- نشرت صحيفة السبيل الثلاثاء تقريرا اعده الصحفيين طارق النعيمات ووائل البتيري معلمومات تظهر لاول مرة عن الشاب الاردني عبد الرحمن البريزات الذي قتل في عملية القاء القبض على جماعة سلفية جهادية اتهمت في خطف وقتل الناشط الايطالي فيتوريو في غزة .
وتاليا نص التقرير :
عبدالرحمن بريزات، شاب عشريني ذهب إلى غزة دون أن يلحظه أحد، لكنه لفت أنظار العالم في عملية خطف الناشط الإيطالي فيتوري التي حيّرت الكثيرين لما شابها من الغموض.
قصة عبدالرحمن تعتريها الكثير من السطور الخفية، فكيف يتمكن شاب مطلوب أمنيا في الأردن من الوصول إلى غزة، وكيف استطاع البريزات تكوين خلية من شباب جلّهم أكبر منه عمرا؟ وهل شخصية عبدالرحمن يمكن أن تتخذ قراراً بالانتحار لإنهاء حياتها؟ وما المعلومات التي خشي من إفشائها والتي قادته إلى قرار الانتحار المختلف حول صحته؟
"السبيل" في تقريرها ستكشف معلومات تنشر لأول مرة، استقتها من عدة مصادر لمحاولة رسم صورة كاملة لشخصية البريزات، ورحلة حياته القصيرة لكن المليئة في الوقت ذاته بالتفاصيل والتعقيدات.
نشأة دينية... الإخوان ثم السلفية
ولد عبدالرحمن في عام 1989 في كنف أسرة ملتزمة دينيا، حيث إن والده إمام مسجد. سكنت العائلة في مادبا عمرا طويلا، ثم انتقلت إلى منطقة خريبة السوق في جنوب عمان.
عُرف عن عبدالرحمن منذ صغره أنه شخص هادئ ملتزم متواضع، يقوم في الليل ويصوم في النهار، علاقته بوالديه متينة، ويحرص على برهما، وعلاقته مع شقيقه الأكبر معاذ مميزة جدا، حيث تأثر فيه بشدة، وهو الأمر الذي قاده لاحقا إلى المسير في درب شقيقه ونشاطه في التيار السلفي الجهادي.
نشأة عبدالرحمن الملتزمة قادته إلى الانخراط في التيارات الإسلامية في وقت مبكر من حياته، فحفظ القرآن الكريم منذ الصغر، فكان قريبا من شباب الإخوان المسلمين.
في الأثناء الشاب الرجل يطور خطا جديدا لأفكاره، خصوصا مع إلقاء القبض على شقيقه الأكبر معاذ في عام 2006، على خلفية محاولته خطف ضابط أمريكي مكلف بتدريب عناصر من الشرطة العراقية في مركز تدريب الموقر جنوب عمان.
فانكب البريزات على قراءة كتب منظري التيار السلفي، مثل "العمدة في إعداد العدة" و"الجامع في طلب العلم الشريف" كلاهما لعبدالقادر عبدالعزيز، و"ملة إبراهيم" لأبو محمد المقدسي، العقيدة الواسطية لإبن تيمية.
ابتعد عبدالرحمن شيئا فشيئا عن "الإخوان" ولم يرَ فيهم ما كان يرنو إليه من الحياة الجهادية العسكرية، حيث تبلورت لديه آنذاك فكرة الإعداد العلمي والبدني والتربوي والروحي، وضرورة نشر أفكار الدعوة السلفية الجهادية كخطوة أولى وأساسية تسبق أي خروج للجهاد أو أي عمل عسكري.
لم يكن البريزات صورة نمطية كاملة للشاب السلفي، فلم ينقَدْ بحماسة شديدة إلى العمل العسكري، وكان يرى في نفسه القدرة على قيادة من حوله من الشباب، ولأن هذا القيادي يجب أن يكون لديه أهلية في الإفتاء والتوجيه؛ انكب على طلب العلم الشرعي، وأنهى منهج أكاديمية المجد الإسلامية - وهي مؤسسة تعليمية سعودية تعطي العلم الشرعي عن طريق دورات مفتوحة على الإنترنت ومن خلال قناتها الفضائية - كاملا خلال ستة أشهر فقط، مع أن المدة المقررة سنتان.
