صحيفة العرّاب

سابقة قضائية خطيرة من "رئيس التفتيش"..

 - في سابقة قضائية خطيرة طلب رئيس التفتيش القضائي في وزارة العدل القاضي كريم الطراونة عبر كتاب وجهه إلى النائب العام القاضي إحسان بركات إتخاذ اجراء للكشف عن أسماء المعلقين على أخبار تتعلق بالقضاء نُشرت في مواقع اخبارية

وفي حين لم يتضح بعد الإجراء الذي ستتخذه النائب العام إلا أن هذه الخطوة التي تأتي بعد يوم واحد من نشر أخبار في وسائل الإعلام حول (دور القضاء في إنتصاره للإعلام ) تعد إنتكاسة للحريات الصحفية. 

وبما أن المواقع الالكترونية تخضع لقانون المطبوعات والنشر بحسب قرار صدر عن محكمة التمييز في العام 2009 فإن اللجوء إلى نصوص قانون المطبوعات تُذكَر في المادة الثامنة أنه ( يُحظر التدخل بأي عمل يمارسه الصحفي في إطار مهنته أو التأثير عليه أو اكراهه على إفشاء مصادر معلوماته ، بما في ذلك حرمانه من آداء عمله أو من الكتابة أو النشر بغير سبب مشروع أو مبرر ، وذلك مع عدم الاخلال بما هو متعارف عليه من سلطة رئيس التحرير في اتخاذ القرار بالنشر او عدمه).

وبالعودة إلى الأخبار التي نشرت حول قضية بعينها تتعلق بالقضاء فإن الإشارات تدل على أن الهدف الرئيس من هذه الخطوة إسكات الصحافة ليس إلا ، وعدم التطرق إلى أي خبر يتعلق في هذا الجانب بالمطلق حتى وإن اشتكى أهل المهنة وبثوا همومهم التي تتسم بالطابع الوطني والحس العالي بالمسؤولية إلى صحافة تعتبر نفسها مكملاً لدور مُقدَس يسعى لتحقيق العدالة التي هي أساس المُلك.

ويمكن القول أن الأخبار التي نُشرت التزمت بالمهنية والحرفية والدقة في المعلومات وما يؤكد على ذلك الإجراء الذي اتخذ لاحقاً في القضية المقصودة ونشرت تفاصيلها "عمون" وفردت لها مساحة كما المساحة التي مُنحت لوجهات نظر أخرى لعدد من السادة القضاة.

والغريب في الأمر أن الأخبار المتعلقة بالقضية المستهدفة لم يكن متاحاً التعليق عليها رغم أن ذلك ينافي سياسة الصحيفة إلا أنه حفاظاً على هيبة القضاء من أن تُمس بأي مداخلة فقد حُجبت عملية إدخال التعليقات وهنا السؤال " عن أي تعليقات يتم البحث ؟؟" فلم يُنشر أي تعليق على تلك الأخبار كلها .. ثم إن هذه التعليقات - إن وُجدت - لا يمكن فنياً الكشف عن مصدرها ولو كان ممكناً ذلك فالأمانة المهنية والإنصياع للقانون الذي نمتثل إليه جميعاً يقتضي منَا الحفاظ على سرية مُرسليها فمثلها مثل "إفشاء مصادر المعلومات" التي حماها القانون ، ولا يحق لأي جهة الدخول إلى لوحات التحكم لمعرفة هوية الأشخاص كون هذا الأمر يتنافى مع أبسط معايير الدستور وحقوق الإنسان والقوانين المحلية المرعية والمواثيق العالمية.

وتعود قصة الأخبار التي نشرت عندما أثار قرار صدر مطلع شهر آيار الماضي ونشرت تفاصيله "عمون" جدلاً واسعاً في الأوساط القضائية يقضي بإخلاء موقوفين بكفالة ألف دينار بعد سحب القضية من مدعي عام قرر توقيفهما ابتداء ، قبل أن تصدر محكمة بداية عمان بصفتها الاستئنافية برئاسة القاضي الدكتور نشأت الاخرس وعضوية القاضي خالد السمامعة بتاريخ (9 / 5 / 2011م) حكماً ألغت فيه قرار الإخلاء للمتهمين الاثنين بقضية تزوير قيمتها مليونا دينار .

واستهجن رجال قانون قيام رئيس التفتيش القضائي بمخالفة قانون المطبوعات والنشر بالتدخل في عمل الصحافة واعتبروا كتابَه مخالفة قانونية تستدعي مساءلته من قبل المجلس القضائي , ومحاولة للتأثير على حرية الرأي.

وقال الكاتب في صحيفة الرأي المحامي محمد الصبيحي أنه سبق لرئيس التفتيش القضائي أن وجَه كتاباً الى ادارة البحث الجنائي بخصوص هذا الأمر في محاولة لتتبع التعليقات والمداخلات الواردة من القضاة على أخبار ومقالات تتعلق بالشأن القضائي لمعرفة أسماء الاشخاص الذين قاموا بالتعليق على المذكرة الاحتجاجية الموجهة إلى رئيس المجلس القضائي.

إلا أن اجابة الصبيحي كانت في حينها " أنه وفي ضوء عدم وجود قضية مطبوعات منظورة لدى أية جهة قضائية بالخصوص , وأن مديرية التفتيش القضائي ليست محكمة وانما جهاز تفتيش داخلي خاص بالسلطة القضائية ولا تنسحب قراراته على غير العاملين في الجهاز القضائي".

ويقول " هذا يشكل سابقة خطيرة في تاريخ القضاء الاردني أن يطلب قاض من الشرطة تتبع رجال القضاء الامر الذي يشكل مخالفة لأحكام الدستور والقانون والاعراف القضائية".

ويتابع الصبيحي " بيد أن هذه المرة وجه رئيس التفتيش كتابه إلى النائب العام القاضي بإتخاذ اجراء للكشف عن أسماء المعلقين على نفس الخبر ، ولا نعرف ماذا يمكن أن يترتب على ذلك رغم مخالفته لقانون المطبوعات والنشر كون القضية تتعلق بالنشر؟؟". 

ولا بد هنا التأكيد على الرفض المُطلق لطلب رئيس التفتيش القضائي بحيث لا يمكن لأية جهة من الاطلاع أو تتبع مصادر التعليقات واختراق الاجهزة حيث يعد انهاكاً صارخاً لنصوص الدستور والقوانين التي حمت حرية الرأي والتعبير ، كما أن الحريات تلقى دعماً مباشراً من جلالة الملك الذي أكد غير مرة على ضرورة صون الحريات الاعلامية المسؤولة ولا يمكن إدراج ما كُتب إلا في هذا السياق ومن باب المصلحة العامة وتعزيز سلطة القضاء وإحقاقاً للحق والعدالة التي يحرص السادة القضاة دوماً على تطبيقها بحذافيرها. 

جلالة الملك كان قد أكد قبل أيام - بتاريخ 12 / 6 /2011 - دعمه للجهاز القضائي وتعزيز استقلاليته ، مشدداً على ضرورة تزويده بالإمكانات اللازمة والكفاءات المؤهلة لضمان استمرار تطويره وتمكينه من أداء مهامه وواجباته على أكمل وجه.

كما شدد جلالته على أن القضاء النزيه الذي يتصف بالشفافية والوضوح له دور مهم وحاسم في تسريع عملية الإصلاح الشامل في مختلف المجالات، وفي ترسيخ العدالة وسيادة القانون ومكافحة كافة أشكال الفساد، وحماية المجتمع. 

* الصورة لرئيس المجلس القضائي الأستاذ راتب الوزني ..