لم تثنها ارادتها وهي التي ولدت فاقدة لاحدى ساقيها من ان تتفوق في لياقتها البدنية وتحصل على جائزة الملك عبدالله الثاني للياقة البدنية حين برعت في الوثب والجري السريع والنشاطات الرياضية التي تصعب حتى على الانسان العادي.
الطفلة لجين ذات الوجه المشع بالبراءة والثقة, ابنة الحادية عشرة من عمرها تتمتع بإرادة صلبة وثقة كبيرة جدا بنفسها, تحدت واقعها الاليم وتخطته بالعزيمة والاصرار الى درجة انها تتناسى في كثير من الاحيان انها تعيش بلا ساق, وتستطيع القيام بحركات رياضية صعبة مثل حركات الضغط (البوش اب), والجري السريع, وضغط المعدة.
تقول والدتها لوكالة الانباء الاردنية (بترا): ان ولادة لجين - وهي ابنتها البكر- بلا ساق شكلت صدمة كبيرة لها الى درجة انها لم تخبر احدا بذلك, واخفت هذه الحقيقة عن محيطها لسنوات خوفا على مشاعر ابنتها, وخوفا من ان ترى الشفقة في اعين الناس, اذ ارادت لطفلتها واول فرحتها في الدنيا كما تصفها بان تكبر وتترعرع بطريقة عادية شأنها شأن بقية الاطفال.
وبقيت ام لجين على هذا الحال المنعزل عن الناس كما تضيف على امل ان تجد حلا طبيا لابنتها كزراعة قدم مثلا. وتعلق يبدو انني كنت احلم, فلا يوجد مثل هذا الاجراء الطبي محليا وحتى في امريكا حيث كنت سافرت وابنتي الى هناك املا بتعويضها عن ساقها المفقودة منذ ولادتها التي رجح اطباء سببها لكثرة تعرضي لفحوصات (الالترا ساوند).
في الوقت الذي ينفي فيه استشاري جراحة النسائية والتوليد والعقم د. حسام الخالدي امكانية تسبب (الالترا ساوند) بهكذا حالة, مشيرا الى ان الذي قد يتسبب باعاقات هو تعرض الحامل للاشعة السينية (الاكس ري).
وتستعين لجين بطرف اصطناعي يجدد كل ستة اشهر او كلما تعرضت ساقها لالتهاب ما نتيجة احتكاكها بالجهاز او كلما شعرت بان الطرف الاصطناعي اصبح ضيقا على ساقها وفقا لقول والدتها.
ورغم تفوق لجين رياضيا وتخطيها لواقعها تعاني كما تقول من مضايقة زميلات لها في المدرسة بانها ترتدي ساقا اصطناعية, وتحرج كثيرا حين يخرق الجهاز في منطقة الركبة بنطالها جراء احتكاكه بمعدن الجهاز فتواجه ذلك بالبكاء والانطواء لفترة, ثم تعود وتسترجع ثقتها بنفسها حين تتذكر انها متفوقة رياضيا وحاصلة على جائزة متميزة.
تقول والدتها : كنت اقوم ب¯ (ترقيع بنطالها) في منطقة الركبة بسبب كثرة اهتراء تلك المنطقة ما يثير سخرية زميلات لها في المدرسة, الا انني عدلت عن ذلك واصبحت ابتاع لها (بناطيل) جديدة بشكل دائم خوفا على مشاعرها, بل وتجاوزت خوفي من ان يعرف احد عنها الى افتخار بحالتها لاشجعها اكثر على الاختلاط بالناس والتعلم منهم وعدم الاكتراث الى اي انتقاد قد يجرحها متمنية على الناس ان يعززوا ثقة من هم بمثل حالة لجين اكثر واكثر لانها اولى بالاهتمام والرعاية والتشجيع.
تقول لجين التي لها من الاشقاء ثلاثة, انها لم تعد تكترث باي تعليق او انتقاد, وهي سعيدة بصديقتها نجود التي تشاطرها افراحها منوهة الى انها تتوق الى تعلم السباحة على ايدي متخصصين بحالتها, وتتمنى ان تتفوق في السباحة بشكل خاص, وفي المجال الرياضي بشكل عام.
المتخصص في جراحة العظام والاعاقات الحركية في مستشفى البشير د. عماد القريوتي يقول لا يوجد تقنية لزراعة الساق لا في المملكة ولا حتى في العالم خاصة في مثل حالة لجين التي تم بتر ما كان عالقا بساقها المفقودة بعد الولادة والذي كان من الممكن استغلاله لتطويل الساق ولا سيما اذا كان يوجد بالمنطقة المبتورة العظم.
ويضيف غير ان الاطراف المبتورة قد تزرع وتنجح الزراعة بيد انه وفي حالة لجين لا تنفع الا الاطراف الصناعية التي تمكنها من ممارسة حياتها بشكل طبيعي وقد تفوقت رياضيا والحمدلله, اذ ان وضعها الصحي جيد, ولا تعاني من القصر, كما ان تطور طولها ونموها طبيعيان, وتمتاز بالذكاء الواضح, اذ انه يشرف على حالتها منذ سنوات ويدرك كم هي متميزة ومتفوقة ولماحة وطموحة ايضا.
على المجتمع ان يسهم في تعزيز قدرات من هم في مثل حالة لجين من خلال التشجيع والاحاطة المستمرة وفقا للمتخصص في علم النفس الارشادي د. نايف الطعاني. ويضيف ان من يشكون (عقدة النقص) سواء نتيجة فقدهم لاطرافهم او حتى فقدهم للثقة بالنفس وهم في كامل قواهم الجسدية عليهم تخطي عقدة النقص من خلال مكافحتها واعتبارها جزءا من الماضي الذي لا عودة له الامر الذي قد يشكل دافعا قويا للتعويض والبحث عن طرق وسبل لاثبات الذات بل والتفوق عليها لكسب اعجاب المحيطين من الذين سمحوا لانفسهم بيوم ما الاستهزاء او السخرية من امثال الطفلة الرائعة لجين
ويسهب قائلا كثيرة هي الحالات التي عوض فيها اشخاص عن عقد نقص كانت ستشكل عقبة في تاريخ حياتهم لولا الاصرار والتحدي وتجاوز من يعتقدون انهم قادرون على تثبيط العزائم من خلال السخرية, فهذا الخطيب اليوناني دموستين والذي كان يعاني من (التأتأة), اصبح من المشاهير في التاريخ حين تجاوز ذلك, اذ كان يذهب الى شط البحر ويضع حصوة تحت لسانه ويحاول الكلام الى ان اصبح اشهر خطيب يوناني, والتاريخ الانساني زاخر بالعباقرة الذين كانوا يعانون من نقص ما وتجاوزوه واصبحوا نماذج مشرفة في خدمة البشرية .
والتعويض عن النقص كما يوضح د. الطعاني يستلزم بيئة محيطة جاذبة لمن يعانون من الفقد او النقص, بيئة قادرة على الاحتواء والتشجيع, لا بيئة تحاول الانتقاص من القدرات. ولا بد من استمرار تشجيع كل من يشعر بالنقص لسبب او لآخر الى ان يصبح قادرا على تجاوز عقباته ويتمكن من ان يحوز على اعجاب المجتمع كما هي حالة الطفلة لجين والتي تعد حالة مشرفة وهي بذلك فخر لبنات جيلها.