العبور الأول إلى غزة
مع الحكم على شقيق البريزات معاذ لمدة عشرة سنوات ومن ثم محاولته الهروب، بالترافق مع نشاط عبد الرحمن المتواصل في التيار السلفي الجهادي، اجتذب الشاب العشريني أنظار الأجهزة الأمنية، وطُلب أكثر من مرة للتحقيق، وبات تحركات عبدالرحمن أكثر صعوبة إذ بات وجها مألوفا للأجهزة الأمنية.
رأى عبدالرحمن أنه بات مستعدا للانتقال إلى مرحلة جديدة عنوانها الانخراط المباشر في العمل الجهادي، فبدأ في مطلع عام 2008 بدراسة كل الطرق المتاحة للخروج من الأردن، مفضلا الذهاب إلى العراق أو أفغانستان، لكن تلك الرغبة اصطدمت مع المخاطر الأمنية في الطريق إلى البلدين.
استمر البحث عن طريق تلبي طموحه، إلى أن لاحت له الفرصة الذهبية، فجماهير غزة المستاءة من إغلاق معبر رفح، أخذت زمام الأمور بيديها، وهدمت جدار المعبر الذي خنقها في أواخر كانون الثاني من عام 2008.
حجارة الجدار المتهاوية، وضعت حجر الأساس الأول لمشروع البريزات الجهادي باتخاذ قرار شد الرحال إلى غزة، ولم يكن القطاع المحاصر آنذاك وجهة تزدحم في الطريق إليها أقدام السلفيين الجهاديين، لأن التيار هناك لم يكن ذا وجود ظاهر، وإنما عبارة عن مجموعات صغيرة محدودة التأثير والعمل.
بيد أن شخصية عبدالرحمن القوية المندفعة قادته إلى الذهاب إلى غزة عله يجد ضالته هناك، ويستطيع من خلال قربه السابق من الإخوان التقرب من كتائب القسام وأجنحة حماس المختلفة لصنع موطئ قدم له.
حزم البريزات حقائبه، وأخذ احتياطاته الأمنية، وخرج من الأردن بعد أن حلق لحيته بجواز سفر يعود لأحد أقاربه إلى مصر عن طريق العقبة - النويبع.
استطاع الوصول إلى القاهرة، وتشير المعلومات إلى أنه اتصل ببعض أعضاء السلفية هناك، ولكن من غير المعروف إذا ما كانوا قد استطاعوا ترتيب وضع معين له في غزة، لكن على الأرجح أنهم ساعدوه في تخطي الحواجز الأمنية المصرية المضروبة على رفح من خلال التهريب.
تخطى البريزات الحواجز التي ضربت على رفح من قبل أجهزة الأمن المصرية، ودخل إلى غزة بشكل طبيعي وسلس؛ لان الحدود كانت مفتوحة والعبور إلى الجانب الفلسطيني بعد هدم الجدار سهل نسبيا.
توجه عبدالرحمن مباشرة إلى شرطة حماس، وأفصح عن هويته، وقال لهم انه جاء لمساندة المجاهدين هناك، لكنه لم يفصح بوضوح عن توجهه السلفي الجهادي.
استقبلته شرطة حماس وسمحت له بالتجول في أنحاء غزة، وجال في غزة لمد شهر كامل.
في تلك الفترة نسج عبدالرحمن علاقات مع عناصر يحملون التوجه السلفي الجهادي، وتعرف شباب يحملون التوجه السلفي بعض منهم كانوا منخرطين في شرطة حماس التي تركوها لاحقا.
وتشير المعلومات إلى أن خطوة الذهاب إلى غزة لم تعجب بعض مشايخ عبدالرحمن، وتم تقديم النصح له بالعودة، على اعتبار أنه لا توجد راية للسلفية الجهادية وأنه سيضطر إلى المقاتلة تحت "الراية العمّية" من خلال حماس وغيرها من الفصائل.
انصاع البريزات للنصائح التي طالبته بالعودة رغم عدم اقتناعه، فقفل راجعا إلى الأردن بعد استطاعته بناء روابط مع أنصار تيار السلفية في غزة لتكون نواة تنظيم مستقبلا.
الرجوع للأردن
دخل عبدالرحمن بنفس الطريقة التي خرج بها من الأردن، عن طريق انتحاله لشخصية شخص آخر، لكن سرعان ما اكتشفت الأجهزة الأمنية أمره، وتم القبض عليه وحقق معه، وأطلقت الأجهزة الأمنية سراحه لاحقا، بعد تأكدها أنه لا يعتزم بذلك الوقت القيام بأي عمل عسكري في الأردن أو خارجه، وقدرت أنه لا يشكل خطرا في تلك الفترة، وبعد تدخل واساطات قام بها والده للإفراج عنه.
