يدرس الجندي المسرَّح أحمد الدقامسة الذي يقضى حكما بالسجن المؤبد رفع دعوى قضائية أمام المحاكم المختصة للمطالبة بإلغاء معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية الموقعة عام 1994 لـ"عدم التزام إسرائيل ببنودها"، وذلك على خليفة تلوث مياه الأردن مرتين بمياه عادمة مصدرها من إسرائيل.
وقال الدقامسة، الذي التقته "الغد" يوم الجمعة الماضي في سجنه بمركز إصلاح وتأهيل قفقفا إن "إسرائيل لم تلتزم بالمعاهدة ولوثت مياه الأردن بمخلفات مصانعها ومجاريها مرتين (كانت) الأولى في عام 1998 والثانية الشهر الماضي".
وأكد الدقامسة أنه ومن متابعته لتفاصيل تلوث مياه نهر اليرموك قبل نحو شهر من خلال الصحف اليومية، التي يطلع عليها في مكتبة السجن، أن إسرائيل "لم تحترم ما وقعت عليه كعهدها دائما، وقامت من دون أي احترام للمعاهدة أو للعلاقات التي تربطها مع حكومتنا بتلويث مياه شربنا".
وأوضح الدقامسة الذي كان يتحدث لـ"الغد" من خلف الزجاج عبر هاتف السجن في قاعة الزوار أن "إسرائيل لوثت المياه قبل هذه المرة، ولم تردع، فكررتها مرة ثانية، باستهتار واضح بصحة المواطن الأردني".
وبين أنه يدرس في سجنه إمكانية رفع دعوى قضائية أمام المحاكم المختصة للمطالبة بإلغاء المعاهدة الأردنية الإسرائيلية وما نتج عنها من قوانين لـ"عدم التزام الجانب الإسرائيلي بنصوصها".
وأشار الى انه يحاول الاتصال مع محامين مختصين وقانونيين لاستشارتهم فيما اذا كان بإمكانه كمواطن اردني تقديم هذه الدعوى القضائية، مؤكدا انه في حال حصل على الاستشارات القانونية المناسبة التي تؤكد له امكانية ذلك، فإنه سيوكل القضية للمحامين للسير في الاجراءات القانونية.
والدقامسة المحكوم بالمؤبد أمضى حتى الآن 12 عاما بالسجن بعد ادانته من قبل محكمة امن الدولة في عام 1997 بقتل سبع إسرائيليات وجرح آخريات اثناء قيامهن بزيارة إلى منطقة الباقورة المحررة "لاستهزائن به اثناء صلاته من خلال مناداتهن لكلب كان برفقتهن باسم (محمد)، ما اضطره لإطلاق النار"، وفق ما جاء في افادته امام المحكمة في حينه.
إلى ذلك، يحاول الدقامسة، بقدر ما تسمح به الظروف، ان يتابع تفاصيل القضايا المحلية والعربية والإسلامية، ويهتم بشكل خاص بالقضية الفلسطينية التي يرى انها "القضية المركزية" للأمتين العربية والاسلامية.
الدقامسة، وفق ما أكد لـ"الغد"، تابع بكل جوارحه العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة في السابع والعشرين من كانون الأول (ديسمير) الماضي الذي استمر 22 يوما وأوقع نحو 1300 شهيد نصفهم من الاطفال والنساء ونحو 5000 جريح.
واغرورقت عينا الدقامسة بالدموع، عند سؤاله عن زيارة قام بها نقابيون الى قطاع غزة، وتمنى لو انه كان واحدا منهم، وطلب ان يجلب له من يزور غزة في مرة قادمة ترابا من "أرض البطولة والتضحيات"، وفق وصفه.
ويعتقد الدقامسة أن العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة يثبت عدوانية وهمجية هذا المحتل، الذي "لا يفهم ولا يريد ان يفهم سوى لغة المقاومة".
ويتساءل ايضا عن الاسباب التي تحول دون فك الحصار عن القطاع الذي "دفع ابناؤه من دمهم ضريبة الصمود ورفض الاستسلام"، ويدعو الدقامسة الذي كان يتحدث بسرعة ليتسنى له قول كل ما لديه قبل انتهاء الزيارة الدول العربية، وخصوصا مصر، الى فك الحصار عن الشعب الفلسطيني في القطاع وفتح معبر رفح.
