قطعت فكرة إنشاء أول محطة لاستقبال الغاز القطري في دولة عربية والتي ستكون في الأردن، شوطا مهما للغاية خلال الأيام القليلة الفائتة بعد أن بدأت تأخذ طابعا تنفيذيا أكثر من أي وقت مضى.
وعلمت "الشرق" أن لجنة رسمية قطرية أردنية مشتركة تم تشكيلها أخيرا لمتابعة وبحث تنفيذ محطة استقبال الغاز القطري في الأردن والتي ستكون في مدينة العقبة (350 كيلو متر جنوب البلاد).
يوم الخميس الفائت عقدت اللجنة أولى اجتماعاتها في العاصمة عمان، برئاسة علي المطوع كبير مسوقي الغاز في شركة قطر غاز للتشغيل المحدودة عن الجانب القطري، فيما ترأس الجانب الأردني وزير الطاقة والثروة المعدنية الدكتور خالد طوقان.
بحثت اللجنة في الخطوات التنفيذية ومتطلبات بدء توريد الغاز القطري للأردن وبناء محطة استقبال الغاز القطري في العقبة، كما بحثت اللجنة في حجم الكميات التي يحتاجها الأردن سنويا والتي تقدر بنحو مليون طن من الغاز الطبيعي المسال.
وأبلغت مصادر مسؤولة تضطلع بتفاصيل الاتصالات والاجتماعات القطرية الأردنية بشأن محطة استقبال الغاز أن بناء المحطة سيكون من خلال تأسيس شركة استثمارية يشارك فيها مستثمرون سواء كانوا أفراد أو شركات من الجانبين القطري والأردني، بالإضافة إلى شريك استراتيجي، فضلا عن طرح نسبة معينة للاكتتاب العام.
◄ مذكرة تفاهم
وهناك خيار آخر يمكن اعتماده بعد أن يبحث من كلا الجانبين قد يتضمن بناء وتشغيل المحطة وفقا لنظام آل "B.O.T" العالمي.
وتابعت المصادر تقول إن المرحلة القريبة المقبلة ستشهد توقيع مذكرة تفاهم بين قطر والأردن تتعلق بإنشاء محطة استقبال الغاز القطري في العقبة.
وسيتم إيصال الغاز الطبيعي المسال من قطر إلى العقبة من خلال ناقلات عملاقة، على أن يتم تفريغ حمولة الناقلات تلك خلال المرحلة الأولى في مستودعات هناك تنقله مباشرة عبر أنابيب تصل جنوب الأردن وتمتد حتى شماله نحو الحدود السورية، وفي مرحلة لاحقة في حال إنشاء محطة استقبال الغاز، ستقوم تلك الناقلات بإفراغ حمولتها في محطة استقبال الغاز ليتم نقله مباشرة عبر الأنابيب بدلا من مستودعات التخزين.
ولن تكون فوائد محطة استقبال الغاز القطري مقصورة على الأردن فحسب، وإنما يمكن أن تطول دولا أخرى في المنطقة، مثل لبنان وتركيا ومن ثم أوروبا.
وعانى الأردن كثيرا في الآونة الأخيرة من انقطاع إمدادات الغاز المصري جراء الاعتداءات التي يتعرض لها الأنبوب الذي نقل تلك الإمدادات، حيث تعرض مرتين للانفجار كان آخرها قبل عدة أيام، ما أدى إلى توقف الإمدادات إلى الأردن بشكل كامل.
وتدعم الحكومة الأردنية المشتقات النفطية بنحو 35 مليون دينار شهريا (50 مليون دولار) بناء على الأسعار المثبتة.
◄ خسائر الأردن
وكان مجهولون شنوا مؤخرا هجوما استهدف خط أنابيب في العريش يمد الأردن وإسرائيل بالغاز، ما دفع السلطات المصرية لوقف الإمدادات، وهو ثاني هجوم يستهدف خط الأنابيب هذا في أقل من ثلاثة أشهر.
وتحول الأردن إثر توقف إمداده بالغاز المصري إلى الاعتماد على الوقود الثقيل والديزل لتوليد الكهرباء.
ويستورد الأردن الذي تغطي وارداته من الغاز المصري 80 % من حاجاته الكهربائية، 6.8 مليون متر مكعب من الغاز يوميا من مصر.
ويتكبد الأردن خسائر كبيرة من جراء تعطل إمدادات الغاز المصري تناهز قيمتها 3.5 مليون دولار يوميا.
ولا يوجد في الوقت الراهن لدى الأردن كميات من الغاز سوى ما يكفي احتياجاته لمدة أسبوعين فقط، حيث إن الكميات المتوفرة لا تكفي إلا لتشغيل محطات توليد الكهرباء.
وتتراوح تكلفة محطة استقبال الغاز القطري المرتقبة في مدينة العقبة ما بين 1.2 مليار دولار إلى ملياري دولار، وهي التكاليف التي بلغتها محطات استقبال الغاز القطري في كل إيطاليا وبريطانيا وأمريكا.
وتعتمد تكلفة أي محطة لاستقبال الغاز يتم بناؤها على طاقتها الاستيعابية والتشغيلية، فكلما كانت كبيرة، زادت التكلفة والعكس صحيح.
◄ محطات استقبال الغاز
وتعد محطة جولدن باس في ولاية تكساس الأمريكية أحدث محطة لاستقبال الغاز القطري يتم تدشينها، والتي افتتحها معالي رئيس مجلس الوزراء في السادس من أبريل الفائت على هامش أعمال مؤتمر الاستثمار القطري الذي عقد في نيويورك.
وبلغ حجم التكاليف الإجمالية لميناء غولدن باس نحو ملياري دولار، في حين استغرق العمل بالمشروع قرابة ثلاثة أعوام.
