كشفت مصادر مصرفية عن ترتيبات جارية لبيع حصّة من مساهمة رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري في «البنك العربي» لرئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، وذلك في إطار ترتيبات أشمل وأوسع تهدف إلى توفير السيولة المطلوبة بإلحاح لكي يتجاوز الحريري بعض مشكلاته المالية الراهنة. وتشمل هذه الترتيبات تفكيك شركة «سعودي أوجيه» والتخلّي عن أصول وموجودات ومساهمات في شركات عدّة.
رفضت مصادر إدارية في «البنك العربي» تأكيد أو نفي المعلومات عن نيّة رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري بيع جزء من حصّته في هذا البنك لرئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة... إلا أن مصادر مصرفية محلّية أصرّت على أن هذا الخبر«له أساس»؛ إذ يُتداوَل على نطاق واسع بين المصرفيين، وهو يمثّل «حديث» صالوناتهم الذي يطغى الآن على «حديث» التجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة مع اقتراب انتهاء ولايته الثالثة في 31 تموز المقبل.
وقالت المصادر المصرفية نفسها إن السنيورة لا يخفي رغبة جدّية لديه في تملّك حصّة في «البنك العربي»، فيما الحريري يعرض منذ فترة جزءاً من مساهمة «سعودي أوجيه» للبيع، نظراً إلى حاجته إلى السيولة النقدية، لكنه لم يحصل حتى الآن على السعر المقبول بسبب تراجع سعر سهم البنك في الآونة الأخيرة، وبالتالي قد يمثّل عرض السنيورة إغراءً للبيع، رغم الإحراج الذي يمكن أن تسببه هذه الصفقة على المستوى السياسي، باعتبار أن السنيورة يمثّل تحدّياً جدّياً لزعامة الحريري وأهليته لقيادة تيار المستقبل وكتلته النيابية الأكبر. علماً بأن وسائل إعلام أردنية نقلت عن مصادر مطلعة أن رجل الأعمال الأردني زياد المناصير يعمل حالياً على شراء عدد كبير من أسهم البنك العربي في بورصة عمان، وهو أحد مرشحي شراء ما يطرحه الحريري للبيع.
وبحسب المعلومات المتداولة، اضطر الحريري الذي يواجه خسائر ضخمة ونقصاً فادحاً في السيولة النقدية، إلى القبول بالنصائح الداعية إلى التخلّي عن بعض الأصول والموجودات والمساهمات في العديد من الشركات والمشاريع، كسبيل شبه وحيدة لتجاوز مأزقه المالي، ولا سيما أن العجز عن السداد بلغ حدّاً مقلقاً، وبات يهدد التزامات شركاته في السعودية وخارجها، باستثناء شركة «أوجيه تيليكوم» التي تتمتّع بوضعية جيّدة في مناطق عملها، ولا سيما في تركيا، وبات يؤثّر كذلك على علاقاته بالأطراف السعودية المؤثّرة، فضلاً عن توسّع الضغوط العائلية عليه بعدما عجزت شقيقته هند عن إيداع 3 شيكات بقيمة 150 مليون دولار حررها سعد لقاء حصّتها من ميراث والدها في«سعودي أوجيه».
وكانت «الأخبار» قد نقلت سابقاً عن مصادر مطّلعة في إدارة «سعودي أوجيه» أن هذه الشركة تنوء تحت خسائر تتجاوز قيمتها 3 مليارات دولار، وهي تتعرّض لضغوط هائلة من النافذين في السعودية، أدّت إلى تشديد الرقابة على أعمالها و«تسكير الحنفية» التي كانت تروي نهمها إلى المال العام. وهذا الواقع شجّع المتعاقدين الكثر مع الشركة على المطالبة بإلحاح بمستحقاتهم المتراكمة، وشجّع المعنيين هناك على طرح فكرة تفكيك الشركة وتقليص حجمها، الأمر الذي يؤرق الحريري ويدفعه إلى محاولة إنقاذ وضعه المالي عبر محاولة ترميم علاقته مع عائلته؛ إذ ذكرت معلومات أن اجتماعاً للعائلة حصل أخيراً في الرياض لتسوية الكثير من الإشكالات بين أفرادها.