ولم يكن اللقاء محصورا، بسؤال الدقامسة عن رأيه في القضايا السياسية، بل امتد ليشمل اموره وأوضاعه وظروف سجنه، وخصوصا حول اعلانه الاضراب عن الطعام قبل اسبوعين، وماهي ملابسات ذلك.
واضطرت "الغد" للحديث مع الدقامسة على دفعتين، فالزيارة والحديث مع أي نزيل محدد بمدة زمنية، ويتوقف الهاتف فور انتهائها، لإتاحة الفرصة للزوار والنزلاء الآخرين من اللقاء والحديث.
الحديث مع الدقامسة كان جرى خلال زيارة رئيس لجنة الحريات في نقابة المهندسين ميسرة ملص وعضو لجنة الحريات في نقابة المهندسين شكيب عودة الله.
وحول الاضراب عن الطعام الذي انهاه بسرعة بعد معالجة المشكلة التي وقعت معه في مركز الاصلاح، أكد ان المشكلة "عابرة وتمت معالجتها من قبل إدارة المركز، وبتدخل من المركز الوطني لحقوق الانسان".
ولم يرغب بالاستفاضة في شرحها، الا ان اسبابها خلاف فقهي مع شيخ المسجد في مركز الاصلاح والتأهيل، مؤكدا عودة الامور الى مجاريها الطبيعية.
ورغم الامراض الكثيرة التي يعاني منها والتي أصابته جراء "الاقامة" الطويلة في مهاجع السجون المختلفة الا ان الابتسامة لا تفارق شفتيه، ويستقبل زواره بابتسامة وسرور، ويودعهم بمثلها، ويتمنى ان يعيدوا الكرة، فزيارة السجين نافذة للتواصل مع المحيط الخارجي، وفرصة للتأكد من انه مايزال في الذاكرة، وان النسيان لم يطوه كما طوى احداثا وأشخاصا آخرين.
وبهذا الصدد، يشير الدقامسة الى ان زواره أقل عددا مما كانوا عليه في السابق، ويبين ان بعض النواب والنقابيين يزورونه بين الفينة والاخرى، الا ان ذلك "ليس كافيا" لسجين يقضى سنوات طويلة في السجن، ويتوق للتواصل مع الآخرين.
وغيرت سني السجن الطوال ملامح الدقامسة فلم تعد ملامح ذاك الشاب الذي تظهره الصور خلال المحاكمة آنذاك شابا غير ملتح، وبشعر قصير، إذ أنه اصبح الآن ملتحيا، وبشعر طويل غزاه الشيب حتى وصل للحيته.
ويؤكد الدقامسة ان التعامل معه من قبل المسؤولين في مركز الاصلاح والتأهيل ومرتبات الامن العام "ايجابي وحسن"، ولا يشكو من سوء معاملة.
وردا على سؤال كيف يقضي نهاره، يشير الدقامسة انه يستيقظ مبكرا لأداء فريضة صلاة الفجر، فهو امام المسجد في المركز، ولذلك فإنه يؤم بالمصلين في الصلوات الخمس.
ويضيف انه يقضي يومه بالقراءة في المكتبة حيث يقرأ الكتب بمختلف انواعها، ولكنه يركز في قراءته اليومية على الكتب الدينية والسياسية والفكرية لتغنيه وتزوده بالمعرفة والثقافة في فترة انقطاعه عن العالم.
ويطالب الدقامسة زواره بإحضار الكتب والمراجع الدينية والفكرية، فالمتوفر منها في المكتبة لا يكفيه ولا يشبع توقه للعلم والمعرفة.
ويقرأ الدقامسة الصحف اليومية التي توفرها ادارة السجن للنزلاء، ويأسف لعدم تمكنه من قراءة كافة الصحف إذ أن إدارة السجون لا تسمح سوى بإدخال صحيفتين فقط إلى مراكز الإصلاح والتأهيل.
ويتابع من خلال وسائل الإعلام المتاحة له في السجن الاخبار المتعلقة به شخصيا، كما يتابعها من خلال الزوار وخصوصا عائلته، فالملتقى الوطني الذي عقدته لجنة الحريات العامة في حزب جبهة العمل الاسلامي قبل عدة شهور للمطالبة بإطلاق سراحه، كان محل اهتمامه، وخصوصا ان ابنه سيف الذي كان يبلغ اربع سنوات حينما حوكم وسجن، اصبح الآن شابا، وتحدث في الملتقى عن ابيه ومحبته له.