وفعلا مارس عبد الرحمن تفاصيل الحياة المدنية بامتياز، فانتظم في دراسة تخصص هندسة الاتصالات بكلية القدس بالأردن، ثم انتقل ليكمل دراسته في الجامعة الهاشمية.
لم يعرف عن عبد الرحمن نشاط بارز مع التيار السلفي الجهادي أثناء تلك الفترة، لكن الملاحقات والمراجعات الأمنية استمرت، خصوصا مع محاولة شقيقه الهروب من السجن.
الاختفاء، والعبور الأخير
مع نهاية عام 2009 توارى البريزات عن الأنظار، وفاجأ الجميع، بأنه استطاع العبور مرة أخرى إلى غزة.
لكن السؤال الذي يطرح، هو كيف استطاع شاب لا يتجاوز عمره 20 عاما التواري عن أنظار الأجهزة الأمنية المحترفة والعبور مرة أخرى إلى منطقة حساسة مثل غزة؟
لا نملك تفسيرا كاملا لذلك السؤال، لكن ربما بعض جوانب شخصية عبدالرحمن تجيب على ذلك، فالشاب اكتسب خبرة في التواري عن الأنظار منذ بدء الملاحقات الأمنية له ولشقيقه، ثم أنه يتميز بالذكاء الحاد، إضافة إلى أنه كتوم جدا حتى أقرب المقربين منه لم يستطيعوا معرفة ما يجول بخاطره، ثم إنه اكتسب خبرات مضافة إلى خبراته السابقة في مجال تزوير الوثائق والتخفي خلال سفره إلى غزة واحتكاكه مع السلفيين هناك وفي مصر.
علاوة عن أن عبدالرحمن لم يمارس أي نشاط تنظيمي للسلفية قبيل سفره الثاني إلى غزة، وبذلك لم يلفت الأنظار إليه، عدا عن أن الأجهزة الأمنية لم تعتبر ذلك الشاب الصغير الغض خطرا ينبغي مراقبته 24 ساعة.
وبحسب رواية والدته لوسائل الإعلام فإن عبدالرحمن كان يدرس بإحدى الجامعات هناك في الوقت الذي يعمل به على سيارة تابعة لجماعة خيرية.
ومن الواضح أنه اكتسب خبرة في كيفية سير الأمور بغزة وأعد عدته عن طريق العلاقات السابقة التي نسجها في زيارته الأولى.
موقفه من حماس والآخرين
بحسب المعلومات لم يكن يرى عبدالرحمن في حماس عدوا يستوجب القتال بل ذهب بعيدا في رؤيته بجواز القتال تحت راية الحركة التي اعتبرت "راية عمّية" من قبل شيوخ في التيار السلفي الجهادي.
إلا أن هذا الموقف تغير لاحقا وأخذ يتجه نحو التشدد خصوصا بعد الصدام الذي وقع بين حماس والسلفية الجهادية خلال أحداث مسجد ابن تيمية في شهر أيلول من عام 2009، الذي قتل فيها عدد من أبناء التيار واثنين من قياداته البارزة وهما موسى عبداللطيف المعروف بـ أبو النور المقدسي، وأبو عبدالله المهاجر السوري الجنسية، إضافة إلى قتلى من حماس بينهم قيادي بارز في كتائب القسام، كان يقوم بجهود للوساطة وحل الموضوع.
بعدها علت الأصوات من أبرز رموز التيار السلفي بان حكومة حماس حكومة كافرة لأنها لا تحكم بالشريعة وتؤمن بالديموقراطية، وأن تصرف حماس تجاه أحداث مسجد ابن تيمية إنما يدلل على نية عدائية استئصالية ضد التيار.
واتهمت حماس أيضا بـ"موالاة الرافضة" في إشارة إلى إيران وحزب الله، إضافة إلى ادعاءات بان حماس استغلت أحداث مسجد ابن تيمية في قتل نشطاء التيار السلفي الجهادي واعتقالهم وتعذيبهم.
كل تلك الأمور صاغت نظرة عبدالرحمن نحو حماس، وهو الأمر الذي صبغ كل عمله فيما بعد، بل إنه وبحسب المعلومات كان ينتقد ما أسماه بـ"تخاذل التيار السلفي الجهادي" عن نصرة أفراد التيار التي اعتقلتهم.
