لا يعني انضمام الشاعر والناقد والسياسي الاردني المثقف الدكتور خالد الكركي الى لعبة الحكم والقرار بعد تسليمه رئاسة الديوان الملكي الا ان البوصلة سياسيا تتجه اكثر نحو التحدث مع شخير الذي شهدته البلاد والذي كان التصعيد العشائري العنصر المباغت تماما فيه.
ولا يمكن بحال من الاحوال تصنيف الكركي صاحب الخطاب الشهير بعنوان بلاد 'الطما والملح' عند حرب الخليج ضد العراق في عهد الراحل الملك حسين بن طلال في مستوى الشخص المؤهل تماما للتواصل فقط مع البنية العشائرية التي تحركت على اكثر من صعيد مؤخرا واقلقت الجميع، فالرجل اكاديمي وخطيب مفوه وخرج للتو من موقع الرجل الثاني في حكومة سقطت تحت وطأة الحراك الشعبي.
لذلك تحيط الشكوك بامكانيات تمكن الكركي من تحقيق اختراقات مفصلية ومؤثرة في سياق الحراك خارج نطاق التهدئة العامة وارسال اشارات تطمين للخائفين والقلقين او بمعنى ادق لبعضهم، فكل الانحيازات النخبوية طوال الاسابيع القليلة الماضية خاطبت بوضوح هوامش محددة في التركيبة الاجتماعية وتركت او تجاهلت تماما هوامش اخرى لا زالت خارج سياق التوتر والتوتير.
يعني ذلك ان نجاح الكركي بالقيام بمهامه سياسيا على الاقل مسألة خاضعة للتساؤل وبحاجة لاتضاح المزيد من التفصيلات التي تخص تحديدا طبيعة الدور الذي سيقوم به رجل خبير في المؤسسة البيروقراطية ويفكر ويتصرف كشاعر ومثقف وله بكل تأكيد مكانة معقولة في سياق نخبة المجتمع وطبقته السياسية وان كان رمزا من رموز الحرس القديم الذين يمكن اللجوء لتجربتهم في اوقات الازمة.
والكركي بالسياق لا يدخل لعبة القرار والحكم مرتاحا على الاطلاق، فموقع من طراز رئاسة الديوان الملكي وظيفة واجندة وليس دورا على الاغلب وحتى اللحظة لم يكشف النقاب عن المساحة التي سيتحرك فيها الرجل بمشاركة او مواجهة حكومة ولدت ضعيفة وتناضل للعبور من قبضة البرلمان والانطلاق نحو افاق مفترضة لتفعيل عملية الاصلاح.
ورغم ان كلمة الاصلاح هي الاكثر تلاوة في عمان اليوم الا ان الكركي بقي من اكثر السياسيين تأسيسا لمسافة امنة تفرقه عن الاصلاحيين الليبراليين احيانا وتجمعه بالمحافظين احيانا اخرى بحيث انضم الرجل طوال السنوات العشر الماضية الى فريق الضفة الثالثة الذي يدعم مسارا اصلاحيا على شكل ثورة بيضاء مرة ثم يعود مرة ثانية 'لتفهم' مبررات الخائفين من ثورة مماثلة مع الانحياز للكلاسيكيين عندما يتطلب الامر.
وعليه فالكركي ظهر في آخر مناصبه التي تقلدها بهيئتين في الواقع فقد خطب لصالح الحرية والتعبير وحرض الشباب على قول كلمتهم ورأيهم عندما كان رئيسا لاهم الجامعات في البلاد ثم التهمته الماكينة البيروقراطية عندما استعان به سمير الرفاعي نائبا له ولم ينجح بوضوح في احتواء حراك المعلمين الذي حمل عنوانا جدليا هو تأسيس نقابة.
واليوم لا احد يعرف ايا من الهيئتين سيختارها الكركي بموقعه الرفيع الجديد علما بأن تلك مسألة مرتبطة تماما بالمطلوب منه مرحليا وبنوعية التوجيهات التي حظي بها، فامكانات الرجل الذهنية كبيرة وقدراته على الكلام والخطابة والاقناع والاحتواء اكبر لكن دوره السياسي ليس مقبولا بحماس لا عند رواد المدرسة المحافظة في الحكم ولا عند جماعة الاصلاح.
الاهم ان سلسلة التغييرات التي تشهدها عمان في المناصب الرفيعة وستشهدها قريبا تخاطب بؤر الازمة في المجتمع وتجاملها وتحاول احتواءها لكن الشعور يتزايد بان الكثير من الفئات في المجتمع لم يخاطبها احد بعد.. تلك بحد ذاتها قصة اخرى.