واطلق ابنه خلال الملتقى حملة لجمع مليون توقيع للمطالبة بإطلاق سراح الدقامسة، ومازالت الحملة مستمرة بجمع التواقيع.
ينتظر الدقامسة ان يخرج من السجن، لذلك فإن الفعاليات التي تنظم للمطالبة بإطلاق سراحه، والدعوات التي يطلقها نواب بين فترة وأخرى تحظى باهتمام كبير من قبله، وكذلك من قبل زوجته وابنائه الثلاث (سيف، ونور وبتول).
وردا على سؤال لـ"الغد" حول منظمات حقوق الانسان. يقول الدقامسة ان ممثل المركز الوطني لحقوق الانسان زاره مؤخرا لمعالجة الاشكالية التي حدثت، وان زيارات المنظمات المحلية "قليلة"، في حين لا تزوره منظمات حقوق الانسان الدولية.
ومع ان زيارات منظمات حقوق الانسان قليلة، فإن المعاملة التي يتلقاها جيدة من ادارة مركز الاصلاح والتأهيل ومرتبات الامن العام، بحسب ما يتيحه القانون، كما انه يلقى معاملة جيدة من النزلاء الآخرين.
ويولي الدقامسة عائلته جل اهتمامه رغم وجوده في السجن، ويتابع تربية أبنائه وتنشئتهم وكافة التفاصيل المتعلقة بحياتهم ودراستهم وحتى طريقة لبسهم.
ويقول إنه يتواصل مع عائلته من خلال الهاتف ويتخذ كافة القرارات المتعلقة بتفاصيل حياة ابنائه ويتابع تصرفاتهم، ويحذرهم دوما من خلال الزيارات من الممارسات الخاطئة، ويحثهم على السلوك السليم والاخلاق النبيلة، ويطلب منهم عدم التقليد الاعمى، وأخذ ما هو مفيد والابتعاد عن المسيء والسلبي.
ويخشى الدقامسة على ابنائه والجيل الاردني الناشئ من "التأثيرات السلبية لبعض المحطات الفضائية التي لا تهتم سوى بالشكليات وبالتقليد وبإلهاء الشباب في الامور غير المهمة، ولا تركز على القضايا المهمة او توجيه الشباب نحو الامور المفيدة والتي تؤثر ايجابيا على الشباب وعلى المجتمع".
تجربته في السجن، محور من محاور مذكرات كتبها الدقامسة، ويكتبها ليصدرها لاحقا في كتاب لم يحدد موعده، ولكنه يأمل في أن يكون ذلك قريبا.
فما حصل معه، وما قام به شغل العالم قبل 12 عاما، وما يزال وهو في السجن يشغل اهتمام منظمات مجتمع مدني على رأسها النقابات المهنية وأحزاب سياسية معارضة، ومنظمات تختص بمجال حقوق الانسان.
ويتوقع الدقامسة لمذكراته أن تحظى باهتمام واسع في حال صدورها، فهو رغم مرور الاعوام ما يزال يحظى باهتمام، فلا يكاد يخلو مهرجان او اجتماع او ندوة او مسيرة لأحزاب المعارضة من المطالبة بإطلاق سراحه.
وما يشغل تفكير الدقامسة حاليا، هو أمر نقله الى مركز اصلاح وتأهيل ام للولو الذي أبلغ بأنه سيكون سجنه قريبا وخلال الاسابيع القليلة المقبلة، ويطلب الدقامسة من الجميع وخصوصا النقابيين زيارته فور انتقاله الى مركز تأهيل ام اللولو حتى يطمئنوا عليه وعلى اوضاعه وظروف السجن الجديد.
وبحسب الموقع الالكتروني لمديرية الامن العام فإن مركز اصلاح وتاهيل ام اللولو تم اعتماده رسمياً بتاريخ 22/11/2008م ( ولم يتم افتتاحه بعد). ويقع في محافظة المفرق ضمن حدود بلدية منشية بني حسن على شارع إربد المفرق الدولي ويبعد عن عمان حوالي 90 كيلومترا. ويتسع لـ960 نزيلا ويحتوي على أربعة مشاغل حرفية (حدادة، خياطة، نجارة، دهان) لكنها "غير مجهزة بعد".الغد