ومحطة ميناء غولدن باس للغاز الطبيعي المسال من أكبر منشآت استقبال الغاز الطبيعي المسال في العالم، حيث تبلغ طاقته الاستيعابية حوالي 15.6 مليون طن متري من الغاز المسال سنويا.
ويمكن لمحطة جولدن باس تصدير 2.5 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي في اليوم، بحيث يلبي الاحتياجات المنزلية لحوالي 10 ملايين منزل يوميا في الولايات المتحدة.
وقبل تدشين غولدن باس، كان سمو أمير البلاد المفدى قد دشن محطة الأدرياتيك في إيطاليا خلال شهر أكتوبر من عام 2009 والتي بلغت تكاليفها حوالي ملياري يورو، حيث ستسهم في توفير ما نسبته 10% من احتياجات إيطاليا من الغاز الطبيعي المسال.
وقبل ذلك أيضا، كان سمو أمير البلاد المفدى قد افتتح محطة مماثلة في ساوث هوك في بريطانيا بلغت كلفتها 1.1 مليار إسترليني، والتي جاءت في أعقاب إبرام عقد بين قطر وبريطانيا لإمداد المملكة المتحدة بنحو 16 مليون طن من الغاز القطري المسال سنويا.
◄ ناقلات عملاقة
ويأتي تدشين محطة جولدن باس وغيرها من محطات استقبال الغاز القطري الأخرى ضمن استراتيجية قطر بإيصال إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال إلى كافة أنحاء العالم، حيث قامت في سبيل ذلك بالاعتماد على عنصرين رئيسيين يتمثل الأول في بناء ناقلات غاز عملاقة تمكنت بتطورها والتقنية المستخدمة في بنائها وسعتها الهائلة من إحداث ثورة تكنولوجية في صناعة السفن، أما العنصر الثاني فيتمثل في بناء محطات ضخمة لاستقبال صادرات الغاز الطبيعي المسال القطري في عدد من الأسواق العالمية الكبيرة المستهلكة للطاقة مثل محطة غولدن باس.
ويتم نقل الغاز القطري إلى هذه المحطات من خلال أسطول ناقلات غاز عملاقة يتكون من حوالي 56 ناقلة تم بناء معظمها في كوريا الجنوبية، من بينها ناقلات حديثة تدعى كيوماكس تمثل ثورة تكنولوجية في تصنيعها، حيث يمكنها أن تعمر لمدة 80 عاما.
ويوجد على متن هذه السفن مصنع لإعادة تسييل الغاز، ما يحقق فائدة أكبر في تسليم الغاز الطبيعي المسال.
وتعتبر كيوماكس التي تبلغ سعة الواحدة منها حوالي 356 ألف متر مكعب الأكبر من نوعها في العالم التي يتم بناؤها حتى الآن، ويبلغ سعر السفينة الوحدة منها قرابة 300 مليون دولار، الا أنها تنقل في كل رحلة ما يزيد بنسبة 75% عن حمولة سفينة الغاز الطبيعي المسال التقليدية.
وتمثل ناقلات كيوماكس وكيو فليكس والتي تستخدم نظام احتواء من نوع "ممبراين"، جيلاً جديداً من ناقلات الغاز الطبيعي المسال، تدفعها محركين ديزل بطيئة، ما يجعلها أكثر كفاءة وملائمة للبيئة مقارنة مع محركات التوربين التقليدية العاملة على البخار.
وهذه الناقلات مزودة بنظام إعادة تسييل على متنها لإدارة الغاز المتبخر، وبإمكانها إيصال 100% من الحمولة إلى الزبائن.
◄ احتياطيات هائلة من الغاز
وتبيع قطر إنتاجها من الغاز من خلال طريقتين، الأولى عن طريق العقود طويلة الأجل والتي تمتد لـ 25 عاماً، حيث تتمتع هذه العقود بقدر كاف من المرونة، أما الطريقة الثانية فتكون من خلال العرض والطلب وتختلف الأسعار بموجبها من سوق إلى أخر.
وأصبح الغاز الطبيعي المسال في السنوات الأخيرة أحد أهم مصادر الطاقة النظيفة المطلوبة في معظم أنحاء العالم، ورغم أن أكبر مستهلك لهذه المادة هو الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وآسيا، فإن دولا قليلة تقوم بإنتاجها مثل قطر.
وتشير دراسات حديثة أجرتها "قطر للبترول" والمتعلقة بحقل الشمال الذي يعد أكبر حقل منفرد للغاز الطبيعي في العالم إلى أن احتياطي هذه الحقل يزيد على 900 تريليون قدم مكعبة، بينما تصل الاحتياطات القابلة للاستخراج إلى 380 تريليون قدم مكعبة، لتعادل تسعة أمثال التقديرات السابقة لاحتياطات البلاد من النفط.
وإضافة إلى الحقول البحرية، فإن لدى قطر احتياطا وفيرا في حقولها البرية، حيث يقدر مخزونها بحوالي 8 تريليونات قدم مكعبة، ويتيح هذا الاحتياطي الضخم للدولة أن تبقى منتجا عالميا للغاز بمعدل 11 مليار قدم مكعبة يوميا، أو ما يعادل 70 مليون طن سنويا من الغاز المسال، ولمدة زمنية تصل إلى 260 عاما.
وفي حين نمت القوة المحركة لصناعة الغاز الطبيعي المسال، خلال العقد الأخير بشكل كبير، فإن الطلب العالمي على هذه المادة يتضاعف كل 10 سنوات، حيث يتوقع أن يصل إلى 230 مليون طن بحلول عام 2010.
نقلا عن الشرق القطرية