات. من المفترض ان يتم محاسبة المسؤولين عن تلك السياسات التي ادت بالخزينة الى ما نحن فيه من تخبط, والعمل على اخذ الدروس من الماضي في اعداد موازنة 2011.