الفصل الأخير... الصدام
خرج عبدالرحمن بتصميم وعزم كبيرين بعد تبلور رؤيته الجديدة المتشددة تجاه حماس، وصمم على تحريك صفوف التيار السلفي الذي اعتبره متخاذلا وضعيفا أمام ما اعتبره تعديا وقمعا من قبل حماس للتيار.
وبحسب رؤية بعض المقربين من عبدالرحمن، فإن شخصية عبدالرحمن العنيدة والقوية مكنته من تجنيد خلية للعمل وفق رؤيته، وهو كان قادرا على فرض شخصيته على الأكبر منه سنا.
وربما أراد عبدالرحمن من خلال عملية خطف فيتوري ومن ثم قتله إرسال رسالتين:
الأولى: لحركة حماس التي اعتبرها زاغت عن طريق الحق وهادنت الاحتلال وأعملت قتلا واعتقالا بين أبناء التيار السلفي.
أما الرسالة الثانية فهي موجهة لأعضاء التيار السلفي الذين اعتبرهم متخاذلين ضعفاء أمام حماس، خصوصا أن عبدالرحمن كان دائم الترديد أمام زملائه انه سيقوم بعملية يلفت أنظار الجميع بينهم أسامة بن لادن نفسه، وان من شأن عمليته أن تحفز همم شباب التيار ليأخذوا زمام المبادرة ويكسروا حاجز الخوف.
هل انتحر عبدالرحمن؟
انتهت نتائج عملية عبدالرحمن وزملائه إلى غير ما أراد على ما يبدو، ليطوي صفحة رحلة امتدت بين مادبا وغزة.
وبغض النظر عن تفاصيل عملية الاختطاف والقتل التي جلبت انتقادات كبيرة على ما قام به المختطفون، فإن حماس أكدت أنها حاولت بكل ما تستطيع للحفاظ على حياة خاطفي فيتوري.
بينما اتهم ذوي عبد الرحمن حماس بقتل ابنهم وقال والده إن جثة نجله تظهر انه مصاب بعدة رصاصات وان رأسه سليم ولا يوجد به ثقوب، وان هناك ثقب رصاصة برقبته من الخلف ما يدلل على عدم انتحاره.
إلا أن حماس أكدت على لسان الناطق باسم وزارة الداخلية إيهاب الغصين أنه بعد انتهاء عملية محاصرة منزل الخاطفين وجدنا جثة عبد الرحمن ملقاة على الأرض، وقد أطلق على جسده رصاصة واحدة على المنطقة ما بين الرقبة والذقن، وعملية التشريح التي تمت وتقارير الطب الشرعي، ومشاهدات الجهات الحقوقية أكدت هذه الرواية.
وأن عبد الرحمن هو العقل المدبر للعملية، بدليل أنه خلال حصار المنزل الذي يتحصنون فيه كان هو المتحدث والمفاوض، وانه رفض السماح لأهالي شركائه في عملية الخطف الحديث لأبنائهم للعدول عن مقاومة الشرطة.
ويرى مراقبون أن سرعة تسليم جثة عبد الرحمن للسلطات الاردنية ثم لذويه يدل على ان حكومة حماس متأكدة من روايتها، والا فأنها ما كانت لتغامر بتسليم الجثة وهي تعلم علم اليقين ان أي تشريح يمكن ان ينسف روايتها.
وتشير المصادر في هذا الخصوص إلى أن عبد الرحمن ناقش فكرة الانتحار عندما يخشى المجاهد إفشاء أسرار عن الجهاد والمجاهدين حالة اعتقاله وتعذيبه، وأبدى ميلا نحو جواز ذلك مدعما رأيه بفتاوى تناولت الموضوع من قبيل فتوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ للمجاهدين ضد الاحتلال الفرنسي في الجزائر بجواز أن يقتل المجاهد نفسه إذا خشي من أن يقع في يد الجيش الفرنسي، الذي يعذبه ويستخرج منه أسرارا تضر بالمجاهدين.
كما دعم رأيه عبدالعزيز بن صالح الجربوع في فتوى له حملت عنوان "المختار في حكم الانتحار خوف إفشاء الأسرار"والتي أجازت انتحار المجاهد وفق شروط معينة، منها حمله لأسرار مهمة قد تضر بالمجاهدين.
وبناء على ما سبق فإنه ربما خشى عبدالرحمن أن تكشف شبكة العلاقات التي نسجها داخل غزة مع عناصر وقيادات التيار إذا ما تعرض للاعتقال.