وتأتي خطوة بيع جزء من حصّة سعد الحريري في «البنك العربي» في واحدة من الترتيبات المتفق عليها؛ فعائلة الحريري ورثت حصّة كبيرة من أسهم هذا البنك، وبحسب التقرير السنوي للبنك في نهاية عام 2010، تمتلك شركة «سعودي أوجيه المحدودة» نسبة 9.679% من الأسهم، أو ما يعادل 51686340 سهماً، كذلك تمتلك «أوجيه ميدل إيست هولدينغ» نسبة 7.113%، أو ما يعادل 37982055 سهماً، فضلاً عن مساهمات أخرى أقل أهمية، بعضها مسجّل باسم بنك البحر المتوسط، فيما نازك الحريري تمتلك حصصاً وازنة، وهي ممثلة في مجلس الإدارة.
وكانت عائلة الحريري تسعى دائماً إلى السيطرة على البنك العربي خلافاً لرغبة آل شومان، الذين أسسوا المصرف في عام 1930، وخلافاً لرغبة السلطات الرسمية الأردنية. إلا أن سعد الحريري تمكن من زيادة الحصّة في عام 2007 واستثمر ما لا يقل عن 360 مليون دولار لشراء أسهم بسعر 26.3 ديناراً أردنياً، أو ما كان يعادل في ذلك الوقت 37 دولاراً.
انطلاقاً من ذلك، نجح سعد الحريري في زيادة نفوذه في البنك العربي، وعيّن نعمة إلياس صبّاغ في منصب المدير العام التنفيذي للمصرف، وهو كان يشغل منصب المدير العام التنفيذي لبنك «البحر الأبيض المتوسّط» بين عامي 2006 و2009.
تجدر الإشارة إلى أن سعر السهم كان يبلغ في عام 2007 نحو 29.3 ديناراً (41.34 دولاراً)، وتراجع في عام 2008 إلى نحو 15.2 ديناراً (21.44 دولاراً)، وفي عام 2009 بلغ نحو 12.15 ديناراً (17.14 دولاراً)، وأغلق في عام 2010 على 9.98 دنانير (14.08 دولاراً).
هذا التراجع في سعر السهم يعكس الوضع المالي للمجموعة المصرفية التي تستحوذ على 40% من القيمة السوقية لبورصة عمان؛ فهي بدأت تواجه مشاكل مالية منذ عام 2008 بحسب ما يظهر في البيانات المالية المنشورة في تقريرها السنوي؛ ففي عام 2007 كانت أرباحها الصافية بعد الضريبة قد بلغت 774.9 مليون دولار، لكنها انخفضت في عام 2008 إلى 839.8 مليون دولار، وتابعت هذا المنحى في عام 2009 حين بلغت 575.5 مليون دولار، وأخيراً سجّلت 307.9 ملايين دولار في عام 2010. وفي وقت سابق من عام 2010 اضطرت الشركة إلى أن تزيد حصّتها في شركات تابعة لتغطية خسائر بقيمة 497 مليون دولار. أما نصيب السهم الواحد من الأرباح فقد كان في عام 2009 ما قيمته 0.99 دولار ثم تراجع في عام 2010 إلى 0.47 دولار.
وخفضت مؤسّسة التصنيف الائتماني «Moody›s» تصنيف الشركة الأم للمجموعة (Arab Bank plc) الموجودة في الأردن، من «A3» إلى «Baa1» مع أفق سلبي يعكسه التصنيف «C-». وجاء هذا الخفض نتيجة الانكشاف الكبير المستمرّ للمجموعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في ظلّ الاضطرابات الكثيرة التي تشهدها، إضافة إلى استمرار معاناتها من التعثّرات التي ظهرت في المنطقة، وعلى رأسها الهوّة التي وقعت فيها المجموعتان السعوديّتان «سعد» و«القصيبي».
وكانت وكالة التصنيف الائتماني «Standars & Poor›s» قد أكّدت تصنيفها للمجموعة المصرفيّة عند مستوى «A-» بمؤشّر مستقرّ للتوقّعات المستقبليّة.
1046 مليون دولار
هي القيمة المقدّرة للأسهم التي يمتلكها الحريري في البنك العربي، على أساس سعر التداول الحالي في البورصة الأردنية، الذي بلغ بحسب آخر إقفال نحو 9.08 دنانير أردنية، أو ما يعادل 12.8 دولاراً. علماً بأن سعد الحريري اشترى السهم بسعر 37 دولاراً في 2007